07-أكتوبر-2018

اغتيال خاشقجي جريمة بشعة بكل ما تحمله الكلمة من معنى (MEMO)

في أحد أفلام الأكشن العربية البائسة، حمل محمود المليجي الممثل إيطالي الأصل ستيفان روستي، في "شوال" إلى أحد مقار العصابة التي يعمل لديها، لتصفية الحسابات. لو أن المتابع العربي حاول ولو من باب الخيال، أن يفكر في أن طريقة عمل عصابات الأفلام تلك، سوف تحدث حقيقة ويشهدها بحق صحفي يُمكن وصفه بالمعارض الهادئ مثل جمال خاشقجي، لكان الخيال أقرب من الواقع على كل حال.

اغتيل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في تركيا، في حادث بشع أشبه بأفلام العصابات

15 سعوديًا على متن طائرتين خاصتين، تطيران خصيصًا لتنفيذ عملية القتل. وبحسب ما توارد من بعض المصادر لقناة الجزيرة، فإن الجثمان قد نقل خارج القنصلية. وتقول مصادر إن جثمان الصحفي السعودي قُطّع تقطيعًا، حتى لا تثير عملية نقله الشبهات! الجريمة بشعة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

اقرأ/ي أيضًا: مصدر تركي: السعودية اغتالت جمال خاشقجي داخل قنصليتها

ملابسات وتساؤلات

محمود العتيبي القنصل السعودي، مصدوم ومرتبك، بالكاد يستجمع الكلمات، لينكر وجود خاشقجي في القنصلية، أو في السعودية. ويحيى العسيري الناشط السعودي المقيم في بريطانيا، يوجه رسالة على منصة الجزيرة أثناء مداخلة قام بها على خلفية مصرع خاشقجي، يطالب فيها محمود العتيبي بطلب اللجوء ليحكي ما يبدو أنه يخفيه عن العالم، فيما يخص هذه الجريمة. المشكلة أن الأمور لا تجري بهذه الصورة، فالعالم تحكمه قوانين أخرى غير تلك التي تُكتب في جنيف والنمسا ويوقع عليها الملوك والزعماء ثم ينفذون فيما بعد ما يحلو لهم.

لطالما كانت جرائم اغتيال الصحفيين والمحققين والفنانين وأصحاب الرأي حول العالم، جرائم لا يمكن التغاضي عنها، كان أحدها اغتيال الصحفية دافني كاروانا، التي اغتيلت العام الماضي بتفجير سيارتها في مالطا. لكن الأمر أكثر تعقيدًا مع خاشقجي، فقد عمل الرجل لسنوات مستشارًا للأمير السعودي تركي الفيصل، كما كان صحفيًا مقربًا من البلاط الملكي، حتى اختار منفاه في الولايات المتحدة بعد صعود نجم ولي العهد محمد بن سلمان.

كما كتب أحد الزملاء، فإن خاشقجي كان نموذجًا للصحفي للمعارض الذي يتمناه أي نظام: "معارض محترم"، ذو صوت هادئ، كان ولفترة ليست ببعيدة متماهيًا مع النظام السعودي، حتى قرر أنه لم يعد بالإمكان المزيد، فتجده حين يتحدث عن بلاده في مقالاته، مؤمنًا بضرورة حصول "الشعوب" على تعامل مختلف، ويحاول تحليل رؤى نظامه بهدوء.

و لكنه كان يعلم في الوقت ذاته أنه حتى تلك المعارضة الهادئة قد لا تضمن له تحركًا سلسًا وآمنًا في بلده. لم يكن خاشقجي يمثل أي تهديد للنظام السلماني في قصره وعلى أرضه، بل على العكس، مثَل ترك هذا الرجل حيًا ومتحدثًا نوعًا من المنطقية بين النظام وصوت هادئ كان قريبًا منه مثل خاشقجي.

سبق للسعودية أن مارست الاختطاف بحق أمراء معارضين من الأسرة الحاكمة، بل اختطفت رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري!

أما مقتله بهذا الشكل فقد بات يطرح ألف سؤال حول معناه ومغزاه بهذه الطريقة، وفي هذا التوقيت، وعلى الأراضي التركية تحديدًا. فهل كان لمصرع خاشقجي، بتلك الوحشية واللامنطق، علاقة برد السعودية على تصريحات دونالد ترامب مثلًا التي قال فيها إن النظام في السعودية لن يصمد من دون الأمريكان لأسبوعين؟ هل احتاج ابن سلمان لرد كرامة نظامه التي مسح بها ترامب أرض ولاية مينيسوتا بين حشد من المؤيدين، ليذكره أن جيشه المخضرم يحمي سلطته مقابل المال؟

اقرأ/ي أيضًا: عاملوه بدون "احترام".. تفاصيل جديدة تؤكد وضع الحريري تحت الإقامة الجبرية

ما تعنيه جريمة اغتيال خاشقجي

الحقيقة المؤكدة أن اغتيال خاشقجي يُرسل عدة رسائل إلى المعارضين والصحفيين العرب في الداخل والخارج، وإلى السلطات التركية وإلى المواثيق الدولية.

موضة اغتيال المعارضين في الخارج، وتسليمهم أو قتلهم، موضة عربية بامتياز، ولها أمثلة عالمية أيضًا. ولن يكون حادث اغتيال خاشقجي بهذه الوحشية التي أوردتها مصادر صحفية، استثناء. لكن الأكثر رعبًا هو أن كثيرًا من السلطات القمعية في عالمنا العربي، لن يضيرها أن تقلد ابن سلمان طالما كان الأمر ممكنًا، والمحاسبة قد لا توصل إلى القاتل الحقيقي.

لن ننسى أن السعودية ليست طاهرة اليد في أمر الاختطاف، وقد سبق واختطفت من قبل رئيس الوزراء اللبناني وعاملته "بدون احترام"، و لم تفرج عنه إلا بعد حين. كما أن السلطات السعودية بقيادة قيصرها الأرعن، خطفت ولاحقت أبناءها من أفراد الأسرة الحاكمة، في سنوات سابقة لتصفية حساباتها معهم، مثلما حدث مع الأمير سلطان بن تركي في عام 2003، والأمير خالد بن فرحان، وغيرهما ممن انتهى ذكرهم فجأة. وهو ما لم يحسن فعله مع خاشقجي الذي سيُعرف عن ملابسات مصرعه الكثير.

القتل معدِ، وخاصة ذلك القتل الرخيص على طريقة المافيا، وهو أمرُ مغرٍ لمجانين السلطة والمهووسين بالسيطرة

القتل معدٍ، وخاصة ذلك القتل الرخيص على طريقة المافيا، وهو أمرُ مغرٍ لمجانين السلطة والمهووسين بالسيطرة. المؤلم أن يمر قتل هذا الرجل مرور الكرام، وألا يغير دمه من الأمر الواقع شيئًا، كما لم يغير جوع وموت ملايين اليمنيين من أمر الحرب هناك شيئًا. المفزع هو ما بات يشعر به كثير من المعارضين والصحفيين العرب في كل مكان في أوطانهم أم بالمنفى، نحو ما يمكن أن ينتظرهم من مصير، في ظل عالم منافق، تحكمه القوة فقط ولا شيء سواها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

اختطاف جمال خاشقجي في إسطنبول.. وقائع محتملة ببصمة ابن سلمان!

"أمراء مخطوفون".. تواصل اضطهاد المعارضين من آل سعود