13-يناير-2018

مع مطلع العام الجديد خرجت تظاهرات ضد غلاء الأسعار في السودان (أرشيفية/ رويترز)

لم يكن الأسبوع الأول من مطلع العام 2018 مبهجًا للسودانيين، فقد غطت موجة الغلاء الطاحن على احتفالات البلاد بأعياد الاستقلال، وأدرك الجميع أنهم مقبلون على مرحلة قاسية تنذر بمخاطر اقتصادية وضيق في المعيشة، حيث بلغ العجز الكلي للميزانية الجديدة 28.4 مليار جنيه (4.11 مليار دولار).

لم يكن الأسبوع الأول من مطلع العام الجديد 2018، مبهجًا للسودانيين بسبب موجة غلاء الأسعار الطاحنة 

في الوقت نفسه صادق البرلمان السوداني على رفع الدولار الجمركي المتحكم في أسعار السلع إلى 18 جنيهًا بدلًا عن 6.9 جنيه، فضلًا على رفع الدعم عن الدقيق، لترتفع نتيجة لذلك أسعار الخبز، وتلسع موجات البرد البطون الجائعة. شيئًا فشيئًا بدأ الناس يشعرون بالأسف كون بلادهم التي كانت موسومة بسلة غذاء العالم، تعاني اليوم أزمة في الغذاء!

اقرأ/ي أيضًا: السودان.. دعوات إلى "انتفاضة ثالثة"

لتوها بدت الأسر السودانية تتحسس ميزانياتها الشهرية المأزومة، حيث رفعت المخابز سعر قطعة الخبز إلى جنيه بدلًا عن 50 قرشًا، فيما ارتفع سعر شوال الدقيق وزن 50 كيلوغرامًا من 167 جنيهًا إلى 450 جنيهًا، بجانب ارتفاع أسعار الغاز والكهرباء وجميع المواد الاستهلاكية.

أما الحكومة فقد تمسكت بموقفها، على أمل الخروج من مأزق الندرة، المهم أن تكون السلع متوفرة حتى لا تعود الصفوف المُحتجّة، وليس شرطًا أن يتمكن الناس من الشراء. ليأتي خطاب الرئيس عمر البشير داعمًا لهذا التوجه، مشددًا على أنه يحفل بمعاش الناس، فقال: " مطالب الناس واجباتنا وهدفنا توفير الأمن والعيش الكريم للمواطن"، وطفق الوزراء يلوحون بمفاتيح أبواب تستعصي على الفتح.

وبالضبط فإن التصريح المتفق عليه ينحى للقول إنهم كانوا يدعمون الخبز بنحو 500 مليون دولار، سوف يتم توجيهها مباشرة لدعم الإنتاج والشرائح الفقيرة، لا سيما وأن السلع المدعومة يتم تهريبها لدول الجوار بكميات مقدرة، لكن تلك المبررات لم تخمد شرارة الغضب.

احتقان شعبي وطوارئ حكومية

وكانت حالة الاحتقان كفيلة باندلاع مظاهرات عارمة، وأعدت السلطات نفسها لشهر عنيف وساخن من الاحتجاجات، فأعلنت حالة الطوائ في عدد من المناطق السودانية تحت ذريعة جمع السلاح غير القانوني، وتحسبًا لأي فوضى. وقال وزير الدولة بالداخلية، بابكر دقنة، إنّ "القانون يسمح بحرية التعبير السلمي للمواطنين، لكننا نرفض أي عملية تخريب". ومع هذا التصريح وجدت الحكومة السودانية نفسها أمام طلب تصديق من الحزب الشيوعي المعارض لتسيير موكب وصفه بالسلمي، على أن ينطلق الموكب منتصف الأسبوع الجاري من شارع القصر إلى مقر حكومة ولاية الخرطوم، ليدفع بمذكرة رافضة للاجراءات الاقتصادية. 

بالطبع ليست هذه المرة الأولى التي يتقدم فيها حزب معارض لطلب تصديق مسيرة، لكنها بدت غريبة وهو يعلم يقينًا أن السلطات لن تمنحه له، ولربما كان هدف الحزب الشيوعي إحراج الحكومة أمام شعبها والمجتمع الدولي، ووضعها في مأزق دستوري، حيث يسمح القانون بحرية التعبير السلمي.

بدورها تتعامل الحكومة مع الاحتجاجات بحساسية مفرطة، وقد واجهت محاولات خروج طلاب جامعة الخرطوم وبعض الجامعات في الولايات، بالعنف وقنابل الغاز المسيل للدموع، وشرعت في حملة اعتقالات واسعة شملت قادة سياسيين، أبرزهم المهندس عمر الدقير رئيس حزب المؤتمر السوداني، وطالت الحملة مصادرة عدد من الصحف التي تناولت الأزمة. 

عرف الشارع السوداني احتقانًا على خلفية ارتفاع الأسعار، كان كفيلًا باندلاع تظاهرات في العديد من المدن، وإعلان الحكومة حالة الطوارئ

وفي مدينة الجنينة غرب السودان، لقي طالب مصرعه خلال تظاهرات رفع أسعار الخبز، كأول ضحايا الأزمة، وبدت رسالة ناصعة من قبل السلطة بأنها لن تتواني في ضرب أي محاولات للخروج عليها. بينما اكتفت القوى السياسية المعارضة بالتحريض على التظاهر، لكن الاستجابة كانت ضعيفة، وبصورة تبدو مخجلة، فيما سخرت مواقع التواصل الاجتماعي من دعوات المعارضة، بإعتبارها تريد أن تختبئ في صفوف الجماهير دون أن تدفع كلفة التغيير، إنها المعارضة التي لا تعارض .     

حالة الغليان في الشارع السوداني لم تأخذ شكلًا محددًا للتعبير، واكتفت بالتململ والسخرية من تصريحات المسؤولين، بجانب كتابات وجداريات على حوائط الخرطوم تندد بالغلاء، بينما اكتفت المساجد بالدعاء لينعم الله على البلاد بالرخاء.

اقرأ/ي أيضًا: السودان.. ضد الشعب في لقمته

أما المقطع الوحيد المتداول فكان لإمام مسجد بالخرطوم تجرأ وأعلن فيه رفضه ترشح البشير لدورة رئاسية جديدة، وانتقد ما وصفه بـ"التطبيل" للحكومة والسكوت على الفساد. وقال الإمام: "الخبز متوفر لكنه ينال بشق الأنفس"، وتقريبًا تلك هي الحالة الوحيدة التي خرجت من قلب المساجد.

من جانبه، يرفض القيادي الشاب بحزب الأمة القومي المعارض، محمد الحسن المهدي، وصف التظاهرات بالهزيلة، موضحًا في حديثٍ لـ"ألترا صوت"، أنها تبدو كذلك في العاصمة الخرطوم لأسباب عديدة، لكنه للمرة الأولى تندلع تظاهرات عفوية من مختلف المدن في وقت واحد، حسب قوله. 

وأكد المهدي أن التظاهرات كانت تخرج من الخرطوم وحدها أو في مدن أخرى منفصلة عن بقية مدن السودان، لكن "هذه المرة توّحد السودانيون مقاومةً للميزانية الجديدة، ورفضًا لغلاء المعيشة وسوء الإدارة الحكومية وفشل النظام"، كما قال، مشيرًا إلى أن الخرطوم اختارت عدة وسائل أخرى لمقاومة الإجراءات الاقتصادية الأخيرة، وفصلها بالقول: "امتناع المستوردين عن التخليص الجمركي، أو دعوة أصحاب المصانع لإغلاق مصانعهم، أو الامتناع عن شراء الخبز نفسه".

هل يتكرر سيناريو احتجاجات 2013؟

ولفت محمد الحسن المهدي إلى أنّ الخطوات المقبلة ستتجه إلى التظاهرات حينما يكتمل تنظيم القوى القيادية في المجتمع، مبديًا مخاوفه ما لم يحدث ذلك التنظيم بأن يتكرر سيناريو تظاهرات أيلول/سبتمبر 2013.

هذا وقد دخل الاتحاد الأوروبي على خط الأزمة السودانية، فدعا الحكومة السودانية للسماح بالتظاهر السلمي وممارسة حق التعبير، بما في ذلك حرية وسائل الإعلام. وأضاف الاتحاد في بيانه، أنه يتابع عن كثب الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد واحتجاز عدد من القادة السياسيين، مردفًا: "الاتحاد الأوروبي ملتزم بمستقبل مستقر وديمقراطي ومزدهر للسودان، لما فيه مصلحة شعبه، وسيواصل عمله مع جميع أصحاب المصلحة مع وضع هذا الهدف في الاعتبار".

وبالإشارة لحديث محمد الحسن المهدي، فقد شهدت الخرطوم ومدن سودانية في أيلول/سبتمبر 2013، تظاهرات عنيفة احتجاجًا على رفع الدعم الحكومي عن الوقود والخبز، وسقط على إثرها عشرات القتلى والجرحى. لكن المهدي يعود ليؤكد على أن التظاهرات سوف تتسع لأن الأسعار ستستمر في التصاعد، والدافع الأول لارتفاع الأسعار هو الإجراءات الاقتصادية الأخيرة ذات الأثر الضار المُتجدّد، وبالتالي لن يتوقف سعر رغيف الخبز عند جنيه واحد، وإنما ستبدأ الأسواق في البيع بأسعار دائمة التغير بارتفاع، وهذا هو الذي سيجعل طريق التظاهرات يتسع أكثر فأكثر، بحسب المهدي.  

أصوات من داخل الحزب الحاكم جاهرت بمعارضتها للإجراءات الاقتصادية الجديدة، ودفعت بعض الأسماء بمذكرة تطالب بإعفاء الطاقم الاقتصادي للحكومة وضرورة التراجع عن الإجراءات التي تمس معاش الناس.

وقاد من من جانبه حملة التوقيعات، أبيّ عز الدين، السكرتير الصحفي السابق لرئيس الجمهورية، والذي وصف من يقومون على برنامج الحكومة الاقتصادي بالفشل في تنفيذه ومع ذلك تم نقلهم من الجهاز التنفيذي إلى الحزب الحاكم للقيام بمهمة التخطيط. 

وحول إذا ما كانت خطوة إعفاء الطاقم الاقتصادي كفيلة بحل الأزمة، يقول أبيّ لـ"ألترا صوت": "خطوة إعفاء الطاقم الاقتصادي الذي يخطط للتنفيذيين، ليست لضعف قدراتهم على مواكبة العالم وظروف رفع الحصار فحسب، بل هي خطوة لإعفاء مدرسة رأسمالية متوحشة في أبشع صورة"، مُناشدًا بضرورة تجديد الفكر الاقتصادي الذي يشكل مرجعية لصناع السياسيات، وتغير منهجية التفكير التي تتخذ اجراءات وقرارات لا تتسق مع استراتيجية البلاد، واتهمها بالفشل ويخلص إلى أن التوقيعات التي دفعوا بها أحدثت الأثر المطلوب.

فشلت خطط النظام السوداني للحد من تبعات زلزال انفصال جنوب السودان الذي يستحوذ على ثلاثة أرباع النفط في السودان

وبالرغم من أن الاقتصاد السوداني تضرر من انفصال جنوب السودان في 2011 لاستحواذه على ثلاثة أرباع نفط السودان، أهم مصدر للنقد الأجنبي بالطبع، إلا أنّ كل الخطط الرسمية للحد من تبعات الانفصال قد فشلت. وقد كانت تبعات الانفصال أشبه بتبعات زلزال، لما لحقها بتدهور مريع في قيمة الجنيه السوداني وصولًا إلى ثلاثين جنيهًا مقابل الدولار الواحد. أمّا الأزمة، فلا تزال على ما هي عليه، حيث الفوضى في الأسواق والعجز التام عن مواجهة التدهور الاقتصادي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

السودان.. الدولار يقفز مجددًا

أين مفتاح الشارع؟