14-أبريل-2018

مدمرة أمريكية في مياه شرق المتوسط (Getty)

تمحور الهدف الرئيسي العام للهجمة الصاروخية الثلاثية التي شهدتها السماء السوربة بالأمس، حول إرسال رسالة إلى بشار الأسد، تتعلق بأن الانسحاب الأمريكي لم ينجز، لكن في الوقت عينه، هي رسالة يجللها الابتعاد قدر الإمكان عن المواقع الروسية والإيرانية، المزيد عن أفق هذه الهجمة "الاستعراضية" وخلفياتها في ترجمة التحليل المفصل الذي قدمته صحيفة الغارديان البريطانية بنسختها الدولية: 


يبدو أن العملية التي قادتها الولايات المتحدة ضد سوريا، والتي تضمنت مساهمة أربعة من الطائرات المقاتلة من طراز تورنادو من السلاح الجوي الملكي، هي عملية محدودة نسبيًا، تتمثل في هجوم قصير وحاد ضد أهداف يُزعم أنها مرتبطة بالأسلحة الكيميائية.

كان هناك تكهنات قبل الهجوم الأخير في سوريا، تفيد بأن هناك مخاطرة يُمكن أن تؤدي إلى اندلاع حرب عالمية ثالثة. إلا أن الأمر بعيد كل البعد عن ذلك

ومن المقرر أن يكون هذا الهجوم لمرة واحدة، دون تخطيط لشن أي هجمات أخرى، ما لم يقم الرئيس السوري بشار الأسد بهجمات كيميائية في المستقبل. وقد كان هناك تكهنات قبل الهجوم، تفيد بأن هناك مخاطرة يُمكن أن تؤدي إلى اندلاع حرب عالمية ثالثة. إلا أن الأمر كان بعيد كل البعد عن ذلك.

على الرغم من أنها كانت أكثر وطأةً من الضربة التي شنتها الولايات المتحدة في العام الماضي من جانب واحد ضد قاعدة جوية سورية. ففي تلك الحادثة، دُمرت 20 طائرة سورية، ما يقدر بنحو 20 % من القوات الجوية السورية. وأطلقت الولايات المتحدة 59 صاروخًا من طراز توماهوك في ذلك الهجوم: ولم تستخدم أي طائرات، للحد من مخاطر الخسائر الأمريكية.

اقرأ/ي أيضًا: حين أصبح بشار الأسد أيقونةً لليمين المتطرف في الولايات المتحدة

غير أن الهجوم الذي شُن في نهاية هذا الأسبوع، شمل ضعف كمية الأسلحة، باستخدام الطائرات والصواريخ. إلا أن هذا لا يُعد تصعيدًا كبيرًا. فقد اقتصرت الأهداف على القواعد الجوية، والمنشآت البحثية، وأماكن التخزين التي يُزعم أنها استخدمت في إعداد الهجمات الكيميائية.

لا يُعد الهجوم الثلاثي في سوريا تصعيدًا كبيرًا. فقد اقتصرت الأهداف على القواعد الجوية، والمنشآت البحثية، وأماكن التخزين التي يُزعم أنها استخدمت في إعداد الهجمات الكيميائية

تمحور الهدف الرئيسي العام، بالإضافة إلى إرسال رسالة إلى الأسد بالكف عن هجمات الأسلحة الكيميائية، حول الابتعاد قدر الإمكان عن المواقع الروسية والإيرانية، لتفادي توسيع الصراع من خلال الإشراك المباشر لروسيا أو إيران.

على الرغم من الخطاب الروسي خلال الأسبوع الذي قد يحدث فيه رد فعل انتقامي مُحتمل في حالة وقوع الهجوم، فإن روسيا في واقع الأمر بعيدة كل البعد عن القوة العسكرية التي تمتعت بها في حقبة الاتحاد السوفييتي، مع حرص موسكو على تجنب الصراع مثلها مثل واشنطن. في كل المجالات تقريبًا باستثناء الأسلحة النووية، فإن الولايات المتحدة تفوق روسيا بكثير فيما يخص الإنفاق والمعدات الدفاعية.

تنفق الولايات المتحدة حوالي 550 مليار دولار سنويًا على الدفاع مقارنة بمبلغ 70 مليار دولار تنفقه روسيا. ولطرح مثال واحد فقط، تمتلك روسيا حاملة طائرات واحدة قديمة، في حين تمتلك الولايات المتحدة 20 حاملة طائرات.

تمحور هدف الهجوم الصاروخي الأخير في سوريا في الابتعاد قدر الإمكان عن المواقع الروسية والإيرانية، لتفادي توسيع الصراع من خلال الإشراك المباشر لروسيا أو إيران

وإذا كان على روسيا أن تسعى للانتقام، فإن ذلك سيكون من خلال شكل من أشكال الأعمال الحربية المختلطة، وهو إجراء يمكن إنكاره مثل الهجوم الإلكتروني، بدلًا من المواجهة في صراع مفتوح.من أجل المساعدة على تفادي الصراع، حذرت الولايات المتحدة الروس مسبقًا من أن الهجوم قادم، والممرات الجوية التي ستُستخدم، ولكن ليس الأهداف.

اقرأ/ي أيضًا: أسماء الأسد.. "سيدة الجحيم الأولى" التي خدعت العالم الغربي

يتلخص الهدف الأمريكي في سوريا، كما أشار دونالد ترامب قبل الهجوم على مدينة دوما، في مغادرة سوريا بمجرد أن تتأكد الولايات المتحدة من هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية تمامًا. والهجوم لا يغير ذلك. إذ أنه لم يُستخدم كمحاولة لتغيير النظام. كما أن قصر الأسد الرئاسي، الذي يبرز على تل مرتفع فوق مدينة دمشق، لم يدرج ضمن قائمة الأهداف.

قد يكون الأسد سعيدًا نسبيًا بالنتيجة، وقد يكون التأثير عليه أقل من الغارة الأمريكية في العام الماضي

يبدو أن القوات الأمريكية والبريطانية والفرنسية لم تصب بأي أضرار. إذ كان هناك خطر من نظام الدفاع الجوي المتطور نسبيًا الذي قامت روسيا بتجهيز سوريا به. فقد تحطمت طائرة إسرائيلية في شهر شباط/ فبراير، والتي ادعى السوريون أنهم أسقطوها. وتعرضت الطائرات في هذه الغارة الأخيرة لهجوم من صواريخ أرض-جو، لكن جميعها لم تصب أهدافها.

وثمة خطر محتمل آخر يتمثل في أن ضرب أي أسلحة كيميائية قد يؤدي إلى انتشار السم. إلا أن خبراء الأسلحة الكيميائية البريطانيين قالوا إن الخطر ضئيل وأن أي أسلحة كيميائية ستنفجر بدلًا من أن تنتشر. وقال هاميش دي بريتون غوردون، خبير الأسلحة الكيميائية الذي قاد فريق مواجهة الأسلحة الكيميائية في المملكة المتحدة وحلف الناتو، "إن أفضل طريقة لتدمير الأسلحة الكيميائية هي تفجيرها".

في حين قال خبير آخر في الأسلحة الكيميائية، هو ريتشارد غوثري، إن ذلك يعتمد على الشكل الذي تكون عليه المادة وكيفية تخزينها. وأضاف أنه من ناحية، في إشارة إلى دراسة غير منشورة أجراها حول تأثير هجوم على مصنع كيميائي في البلقان، كان يُمكن أن يكون هناك خسارة كبيرة في الأرواح.  وتابع "ومن ناحية أخرى، فإن مخزونًا صغيرًا من المواد الخاصة بصناعة الأسلحة الكيميائية المحفوظة في شكل ثنائي ربما لا يتسبب بحدوث خطر كبير إذا ما تعرض للقصف".

في حال كان على روسيا أن تسعى للانتقام، فإن ذلك سيكون من خلال شكل من أشكال الأعمال الحربية المختلطة، وهو إجراء يمكن إنكاره مثل الهجوم الإلكتروني

وتمثل الخطر الآخر في إصابة أفراد عسكريين روسيين أو إيرانيين، أو حدوث خطأ في الحسابات من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع عدد الضحايا المدنيين، على الرغم من أن القوات العسكرية الأمريكية والبريطانية تصر على أن الصواريخ أكثر دقة وذكاءً، فإن الأخطاء قد تحدث. في حرب العراق عام 1991، أصيب ملجأ العامرية بالقنابل في بغداد مما أدى إلى مقتل أكثر من 400 مدني، كما قصفت السفارة الصينية في بلغراد عن طريق الخطأ عام 1999.

وفي محاولة لتفادي وقوع ضحايا روسيين أو إيرانيين أو مدنيين، اختار المخططون الأمريكيون والبريطانيون والفرنسيون أهدافًا اعتقدوا أنها بعيدة بما يكفي لتجنب مثل هذه النتيجة. ربما تكون التكهنات بأن العالم على حافة نزاع عالمي لا أساس لها من الصحة. وفي النهاية، لم يكن الهجوم إلا تصعيدًا طفيفًا للغارة التي حدثت في العام الماضي.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

كيف مولت "الأمم المتحدة" بشار الأسد

الأسد يستنجد بروسيا لحمايته من إسرائيل