31-أغسطس-2018

عمل لـ"مريم سلامة"

ألترا صوت - فريق التحرير

"الإصبع السادسة" رواية للكاتب والروائي السوريّ خيري الذهبي، صدرت لأوّل مرّة سنة 2012 عن دار ميريت - القاهرة، وتعيد الآن دارا سرد وممدوح عدوان  إصدارها في طبعة جديدة، وهي الرواية الـ12 في رصيد صاحب "المكتبة السرّية والجنرال".

يتميز سرد خيري الذهبي بالغرائبية الموازية لسياقات تاريخية تحققت بالفعل

يفتتح خيري الذهبي روايته بمشهد غرائبي، حارس مقبرة ينتبه إلى مجموعة ضباع تأتي بشكلٍ يوميّ إلى المقبرة، وتبدأ بنبش بعض القبور، لتخرج منها جثثًا سنعرف لاحقًا أنّها، جميعها، جثث أطفالٍ مشوَّهين. يظهر هؤلاء الأطفال في الرواية بأعناق حُزِّت بسكاكين حادّة قبل أن يُدفنوا. ناهيك عن امتلاك كلّ واحدٍ منهم اختلافًا في جسده يُميِّزه عن سواه، وهي اختلافات حدثت بفعل ولادتهم بعيوب وتشوّهات خلقية. تشوّهات جعلت الآخرين آنذاك، في الزمن الذي تدور به أحداث الرواية، يطلقون عليهم اسم "أطفال عجبة".

اقرأ/ي أيضًا: اشتراكية جورج أورويل.. مخبر برتبة روائي لا يتكرر

يختار الكاتب والمؤرّخ السوريّ إذًا من هذا المشهد المُشبع بالرعب بدايةً لأحداث روايته "الإصبع السادسة". ومنه، تبدأ حكاياتها المتنوّعة والموزّعة على أكثر من شخصية وزمان ومكان بالتناسل شيئًا فشيئًا. ومع أخذ السرد بالتطوّر، وتبيان ملامح العمل، سنتعرّف إلى شخصيات الرواية، سنتعرّف أولًا حسن آغا المثقّف الذي تلقّى تعليمه في مصر، والمعجب بالثورة الفرنسية وما حقَّقته من إنجازات في عهدها. هذا الإعجاب الشديد بها، سيدفعه إلى إرسال أولاده للقتال في الجيش الذي أعدّه إبراهيم باشا لقتال العثمانيين والسيطرة على ولاية دمشق، بعدما رأى أنّ المشروع الذي ينوي الباشا تنفيذه، يبدو مشابهًا لثورة الفرنسيين. ولكنّ الأمور ما تلبث أن تتغيّر وتتبدّل مع رصّ الولاة العثمانيين للمقاتلين، والبدء في شنّ هجمات مضادّة بقصد استعادة الولاية من جيش الباشا. وهنا، يرصد صاحب "رقصة البهلوان الأخيرة" تأثير تلك الهجمات على الأشخاص الذين آمنوا بمشروع السلطان الطموح، وعملوا جاهدين على إنجاحه.

يذهب خيري الذهبي بالقارئ بعد ذلك لنتعرّف إلى "أروى" ابنة حسن آغا، وإذ بنا إزاء حكاية جديدة نتعرّف فيها إلى رسّام إيطاليّ، قرّر حسن آغا إيواءه في منزل والدته المجاور لبيته. يشغل هذا الرسّام الذي فرّ من ملاحقة ومضايقات الشرطة السرّية في إيطاليا تفكير أروى التي تتسلل يوميًا إلى منزل جدّتها للتلصّص عليه، وإكمال لوحاته التي فشل هو في إكمالها، وإقناعه بعد ذلك بأنّه هو من فعل ذلك.

نجح خيري الذهبي مجددًا في صقل سرده يما يخدم توازن الرعب والإثارة مقابل التشويق التاريخي

إلى جوار الحكايتين السابقتين، هناك حكاية ثالثة وضعها صاحب "صبوات ياسين" في فضاء مُشبع بالرعب والإثارة. هي حكاية "عنيز" الذي كان يعمل حلَّاقًا ومُطهِّرًا وطبيبًا عربيًا في ذلك الزمن. عنيز هذا كان، وكأكثر البشر آنذاك، مؤمنًا بما يقوله له إمام المسجد الذي كان لا ينفكّ يتحدّث عن أنّ كلّ ما يجري في البلاد من أمور سيئة، تحدث بسبب وصول الشيطان إلى الأرض ومحاولته إفسادها. مُستشهدًا في كلامه هذا بالأطفال العجبة الذي كانوا يولدون آنذاك. ولفرط إيمانه وتأثّره بما يقوله الشيخ، أخذ عنيز على عاتقه مهمة قتل أي طفلٍ يولدُ بعيب خلقي. أي الأطفال الذين كانت الضباع تنبش قبورهم في مستهلّ الرواية.

اقرأ/ي أيضًا: 4 كتب عن الكتابة والكتب والمكتبات

جدير بالذكر أنّ خيري ذهبي مفكّر ومؤرّخ وروائي سوريّ. ولد في مدينة دمشق سنة 1946. وعمل لسنواتٍ طويلة في الإشراف والمشاركة في تحرير عددٍ من الدوريات التي كانت تصدر عن وزارة الثقافة. سنة 2008، وضمن فعاليات "دمشق عاصمة الثقافة العربية"، أعدّ الذهبي كتبًا في سلسلة "آفاق دمشقية". الأمر نفسه فعله في احتفاليات "القدس عاصمة للثقافة العربية. صدر له عدّة أعمال بين الرواية والفكر وغيرها، ومن رواياته: "ليال عربية"، "ثلاثية التحولات: حسيبة، فياض، هشام أو الدوران في المكان"، "فخ الأسماء"، "لو لم يكن اسمها فاطمة".

مقطتف من الرواية:

كانت تتنصّت عليهما من مرقبها وراء الدرابزين، وهي تقسم إنّها سمعت كلمة الكوميضا ثانية، ورأت الأب يتمنّع، فهذه الكوميضا لم تمتّعه، فهو يستطيع الجلوس على المقهى والفرجة على الناس يعيشون ويتشاجرون ويعشقون ويتزوجون، فما الحاجة إلى هذه الكوميضا إذًا؟

كان برناردو حريصًا على اصطحاب الآغا، وسمعت مرافعته في أنّ الكوميضا هذه المرّة بالعربية، وأنّ مجموعة من لبنان ستشخّص بالعربية. وأنّ الحكاية هي عن هارون الرشيد، ورأت أروى توتّر الآغا: "هارون الرشيد؟". «أيوه، هارون الرشيد. قوم معايا! قوم!». ورأت ارتخاء الآغا فعرفت أنّه سيمضي معه.

وبسرعة قرّرت أروى أن تلحق بهما، هي لا تعرف أين يقع هذا المرسح الذي يتحدّثان عنه، ولذا فهي ستلحق بهما وتهتدي إلى المكان.

كانت أروى مرتاحة منذ سفر أمّها إلى الحج، وخلوّ البيت لها ولأبيها الغائب دائماً وللخادم التي أهملت كل شيء إلا الطبخ وتهريب الخبز والطعام إلى الجاريتين اللتين لم يعد لهما من يرعاهما، فهي تطبخ لتأكل وتطعم الآغا وأروى ومن يطرق الباب سرّاً، ثم... تنام. لم يكن هناك نفيسة خانم لجعلها لا تستريح، فهي تختلق لها الشغل. "البزّاق يخرج من البلوعة، رشِّي عليه الملح!». «الخنافس تخرج من حوض النارنج، اقتليها!". "الغبار يكسو النوافذ"، ولم تكن أروى مهتمة بأمور النظافة ووسواسها، فما كان يهمّها هو تركها تمارس الهواية الجديدة التي علّمها لها المصري المخشخش والذي لم يكتفِ بتعليمها، بل ها هو ذا يصرّ على اصطحاب الآغا إلى التياترو.

غلاف رواية "الاصبع السادسة" لخيري الذهبي

 

اقرأ/ي أيضًا:

التمرد بالبورنوغرافيا.. كاماسوترا التلصص الجنسي

سفيان رجب: الشعر يحتطب من غابات السرد والعلوم