17-يوليو-2016

( Billal Bensalem/NurPhoto via Getty) مسجد في الجزائر العاصمة

أعاد الرئيس الشاذلي بن جديد أميرة الطرب العربي وردة الجزائرية إلى الجزائر، بعد قطيعة بينها وبين وطنها، بسبب تشنج مع الرئيس هواري بومدين، بمناسبة الذكرى العشرين للاستقلال الوطني عام 1982، حيث غنت "عيد الكرامة" التي لحنها حلمي بكر، ولم يكن الرئيس الطيب، كما صار الجزائريون يلقبونه بعد استقالته/إقالته عام 1992، يعلم أنه بذلك فتح باب السخرية منه واسعًا، إذ حوّل الشباب عبارة "احكي لأولادنا احكي" التي وردت في الأغنية، إلى عبارة "احشي لأولادنا احشي"، وتعني في القاموس الشعبي الجزائري: تحايلْ على أولادنا.

تذكرت هذه الحادثة، خلال اطلاعي على خبر أن مصالح الأمن باشرت حملة "لتطهير البلاد" من "شبكة ذات امتدادات دولية"، تعمل على الإساءة إلى الدين الحنيف ونشر قيم الإلحاد، في صفوف الشباب الجزائري، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي.

متى ينتبه الجزائريون إلى أنهم لم يحسنوا الاستثمار إيجابيًا في حماسهم الديني؟ 

وقادني فضولي إلى رصد طبيعة التعليقات الفيسبوكية التي رافقت هذا الخبر، فوقفت على تثميناتٍ بالجملة، لـ"سهر الحكومة الرشيدة" على حماية قيم الشعب من "العبث بها"، من طرف "زنادقةٍ وصعاليكَ" يتلقون الأفكار والدولار من الخارج، قصد "زعزعة الاستقرار" الذي باتت "تنعم" به الجزائر، في ظل حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.

عرفت من خلال هذه التعليقات الافتراضية، وما يشبهها من تعليقات في الواقع، أن حيلة الحكومة انطلت على قطاع واسع من الجزائريين، مثل كل مرة، إذ عرفتْ كيف تمتص غضبهم من الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي المتعفن، من خلال الدين، باتخاذها هذه الخطوة في شهر رمضان الذي ينتعش فيه الضمير الديني لدى الناس.

اقرأ/ي أيضًا: مساجد الجامعات الجزائرية.. لله أم للأحزاب؟

هنا أبادر إلى القول إن الإساءة إلى القيم الدينية العامة، من السلوكات المرفوضة قانونيًا وأخلاقيًا وإنسانيًا وذوقيًا، في الجزائر وغيرها، لكن ينبغي الانتباه إلى الحيلة الحكومية في التغطية على الخرابات الحاصلة في كل القطاعات، باللعب على أوتار دينية حساسة، فما منعها من تحريك فرق الأمن لوضع حد للتجار الفوضويين الذين يبيعون السموم على الأرصفة؟ ولتحصيل المليارات من رجال الأعمال المتهربين من دفع الضرائب؟ ولضبط الغشاشين في المنشآت الكبرى؟ وتوقيف ناهبي المال العام في وضح النهار؟

لقد ظهرت في السنوات الأخيرة ظاهرة الولاة الحجاج، بحيث يذهب والٍ ما إلى البقاع المقدسة، وعوض أن يوقف ورشات الفساد المنتعشة في ولايته بعد عودته، يعمد إلى غلق الحانات، فيهلّل المواطنون له ويغدقون عليه أسمى الصفات والنعوت، لأنه صالح ولد صالح، بوقوفه "في وجه الفساد والمفسدين"، ليكتشفوا في النهاية أنه نهب أموالهم، وفتح ثغراتٍ لتسرّب أولادهم إلى الأماكن الخطرة للشرب، أو الإقبال على المخدرات والمهلوسات وهلمّ جريمةً وخطرًا.

في العهد الاستعماري، كان ممثلو فرنسا من الجزائريين، يسمّون القيّاد، يعيثون فسادًا في علاقتهم بالعباد والبلاد، لكنهم يُبيّضون صورتهم بالظهور للصلاة مع السكان المسلمين في الجمعات والأعياد، فينسون لهم فسادهم وظلمهم وانحيازهم إلى المحتل، ولا يذكرون لهم سوى أنهم مقيمو الصلاة، من هنا ظهر المثل الشعبي "صلاة القيّاد، الجمعة والأعياد"، كناية عن الفعل الموسمي.

متى ينتبه الجزائريون إلى أنهم لم يحسنوا الاستثمار إيجابيًا في حماسهم الديني؟ وأنهم كانوا ضحايا في مفاصلَ كثيرةٍ لهذا الحماس المصروف في غير قنواته السليمة؟ ففي التسعينيات انساقوا باسم هذا الحماس وراء إسلاميين تاجروا بالدنيا والدين، فخسروا عقدًا من أعمارهم ومئات الآلاف من خيرة أولادهم، وها هم ينساقون اليوم باسم هذا الحماس وراء حكومة أثمرها التزوير وأثمرته، فيمدحونها لأنها تلاحق "المتفسخين"، وينسون أنها فرضت عليهم دستورًا من غير أن تستشيرهم، وحمت وزراء أشرفوا على فضائح مالية وتربوية، وفوتت عليهم فرصة الإقلاع الاقتصادي، حين كان سعر البرميل 100 دولار، على مدار خمسة عشر عامًا، فلم تباشر استثمارًا منتجًا للثروة، لا في السياحة ولا الفلاحة، وها هي اليوم تفرض علهم تقشفًا متعسفًا، وتلوّح بالاستدانة من الخارج؟

اقرأ/ي أيضًا:

غابرييل غارسيا ماركيز.. يوم كان جزائريًا

إيقاف برنامجين سياسيين ساخرين في الجزائر