14-أبريل-2017

أطفال في غزة (Getty)

في الأيامِ القليلة الماضية، عاشَ قِطاع غزة حالةً عاليةً من الرفضِ، عِقبَ قرارِ الحكومة الفلسطينية في رام الله تقليص 30% من إجمالي رواتب الموظفين العمومين مدنين وعسكرين في قطاع غزة. بدأتْ الأصوات تَعلو، وحالة الاستقطابِ تبلغ أشُدَها، في الوقتِ الذي كانت محاورات في أماكنِ ذاتِ أهمية تحدث، والجميع ينتظر ما لا يُمكن أن يكونَ تَراجعًا عن القرار أو توضيحًا حقيقيًا لما يجري فعليًا.

منذ 14 حزيران/يونيو 2007، دخلت غزة مرحلةً هي الأبشع في التاريخ الفلسطيني الحديث

الجدير بالذكرِ أن غزة ومنذ الرابعِ عشر من حزيران/يونيو 2007، دخلت مرحلةً هي الأبشع في التاريخ الفلسطيني الحديث، بعد أن أُريقت الدماءُ بغزارةٍ في اتجاهاتٍ لا تحملُ معنىً أو سياقًا يمكن فَهمهُ، وما جاء بعد ذلك من انفصالٍ حقيقي ّبينَ غزةَ ومكوناتِ الوجود الفلسطيني في مناطق التواجد الأخرى. إنها المرحلة التي أنجبتْ مفردة الانقسامِ لتكون فيما بعد واحدة من مفرداتِ الحياةِ اليوميّة، ولِندفعَ خلالَ أحد عشر عامًا تداعياتِ ما حدث شعورًا عارمًا بالإحباطِ والخيبة، ومجموعة كاملة من المعاني الرديفة للموت، حيث البطالة والفقر يتزايدان، وتتسع شيئًا فشيئًا رقعة الطبقات، التي لا تستطيع توفير الحد الأدنى من احتياجاتها، أو تلك التي بالكاد تحاول أن تحافظ على قدرة العيش في ظل هذا الواقع، هذا عدا عن المشكلات البيئية التي يعاني منها القطاع، والتي يُعّبر عن أكثرها بشاعةً مشكلة تلوث المخزون الجوفي، وتملّح التربة إلى جانب تلوث مياه البحر.

اقرأ/ي أيضًا: الشرق الأوسط: مأساة العرب

منذ و قتٍ مبكرٍ، كنتُ إلى جوارِ مجموعةٍ كبيرةٍ من المتابعين، نقولُ إن حالةً كالتي نعيش سيكون لها تبعاتٌ تفتكُ بمستقبلِ القضية الفلسطينية كقضية تحرر وطني، وتُجهِزُ على ما تبقى من مشروعها. وكان الجميعُ يشاهد بصمت، ويترّقب دون أن يبدي رغبةً في محاولةِ حدوثِ تغيرٍ ما، وكان الخوفُ والشعورُ بالعجزِ شعارَ مرحلةٍ واسعةٍ، كنّا خلالها مشاركين في التأصيلِ والتمهيد لمرحلةٍ ستكون بمثابةِ آخر المسامير في نعش القضية الفلسطينية ومشروعها الوطني، هي مرحلةُ انفصال ارتباط غزة بشكلٍ تام ونهائي، بصيغة أخرى للمرحلة التي ينجزُ فيها الانقسام مشروعَهُ.
 
طِوال إحدى عشرة سنة من المحاولات واللقاءات، التي جمعتْ طرفي الانقسام، كانت النتائج دائمًا تذهبُ في اتجاه شرعنةِ وجوده، وتمترسِ كافة الأطراف خلف المُكتسبات التي يوفرها استمراره. وكانت الأطرافُ تثبتُ في كلِ مرةٍ أن لا صوتَ يعلو فوقَ صوتِ السلطة، وأن لا إرادة تُضاهي إرادة التملّكِ والسيطرة، وأن لا قوةَ تُعادِلُ قوةَ وسطوةَ النفوذ. كنّا نحذرُ ونتخوفُ ونصمتُ ونحاول ونصلي لئلا يحدث ما كنّا نخشى حدوثه، على الرغمِ من أن كافة المقدمات كانت تسير نحوه كنتيجةٍ حتميةٍ ونهائية؛ أن ينجزَ الانقسام مَشروعهُ كاملًا باتجاه فكاكٍ تامٍ ونهائيٍّ بينَ الضفة الغربية وقطاع غزة، وأن تتحمل حماس مسؤولياتها كاملةً تجاه هذه المنطقة التي لا تمتلك سلطة رام الله أي شكلٍ من أشكالِ الوجودِ فيها، حيثُ لا صلاحيات ولا قدرة على تنفيذ إجراءات، فيما تفرضُ حركة حماس سيطرتها كاملةً على كل صغيرةٍ و كبيرةٍ فيه.~شسؤ 

ما لم نتحرّك، سيكون الانفصال، بن القطاع والضفة، النهايةَ الأكثر إيلامًا لمشروع وقضية وطنية

اقرأ/ي أيضًا: باسل الأعرج.. ماذا عن أسئلتنا؟

استمرار مراوحتنا في ذات المكان، خلال الفترة السابقة، كان من المفترض أن ينتهي، لكن النهاية التي نريد ليست تلك النهاية التي نلامس قدومها بيدين ملفوفتين بالندم وشعور بالذنب لا يمكن لنا الفكاك منه. غزة المنفصلة والوحيدة والنائية والمهمشة والفقيرة والجريحة والحزينة، هكذا سينتهي مشروع الانقسام بنتيجة مميتة، وحالة أكثر بشاعة من كم الألم المهول الذي يزجه الاحتلال على رؤوسنا منذ ما يربو على ستين عامًا.

ما لم نتحرك بكامل عجزنا وخمولنا، ما لم نسبر نوايانا السيئة لخلاص نهائي وبحث دؤوب حول بقعة نور في هذه المساحات الشاسعة من العتمة، سيكون الانفصال النهايةَ الأكثر إيلامًا لمشروع وقضية وطنية، دافع من أجلها الكثير من الشهداء، وقدمت في سبيلها تضحيات كبيرة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

شمال غزة.. منطق الصراع الهادئ

شباب غزة.. بدنا نشوف الضفة!