14-أكتوبر-2016

جرائم مروعة تشهدها الجزائر هذه الأيام (أ.ف.ب)

جرائم مروعة تشهدها الجزائر هذه الأيام، اهتز لها المجتمع بشكل خاص، لأنها تتعلق بقتل الأم لأبنائها أو ذبح الابن لأبيه أو ذبح الأب لأبنائه، لتنقل واقعًا كان مخفيًا وخرج اليوم للعلن وصار في واجهة الإعلام، وإن تعددت الأسباب بالنسبة لمرتكبيها، فإن الثابت هو استفحال الجريمة في الجزائر وداخل العائلات تحديدًا وهي حسب الأرقام في تفاقم خطير.

جرائم مروعة تشهدها الجزائر ، اهتز لها المجتمع بشكل خاص، لأنها تتعلق بقتل الأم لأبنائها أو ذبح الابن لأبيه أو ذبح الأب لأبنائه

بعد حالات الاختطاف المرعبة، باتت جرائم القتل في حق الأقارب ترهب النواة الأولى للمجتمع وتدخله في دوامة يصعب الخروج منها، وبحسب المتتبعين للشأن الاجتماعي في الجزائر، فإن هذه الجرائم باءت تكشف مدى تفاقم المشاكل وراء جدران الأسرة الجزائرية، حيث لخصها الأستاذ في علم الاجتماع والجريمة عيسى حديبي لـ"ألترا صوت"، قائلًا: إن "خلف الحوادث مشاكل نفسية واجتماعية واقتصادية  تخنق الأسرة، حيث تبدأ إما بسبب مشكل اقتصادي يرجع إلى البطالة مثلًا أو أزمة السكن أو تعود لاضطرابات نفسية بين الزوجين في حالات كثيرة".

الملاحظ مؤخرًا هو تسجيل حوادث قتل من طرف الأم لأبنائها، في حالات أثارت الرأي العام في الجزائر، حيث أقدمت أم على قتل ابنيها في مدينة قسنطينة، وبعدها بأسبوع أقدمت أم أخرى من منطقة "حجوط" بمحافظة تيبازة، غرب العاصمة الجزائرية، على رمي ابنيها من شرفة العمارة ثم انتحرت، وكل التحقيقات تثبت أن الحالتين نابعتين من اضطرابات نفسية تعيشها الوالدتين.

اقرأ/ي أيضًا:  الحبس المؤقت في الجزائر.. مساجين في انتظار المجهول

يصف الأستاذ حديبي الحادثتين: "الأسرة الجزائرية تعيش على نار هادئة، تستعر يوميًا، ولا ندري متى تنفجر، بالنظر إلى ما تعيشه المرأة داخل أسرتها، إلى حد يصل بها إلى قتل أبنائها والانتحار، كما أن الاضطرابات النفسية والعقلية هي ناجمة في حقيقة الأمر عن تراكمات لمشاكل يومية، فمن يعلم كيف وصلت الأم إلى تلك الحالة؟".

وأضاف: "لا يمكن تجريم شخص دون معرفة حيثيات القضية أو أسبابها أو التراكمات المجتمعية التي يعيشها، ففي النهاية نحن لا نحكم على ظاهرة بل نحللها ونضعها في سياقها ونحذر من عواقبها"، مشددًا على أن "هناك قانون وقضاء لهما التقدير في مثل هذه الحالات".

جرائم عديدة أخرى راح ضحيتها العشرات، من مختلف الشرائح الاجتماعية والأعمار، ومنها قتل الابن لأبيه من أجل الميراث أو حتى من أجل شجار عابر يتحول إلى معركة طاحنة بفرط الغضب. كما انتشرت أيضًا في الجزائر جرائم الاغتصاب والقتل والتنكيل بالجثة، حيث كشفت الأرقام الصادرة عن مصالح الأمن الجزائرية عن أزيد من ألف امرأة تورطت في جرائم قتل، خلال السداسي الأخير من السنة الجارية، من بين أكثر من 4 آلاف شخص تم إيقافهم في قضايا قتل وجرح وضرب، من بينهم 56 في المئة من الشباب، تتراوح أعمارهم ما بين 18 إلى 31 سنة، كما سجلت المصالح الأمنية تورط أزيد من ثلاثة آلاف طفل في عدة جرائم ومنهم من أقدم على القتل. فيما كشفت ذات الاحصائيات عن تعرض أزيد من 1600 طفلًا للضرب والجرح العمد و820 طفلًا للاغتصاب ومن بينهم 480 فتاة.

كشفت الأرقام الصادرة عن مصالح الأمن الجزائرية عن أزيد من ألف امرأة تورطت في جرائم قتل، خلال السداسي الأخير من هذه السنة

اقرأ/ي أيضًا:  السارق في الجزائر.. من خائن إلى بطل

عديد المختصين في الجزائر يربطون ما يحصل الآن من جرائم عائلية وارتفاع معدل الجريمة إلى ما عاشته البلاد في سنوات التسعينيات، حيث يقول المحامي نور الدين بقاس لـ"ألترا صوت" إنه "لا يمكننا أن نفسر الجرائم وتفشيها دون ربطها بما مر به الشعب الجزائري خلال مرحلة ما يطلق عليه بالعشرية السوداء، فتأثيرها على سلوك الجزائري واضح من خلال ارتكاب جرائم الاغتصاب والقتل والتنكيل بالجثث، الأمر يتعلق بإعادة لجرائم ارتكبها الإرهاب الأعمى في السابق".

من جانب آخر، ربط الباحث في علم الاجتماع بجامعة قسنطينة عبد السلام بوراوي استفحال الجريمة في الجزائر وتغيرها بما سماه "تطور الفكر الإجرامي"، حيث عزا ذلك إلى عوامل كثيرة أهمها "انتشار الفساد وغياب القيم الأخلاقية مع انتشار الانترنت وأفلام الجريمة التي تؤثر على نفسية الجمهور وخاصة لدى فئة الشباب". وأضاف، في هذا السياق، أن "الجرائم كانت في السابق مقتصرة على الشباب المنحرف وأهم أسبابها منحصرة في الدفاع عن الشرف والميراث لكن اليوم صرنا أمام جرائم متعددة الأوجه والفاعلين والأسباب".

وشرح الباحث الجزائري تطور الجريمة عبر مراحل ثلاث شهدها المجتمع الجزائري، يقول: "عرفنا مرحلة الانتقال من الريف إلى المدينة بطرق فوضوية ودون مراعاة التوعية المدنية، وشهدنا فترة العشرية السوداء المرتبطة بالدم والإرهاب، وثم مرحلة الفساد المالي وما يسمى باستسهال كسب المال، مما دفع بالكثيرين إلى البحث عن الثراء دون وازع أخلاقي مع انتشار المخدرات وتعاطيها في المدارس والشارع".

"الإعلام يتحمل جزءًا من المسؤولية في مثل هذه الجرائم"، بحسب الأستاذة في علوم الإعلام نورية دهار، "وذلك لما يبثه وينشره من مضامين تعيد تمثيل الجريمة، والحديث عنها دون وازع مهني في غالب الأحيان"، كما وضحت لـ"ألترا صوت" أن "الإعلام صار ينشر السموم ويشجع على العنف وهو ما ينمي غريزة الانتقام في مجتمع يعرف نسبًا عالية من البطالة وانتشارًا لتعاطي المخدرات والمشاكل النفسية المرتبطة بها".   

اقرأ/ي أيضًا: 

في الأردن.. القانون في خندق المغتصب

لماذا ينجح داعش في استقطاب الأشخاص العاديين؟