26-أكتوبر-2017

لوحة الجمعية الثقافية الجاحظية

إذا كان "اتحاد الكتّاب الجزائريين" أوّل جمعية ثقافية جزائرية تأسّست بعد الاستقلال الوطني، 1962، فإن جمعية الجاحظية أول جمعية ثقافية تأسّست بعد الانفتاح الديمقراطي والتعدّدية السّياسية عام 1989، على يد الرّوائي الطاهر وطّار (1936 ـ 2010)، حيث جمعت لحظة التأسيس بين الكتّاب المعرّبين والمفرنسين، القدماء والجدد، المقيمين في الجزائر العاصمة والمقيمين خارجها.

جمعت جمعية الجاحظية بين الكتّاب المعرّبين والمفرنسين، القدماء والجدد، في الجزائر

أعطى هذا اللقاء بين الحساسيات المختلفة، تحت شعار "لا إكراه في الرّأي"، هوّية خاصّة للجمعية، ووضعها في صدارة الجمعيات النشيطة والمشجّعة للمواهب والمشاريع الجادّة، فكانت "الدّار الكبيرة"، التي لجأ إليها الكاتب الجزائري، في عزّ سنوات العنف والإرهاب، حيث قلّت المنابر الأدبية والثقافية، وكان مجرّد رؤية باب مقرّ الجمعية مفتوحًا والكتّاب يدخلونه ويخرجون منه، في شارع رضا حوحو بقلب الجزائر العاصمة، دليلًا على أن هناك نبضًا مستمرًّا في البلاد.

اقرأ/ي أيضًا: الطاهر وطار.. الحياة داخل الأسئلة الحارقة

أدّى اغتيال الشاعر والباحث باللغة الفرنسية يوسف سبتي عام 1993، وموقف الطاهر وطار من اغتيال الروائي الطاهر جعوط، حيث صرّح أن موته خسارة لفرنسا، التي يكتب بلغتها، إلى انسحاب نخبة مؤثّرة من الكتّاب باللغة الفرنسية، كان بدايةً لنزيف بقيت الجاحظية تعانيه إلى وقت قريب من رحيل مؤسّسها، وهو ما دفعه إلى أن يملأ الفراغ بأقلام من الجيل الجديد، أو من خارج الحقل الأدبي، لم يكن لها الحماس نفسه، الذي كان لجيل المؤسّسين، ممّا ساهم في تراجع ألق الجمعية وحضورها.

لم يعمل الطاهر وطّار على الدّعوة لمؤتمر حقيقي، وهو على فراش المرض الذي أودى بحياته في مستشفى باريسي عام 2010، لينتخب وجهًا جديرًا بخلافته وبرئاسة عميدة الجمعيات الثقافية الجزائرية، فكان أن خلفه الباحث وأستاذ العلوم السّياسية في جامعة الجزائر محمّد التّين. وهو المعطى، الذي أدّى الاحتجاج عليه إلى انسحاب نخبة أخرى من المؤسّسين والجيل الثاني، فوضعت الجمعية في الثلاجة على مدار السّنوات السّبع الماضية، ولم يبق لها سند ما عدا شرعيتها التاريخية المستمدّة من قيمة مؤسّسها الرّاحل.

مع مطلع الأسبوع الثّاني من الشّهر الحالي، فوجئ الشّارع الثقافي الجزائري، بقرار رئيس الجمعية الحالي محمّد التّين بيع مقرّها، الذي بات شطرًا من الذاكرة الثقافية الوطنية، لأسباب حصرها في الضّائقة المالية، التي تعرفها الجمعية. وهو ما أدّى إلى استنكار جماعي، كشفت عنه وسائل الإعلام وموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك".

احميدة عيّاشي: ماتت الجاحظية بموت وطّار، وظهر الخلفاء دون مستواه في التسيير والإبداع

كتب الروائي احميدة عيّاشي: "لقد ماتت الجاحظية بموت وطّار، وظهر الخلفاء دون مستواه في التسيير والإبداع، فلم تعد سوى ذكرى مثيرة للحزن والأسف. إن الجاحظية الجديدة لم تفلح إلا في التخلّص من إرث مؤسّسها". يضيف: "لو كنت مسؤولًا في هذه البلاد، لمنعت على جناح السرّعة بيع هذا الإرث في المزاد العلني، وحققت بذلك شرف الثقافة والمثقفين". 

اقرأ/ي أيضًا: الجزائر.. جائزة للرواية باسم الطاهر وطار

في السّياق نفسه، دعا الكاتب محمّد حسين طلبي، الذي سبق له أن ألّف كتابًا أسماه "الجاحظية بيتنا: الطاهر وطار نضال في كلّ الاتجاهات"، بصفته عضوًا مؤسّسًا، إلى التحرّك للحيلولة دون بيع المقرّ التّاريخي. يقول: "أيها الجاحظيون الأوفياء، لتكن كلمتنا واحدة: لا لضياع المعلم الرّاقي والخالد، لا لضياع الحبّ الجزائري الكبير".

وحسب ما تسرّب من وزارة الثقافة، فإن الوزير عزّ الدّين ميهوبي تدخّل لإيقاف مشروع بيع المقرّ ذي الأبعاد الرّمزية، وعرض على المكتب الحالي للجمعية فكرة شرائه من طرف "الدّيوان الوطني لحقوق المؤلّف"، حتى يضمن بقاء المقرّ ضمن أملاك الحقل الثقافي من جهة، ويوفّر المال للجمعية من جهة ثانية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ياسمينة خضرة لرشيد بوجدرة.. أسامحك مع كلّ حزني

رشيد بوجدرة.. المحكوم عليه بالازدراء مزحًا!