شهد الأسبوع الأخير في السعودية، حملات اعتقال واسعة بحق نشطاء حقوقيين، ومناصرات ومناصرين لحقوق المرأة، أظهرت الوجه الحقيقي لـ"السعودية الجديدة"، وعرت الدعاية الواسعة التي روج ولي العهد، محمد بن سلمان، لنفسه كمجدد من خلالها. وقبل فترة قصيرة من البدء رسميًا بالسماح للمرأة بالقيادة، بدا أن السلطات السعودية تريد أن تقول لمناهضات ومناهضي نظام الوصاية الرسمي على المرأة، أن لا تفرحوا كثيرًا، فالقادم أسوأ. يكشف هذا التقرير المترجم عن صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، التناقضات الفجة بين الخطاب السعودي "المعتدل" في واشنطن، وبين السياسات على الأرض في السعودية.


قبل أيام قليلة من زيارة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إلى الولايات المتحدة في آذار/مارس، أوقف ضباط الأمن الناشطة السعودية لُجين الهذلول، وهي واحدة من أبرز المدافعات عن حقوق المرأة في المملكة العربية السعودية، بينما كانت تقود سيارتها على طريق سريع بالقرب من جامعتها في أبوظبي. اقتيدت الشابة البالغة من العمر 28 عامًا من سيارتها ونُقلت إلى بلدها على متن طائرة بدون معرفة أحد.

تزامنت الاعتقالات مع ماراثون الدعاية لابن سلمان في واشنطن

قضت لجين الهذلول عدة أيام في السجن قبل إطلاق سراحها، ومُنعت من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أو مغادرة البلاد، وذلك بالتزامن مع بداية ماراثون للعلاقات العامة كان يقوم به ولي العهد السعودي لمدة ثلاثة أسابيع في الولايات المتحدة، حيث التقى بدونالد ترامب وأوبرا وينفري وغيرهما.

يكشف ترحيل الناشطة من الإمارات العربية المتحدة، حيث كانت تدرس للحصول على درجة الماجستير، عن التناقض بين حملة العلاقات العامة في المملكة العربية السعودية التي تروّج للإصلاح، وواقع أولئك الذين يطالبون بالحقوق الأساسية للنساء، كما يدل على التعاون الوثيق بين الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، اللذين روجا معًا لنموذج في المنطقة يعطي الأولوية للاستقرار والتنمية الاقتصادية بينما يثبط النشاط السياسي بقسوة. وقد روى الأشخاص الذين لديهم معرفة بالحادث، والذين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم لأنهم يخشون من الانتقام، تفاصيل الترحيل القسري، بينما ترد السلطات في الرياض على طلبات للتعليق يوم الأحد.

اقرأ/ي أيضًا: قيادة المرأة للسيارة..ابن سلمان في فرصة مع "التنوير" بعد الفشل في كل شيء

وعلى الرغم من التزام  لجين الهذلول الظاهر بمحاولات السعودية لإسكاتها، وقد كانت آخر تغريدة لمتابعيها البالغ عددهم 316 ألفًا في 12 آذار/ مارس، إلا أنها اعتقلت مرة أخرى الأسبوع الماضي فيما بدا أنه قمع وحشي ضد الناشطات في المملكة بشكل خاص. كما اُعتقلت مجموعة مكونة من سبعة سعوديين (خمس نساء ورجلين دعما قضيتهنّ، بما في ذلك محام دافع عن لجين الهذلول في الماضي). وقد اتُهموا بجرائم تشمل "اتصالًا مشبوهًا مع أطراف أجنبية"، وتقويض "أمن واستقرار" المملكة العربية السعودية، وشُهر بهم علنًا في وسائل الإعلام الموالية للحكومة، في ما وصفه الناشطون بأنه حملة تشهير شرسة.

ركز نشاط لجين الهذلول على السماح للنساء بقيادة السيارة ووضع حد لنظام الوصاية في السعودية

وقال جمال خاشقجي، وهو كاتب سعودي بارز يعيش في المنفى الاختياري في الولايات المتحدة: "يجب الاحتفال بالناشطة لجين الهذلول الآن.  ليس هذا مناسبًا بعد الجهود الجبارة التي بذلها محمد بن سلمان في الولايات المتحدة، وبعد أن قدم نفسه كمصلح".

وركز نشاط لجين الهذلول على السماح للنساء بقيادة السيارة ووضع حد لنظام الوصاية المقيدة على النساء في البلاد، ما يعني أن على النساء طلب الإذن من قريب من الذكور للحصول على العديد من الخدمات الحكومية. وحققت الحركة بعض النجاح وبدا أنها تتوافق مع رؤية محمد بن سلمان لتحديث المملكة العربية السعودية.

منحت المملكة المرأة حق القيادة العام الماضي وخُففت قوانين الوصاية. يمكن للمرأة الآن الوصول إلى الخدمات الحكومية وإنشاء الأعمال التجارية دون إذن من الرجل، على الرغم من أنه لا يزال عليها عمليًا فعل ذلك في كثير من الأحيان، كما تقول النساء. ولا يزال إذن ولي الأمر مطلوبًا للسفر أو الزواج.

لكن إصلاحات المملكة المتضائلة جاءت بالتزامن مع حملة قمع ضد النشطاء، ومع بيئة قمعية متزايدة لأولئك الذين يطالبون بإجراء تغييرات، وصفتها هيومن رايتس ووتش بأنها أثارت "موجة من الخوف" لأولئك الذين شاركوا بشكل حقيقي في الإصلاح.

وقالت إحدى الناشطات التي تعرف بعض من اعتقلوا، "إن حملة الاعتقال هذه هي حملة اعتقال ضد المدافعين عن المرأة في السعودية. حتى الرجال الذين اعتقلوا، كانوا معنا".

 في الساعة الثانية والنصف من بعد ظهر يوم 15 أيار/ مايو، دوهم منزل لجين الهذلول وألقي القبض عليها في غرفة نومها، وفقًا لـ"القسط"، وهي منظمة سعودية لحقوق الإنسان مقرها لندن. وقالت الجماعة إنها نُقلت إلى سجن الحاير، وهو نفس السجن الذي احتُجزت فيه بعد إلقاء القبض عليها في الإمارات العربية المتحدة. وبعد ذلك نُقل المعتقلون إلى جدة، وفقًا لما ذكرته جماعات حقوق الإنسان.

هذه ليست المرة الأولى التي تتعرض لها الناشطة لجين الهذلول للاعتقال، فقد ارتفعت شهرة لجين الهذلول في عام 2014، عندما قادت سيارتها في أبوظبي المجاورة وحاولت القيادة عبر الحدود إلى المملكة العربية السعودية. وقد أُلقي القبض عليها وأُحيلت إلى محكمة للإرهاب، لكنهم أفرجوا عنها قبل محاكمتها، بعد 73 يومًا من الاحتجاز.

اقرأ/ي أيضًا: تأسيس مملكة محمد بن سلمان "المتهوّرة".. الحكاية من أولها

وفي العام التالي، حاولت لجين الهذلول المشاركة في انتخابات المجالس المحلية، بعد أن سمح مرسوم ملكي للمرأة بالتصويت والترشح للمناصب. ومع ذلك، لم يُضف اسمها في ورقة الاقتراع. واُعتقلت مرة أخرى في حزيران/ يونيو 2017 بعد عودتها من زيارة عائلية إلى الولايات المتحدة.

حقق نشاط لجين الهذلول شهرة دولية. وفي العام الماضي، التقطت لها صور مع الممثلة ميغان ماركل، التي تزوجت من الأمير البريطاني هاري يوم السبت، في قمة إنسانية في كندا. وقد احتلتلجين الهذلول  المرتبة 45 على قائمة أكثر العرب تأثيرًا في العالم من قبل مجلة أرابيان بزنس في العام الماضي، لكنها الآن تدفع الثمن. ذكرت صحيفة عكاظ السعودية يوم الأحد أن هؤلاء المعتقلين قد يواجهون عقوبة السجن لمدة قد تصل إلى 20 عامًا. بالإضافة إلى ذلك، شهرت بهم وسائل الإعلام الموالية للحكومة.

يمثل هؤلاء المحتجزون عدة أجيال من مناصري المرأة في السعودية

يمثل هؤلاء المحتجزون عدة أجيال من مناصري المرأة في السعودية. تقود عزيزة اليوسف، الأستاذة بجامعة الملك سعود، حملة من أجل حقوق المرأة في المملكة العربية السعودية منذ عقود. وعندما وقعت النساء عريضة ضد نظام الوصاية، أخذتها بنفسها إلى القصر الملكي.

كما اعتُقلت عائشة المانع، وهي امرأة في السبعين من العمر كانت من بين أول من تحدوا الحظر على القيادة، وهي واحدة من أكثر من 40 امرأة قمن بقيادة السيارات في موكب في الرياض في عام 1990، إلى جانب مديحة العجروش، الطبيبة النفسية في منتصف الستينات من عمرها، وهي أيضًا محتجزة الآن.

وقال ناشط سعودي مناصر لحقوق المرأة عبر الإنترنت دون الكشف عن هويته، إن "لجين الهذلول وعزيزة والنشطاء الآخرون الذين يستخدمون هوياتهم الحقيقية شجعان للغاية. لديهم عائلات داعمة للغاية وحياتهم جميلة ولكنهم اختاروا أن يكونوا صوتًا لنا".

بعد ساعات فقط من الإعلان عن رفع حظر القيادة في أيلول/ سبتمبر، استدعيت النساء اللاتي دافعن من أجل هذا الحق وطلب منهن عدم التعليق علنًا، حتى بشكل إيجابي. وفي حديثها قبل الجولة الأخيرة من الاعتقالات، تكهنت إحدى الناشطات بأنه قد يكون هناك "معسكر قديم" يحاول مواجهة إصلاحات محمد بن سلمان. ورفض آخرون ذلك قائلين إن لديه سيطرة كاملة على السلطة. وقال خاشقجي: "لا يوجد حرس قديم. إن لديه سيطرة كاملة. ما يحدث الآن غير مسبوق". إنه لا يمثل المملكة العربية السعودية "القديمة"، على حد قوله، بل "السعودية الجديدة".

 

اقرأ/ي أيضًا:

زيف الاعتدال السعودي.. اعتقال وتشهير بحق ناشطات نسويات

لوبي ابن سلمان في الإعلام الغربي.. "تطبيل" للكوارث