16-ديسمبر-2016

أثار قانون المالية للعام الجديد في تونس جدلًا واسعًا (الأناضول)

ربّما لم يثر أي قانون للمالية الجدل في تونس طيلة السنوات الأخيرة كما أثاره قانون مالية سنة 2017، الذي صادق عليه البرلمان يوم 10 كانون الأول/ديسمبر وهو آخر أجل دستوري للمصادقة عليه.

لم يثر أي قانون للمالية الجدل في تونس طيلة السنوات الأخيرة كما أثاره قانون مالية سنة 2017 ومرد ذلك خاصة التنصيص على ضرائب جديدة

ومردّ الجدل هو طلب الحكومة تأجيل الزيادات في أجور الموظفين والتنصيص على إجراءات ضريبية جديدة وهو ما رفضه الاتحاد العام التونسي للشغل والهيئات القطاعية للمهن الحرّة قبل التوصل لاتفاقات في الساعات الأخيرة. وتأتي الإجراءات الجديدة تنفيذًا لشروط صندوق النقد الدولي إضافة لهدف معلن من الحكومة وهو مكافحة التهرب الضريبي حيث يعاني نظام الجباية في تونس من خلل يمسّ من مبدأ العدالة الجبائية.

وقد قام البرلمان في النهاية بتحويرات هامّة على مشروع قانون المالية على وقع الاتفاقات المبرمة بين الحكومة والجهات الاجتماعية والقطاعية، التي رفضت النسخة الأولى للمشروع. وهذه أهم 5 أحكام تضمّنها قانون المالية الجديد في تونس.

اقرأ/ي أيضًا: "قوانين صندوق النقد الدولي" تؤرق البرلمان التونسي

1 ـ تأجيل الزيادات في أجور الموظفين

قدّمت الحكومة في مشروع قانون المالية بندًا ينصّ على تأجيل الزيادات في أجور الموظفين العموميين المتفق عليها السنة الفارطة مع الاتحاد العام التونسي للشغل وذلك لمدّة سنتين، والتي من المبرمج تنفيذها بداية من كانون الثاني/يناير القادم. ويأتي هذا المقترح نتيجة لاشتراط صندوق النقد الدولي عدم ارتفاع كتلة الأجور في موازنة الدولة من أجل الحصول على قرض مالي.

رفضت المنظمة النقابية مشروع الحكومة رفضًا قاطعًا لتنطلق مفاوضات بين الطرفين، قدّمت خلالها الحكومة مقترحًا يتضمن تأجيل الزيادات لمدّة سنة واحدة وثم مقترحًا آخر بالتأجيل لمدّة 9 أشهر وهو ما رفضه النقابيون. نتيجة لذلك، أعلنت المنظمة النقابية إضرابًا عامًا في البلاد يوم 8 كانون الأول/ديسمبر وذلك قبل التوصّل لاتفاق مع الحكومة ساعات من موعد تنفيذه.

نصّ الاتفاق على منح نصف قيمة الزيادة بداية من كانون الثاني/يناير 2017 إلى غاية كانون الأول/نوفمبر على أن تصرف كاملة خلال شهر كانون الأول/ديسمبر من نفس السنة. ويقع صرف النصف المتبقي من قيمة الزيادة في الأشهر الأولى لسنة 2018. وهو اتفاق مكّن من تلافي صدام بين الحكومة والمنظمة النقابية بما كان ينذر بأزمة اجتماعية في البلاد.

2 ـ المعرف الجبائي للمهن الحرّة

نصّت الحكومة في مشروعها على إجراءات جديدة بخصوص تحصيل الضرائب بالنسبة للمهنّ الحرّة وهو ما رفضه أصحابها وتحديدًا قطاع المحاماة. حيث نفّذ المحامون إضرابًا عامًّا ووقفة احتجاجية أمام مقرّ الحكومة، وهدّدت هيئة المحامين بالعصيان الجبائي في صورة فرض الإجراءات الجديدة التي اعتبروها تنتهك حق الدفاع وتمسّ من استقلالية القطاع.

أثناء المداولات، قام البرلمان بإسقاط مقترح الحكومة بالتوازي مع ماراطون من مفاوضات الربع ساعة الأخيرة بين الأطراف المعنية انتهت بالوصول لصيغة توافقية. حيث تم الاتفاق على التنصيص على المعرّف الجبائي بدل الطابع الجبائي بخصوص كل الأنشطة الممارسة بالنسبة لمختلف المهنّ الحرّة بما في ذلك المحامين.

على غرار المنظمة النقابية، اضطرّت الحكومة بالنهاية للتراجع عن مشروعها الأولّي أمام رفض هيئة المحامين، غير أنّ متابعين يعتبرون أن الحكومة فرضت إجراءً هامًا سيمكّن إدارة الجباية من الآليات الضرورية لمتابعة المتهرّبين من دفع الضرائب.

اقرأ/ي أيضًا:  تونس.. هل تتحقق انتفاضة العطشى؟

3 ـ مراجعة جدول الضريبة على الدخل

للمرّة الأولى منذ سنة 1989، ينصّ قانون المالية على مراجعة جدول الضريبة على الدخل. حيث تم الإعفاء من الضريبة لكل شخص لا يفوق دخله سنويًا 5 آلاف دينار (2200 دولار) وذلك بعد أن كان الإعفاء محدّدًا للدخل الذي يتجاوز 1500 دينار (650 دولار). وقالت الحكومة إن تعديل جدول الضريبة يهدف إلى تخفيف العبء الجبائي على أصحاب الدخل الضعيف ودعم العدالة الجبائية.

وقد طلبت الحكومة خلال مناقشة القانون في البرلمان بمراجعة أخرى للسلم الضريبي بالتخفيض فيه وذلك تنفيذًا لاتفاق مع المنظمة النقابية.

ويعاني النظام التونسي من اختلال في مبدأ توزيع الأعباء الجبائية حيث تشير آخر الأرقام أن مساهمة الأجراء في المداخيل الضريبية المباشرة تناهز 80 في المئة بينما لا يتجاوز نصيبهم 26 في المئة من الثروة، وهو ما يعني أن الطبقة الثرية في تونس لا تساهم بشكل عادل في أداء الواجب الضريبي.

4 ـ رفع السرّ البنكي

أقر قانون المالية الجديد في تونس رفع السر البنكي دون إذن قضائي، قرار من المتوقع أن يؤدي لهروب رؤوس الأموال من الاقتصاد المهيكل

تضمّن أخيرًا قانون المالية بندًا حول رفع السرّ البنكي بعد نقاشات انطلقت منذ قانون مالية السنة الفارطة حينما قدمّت المعارضة حينها مقترحًا في الغرض وواجهته الحكومة والأحزاب الحاكمة بالرّفض. هذه السنة، ضمّنت الحكومة بنفسها بندًا حول رفع السرّ البنكي في مشروعها بهدف مكافحة التهرّب الجبائي غير أن الأحزاب الحاكمة أسقطته في لجنة المالية للبرلمان، وهو ما كشف عن اختلاف وجهات النظر بين الحكومة والأحزاب المكوّنة لها.

خلال آخر أيام مناقشة قانون المالية، أعادت المعارضة عرض مقترحها وانطلقت المشاورات من جديد مع الحكومة والأحزاب الحاكمة لتنتهي بمنح الحقّ لمصالح الجباية من الاطلاع المباشر على أرقام الحسابات البنكية دون شرط الحصول على إذن قضائي. وهو إجراء يعتبر العديد من الخبراء أنه سيؤثر على السيولة المالية وهروب رؤوس الأموال من الاقتصاد المهيكل، فيما يصرّ داعموه على ضرورته تطبيقُا لمبدأ الشفافية والمساواة في تحمل الأعباء الضريبية.

هل مكافحة التهرب الضريبي هي الدّافع الحقيقي للحكومة لتقترح رفع السرّ البنكي؟ يشكّك العديدون في نواياها الحقيقية حيث يعتبرون أن الحكومة فرضت هذا الإجراء لأنها انخرطت في مفاوضات مع الولايات المتحدة حول الامتثال الضريبي تلتزم الدولة التونسية بموجبه بتبادل المعلومات المتعلقة بحسابات المؤسسات المالية مع الطرف الأمريكي وذلك وفق ما أوردته الحكومة في وثيقة شرح الأسباب لهذا الإجراء. وبالتالي، فالدافع الحقيقي لها لدعم رفع السرّ البنكي، الذي رفضته السنة الفارطة، هو رغبتها في تكييف قانونها الداخلي مع أحكام الاتفاقيات الدولية، فلم يكن خيارًا إراديًا منذ بدايته.

5 ـ إحداث جهاز الشرطة الجبائية

مثلت مكافحة التهرّب الضريبي محورًا أساسيًا في قانون المالية. في هذا الإطار، تم إحداث جهاز خاصّ هو "الشرطة الجبائية"، يتولى معاينة المخالفات الجبائية والبحث عن مرتكبيها وتقديمهم للمحاكم. ويمنح القانون لأعوان الجهاز الجديد الحق في مراقبة البضائع المنقولة في الطريق العام وتفتيشها. وسيقع انتداب أعوان الجهاز الجديد من بين أعوان الشرطة البلدية بعد تكوينهم.

ويمثل التهرب الضريبي آفة كبيرة يعاني منها الاقتصاد التونسي، وتشير أرقام متقاطعة إلى أن كلفته سنويًا تصل لـ7 مليار دينار (3 مليار دولار أمريكي). وهو رقم مفزع جعل خبراء يعتبرون تونس "جنة ضريبية".

اقرأ/ي أيضًا: 

 

مجلة الاستثمار.. خفايا القانون الأكثر ريبة في تونس

مدن الحدود الجنوبيّة لتونس: الإقصاء والعقاب (1/2)