26-أكتوبر-2015

مدون سوري في لاهاي (أ.ف.ب/Getty)

لا أرقام دقيقة يمكن اعتبارها إحصائية لعدد المدونات التي يستخدمها السوريون. ما نعرفه هو أن الشباب السوري اتجه إلى التدوين في السنوات القليلة السابقة للثورة بسبب احتكار الإعلام التقليدي من قبل النظام. ولذا، بقي هذا التدوين بلا ملامح. ولكن ما يمكن ملاحظته خلال هذه الفترة الزمنية تزايد عدد مستخدمي المدونات سواء بالداخل السوري أو بالمغترب بعيدًا عن قبضة النظام الأمنية، ذلك رغم سوء خدمات الإنترنيت وفقدان الأدوات الذكية في سورية، مما يدلل على رغبة لدى شريحة الشباب تحديدًا لقول ما يريدون بعيدًا عن الرقابة بأنواعها المختلفة سواء الأمنية منها أو المتعلقة بالخطوط الحمراء التي تفرضها شبكات التلفزة والراديو والصحف.

التدوين وشبكات التواصل

يعزو الكثير من متابعي المدونات السبب وراء إقبال الكثير من الناس على زيارة المدونات، لكون المتلقي في الحاضر متلقي مختلف عن المتلقي في الماضي، حيث الصورة الإعلامية لم تعد تبنى على الإعلام التقليدي وحده، والمتلقي يسعى لتكوين صورة ذهنية أقرب للتكامل، حيث يساعده هذا التعدد للصورة الإعلامية على وضع ما يتلقاه من مواد إعلامية تحت مجهر النقد، وهذا ما لا تفعله القنوات التلفزيونية والصحف وحتى المواقع الإلكترونية. وغالبًا ما يكون الحدث اليومي المعاش والسجال وخاصة بما يخص المحرمات، ميزة لقدرة المدونات على ملامسة اهتمامات الناس.

أحدثت المدونات تحولات عميقة في المعادلة الإعلامية

بعيدًا عن السياسة يقول الصحفي السوري عبد الحاج أن المدونات تحمل همومه، حيث أحدثت المدونات تحولات عميقة في المعادلة الإعلامية، النقد لإنتاج إبداعي أصبح نقدًا أفضل، بفضل هذه المدونات لا مجرد"تطبيل وتزمير"كما هو حاصل في الكثير من وسائل الإعلام التقليدية، حيث النقد الصريح يلامس وعي الناس البسيطة وإدراكهم للحياة "بلا لف ودوران"، ولا يعتبر الحاج أن التدوين السوري استطاع، أن يتبوأ مكانةً كتلك التي حازها "فيس بوك" و"توتير"لذلك لا يعتبر التدوين في سورية وصل للمرحلة التي وصلها في لبنان وتونس ومصر "التدوين في سورية بقي له مكانة أقل من كونه إعلام مواطن".

أمواج إسبانية في فرات الشام

النبرة العالية والجرأة في طرح المواضيع هي أهم ما يميز مدونة" أمواج إسبانية في فرات الشام"، بفضل الجهد الذي يبذله المدون السوري ياسين سويحة. يقول سويحة لـ"ألترا صوت" إنه بدأ التدوين باللغة العربية عام2007 "وقبلها بسنة ونص كنت مبلش التدوين باللغة الإسبانية".

يرى سويحة أن الفضاء التدويني قبل الثورة السورية، كان أكثر تنوعًا "يعني موضوعات اجتماعية وثقافية وفكرية، وأيضًا سياسية عربية أو سورية" لكن عقب الثورة السورية أصبح الموضوع الأساسي هو الثورة السورية، رغم ذلك لا يعتقد سويحة أن الفضاء التدويني في سورية استطاع منافسة الإعلام التقليدي: "بالأصل لا يوجد مشهد إعلامي في سورية قبل الثورة"، فخلال الثورة كان استخدام شبكات التواصل الاجتماعي أكثر كثافةً..."لا يمكن قياسه بالتدوين"، لذلك لا يعتقد سويحة أن المدونات، رغم قدرتها على فتح ملفات ساخنة في سورية، بقيت مساحتها صغيرة لم تستطع تشكيل رأي عام ضاغط ومناصر للقضايا.. "على الأقل التجربة في سورية لا ترتقي للتجربة المصرية والتونسية".

اقرأ/ي أيضًا: "إكس ولد إكس ولد اكرك".. إذا دوّن!

والتدوين-حسب المدون سويحة- يختلف عن أشكال الإعلام المكتوب، كونه شديد الخصوصية والذاتية: "لا أعتقد أن هناك معايير أو توصيات وحتى نصائح ممكن أن تأتي لمدون، طبعًا المدون ملتزم بمعايير أخلاقية مثل الصدق والأمانة واحترام خصوصيات الناس وغيرها..."، حسب تعبيرات المدون سويحة.

وفي ظل ما يحصل في سورية اليوم، يعتبر سويحة أن موقفه واضح من نظام بشار الأسد والحركات الأصولية، بمعاداة الطرفين: "محاربة كل أشكال الاستبداد واجب المدون تجاه المتابعين له"، ويلفت النظر إلى أن الاصطفاف السياسي بالمعنى الحزبي الضيق بقي خارجه حال الكثير من المدونين السوريين". ربما هو موقف شخصي يتعلق بانعدام الظرفية الآن لممارسة أي عمل سياسي.

نكاشة. كوم

تعتبر مدونة "نكاشة.كوم" للمدون السوري ملاذ الزعبي من المدونات التي أصبحت صوت المئات من الشباب السوريين، بسبب التدوينات التي تتناول المواقف السياسية لشخصيات بارزة في المعارضة السورية. الزعبي أو كما يحب أن يسميه الناس، نكاشة، يلعب دور الوسيط الساخر بين لسان حال الناس في الواقع والمواقف السياسية لساسة المعارضة التي لا ترتقي للأداء المأمول.

يقول نكاشة إن الطابع الساخر لمدونته هو ما أعطاها تفردها "أغلب السخرية السورية تأتي على شكل بوستات، وحدها نكاشة حاولت الاشتغال على السخرية كتدوين" الكثير من المشاركات تحصدها تدوينات نكاشة، مما يجعل من البحث عن مدون نزيه وشفاف وغير مصطف سياسيًا، مطلب للناس، ونتيجةً لذلك تكون آرائه فسحةً للتفاعل والأخذ بعين الاعتبار.

يلتقي عيسى مع سويحة بلفت الانتباه لدور التدوين في التجربة المصرية والتونسية على عكس سورية

للصحفي والناقد السوري المعروف راشد عيسى، رأي خاص جدًا لا يخفيه في هذا الصدد. عيسى لا يعتبر التدوين كجزئية من"الإعلام البديل" استطاع الوصول إلى نتيجة بيضاء كتلك التي حازت عليها شبكات التواصل الاجتماعية مثل "فيس بوك" و"توتير"... "أنا أملك مدونة شخصية لكن لا يتجاوز دورها كونها مكان لإعادة نشر ما أنشره في الصحف، المدونة بوضعها التقني والتدويني المعروف لا وجود لها في سورية". ويلتقي عيسى مع سويحة بلفت الانتباه لدور التدوين في التجربة المصرية والتونسية، حيث استطاع التدوين في هذين البلدين العربيين، أن يفتحا بابًا واسعًا للنقاش والآراء المختلفة والمتنوعة، وهو ما عجزت عنه المدونات السورية حسب المدون سويحة والناقد عيسى.

ويبقى التدوين السوري، القادر على الفرار من الرقابة الأمنية ومقص الرقيب، غير قادر على الفرار من الضغوط الأخرى التي تلاحق المدونين. نكاشة الذي تعرض للكثير من الشتائم والاتهامات بسبب التدوين، لا يستطيع الجزم إن كان التدوين السوري استطاع أن يحدث النقاش وطرح الآراء المختلفة، ولكنه متفائل بالمستقبل، رغم كل شيء.

اقرأ/ي أيضًا: تلاميذ تونس ينتفضون من جديد