31-يناير-2018

يتصدر أردوغان مشهد مواجهة البلطجة الصهيونية (أسوشيتد برس)

استقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قبل أيام، الشاب الفلسطيني البطل فوزي الجنيدي، الذي ذاعت صورته في وسائل الإعلام الدولية كأيقونة للمقاومة، وهو معتقل من طرف جنود الاحتلال الإسرائيلي. وقبله استقبل الشاب محمد الطويل، المصاب بمتلازمة داون، والذي اعتقله كذاك جنود إسرائيليون خلال المظاهرات ضد قرار دونالد ترامب بشأن القدس، والذي ظهر الرئيس التركي قائدًا لقافلة الدول المعارضة له. 

يواصل أردوغان عزفه وحيدًا منفردًا في الملعب الفلسطيني المهجور عربيًا، بمواقف واضحة بشأن القضية الفلسطينية

عقد أردوغان قمة استثنائية للقدس في إسطنبول، وأدلى بتصريحات جريئة وصف فيها إسرائيل بـ"الدولة الإرهابية"، وهاجم ترامب، واعتبر أن الولايات المتحدة بقرار ترامب "شريكة في سفك الدماء"، وربما ختامًا أعلن عن عزم أنقرة فتح سفارتها في القدس الشرقية تأكيدا على أنها عاصمة للدولة الفلسطينية. بكل ذلك، يواصل أردوغان عزفه المنفرد، بالكاد وحيدًا، في الملعب الفلسطيني المهجور عربيًا. وهذا جميل ومؤلم في آن واحد.

اقرأ/ي أيضًا: في مواجهة إعلان ترامب.. أردوغان يعتزم فتح سفارة تركية لدى فلسطين في القدس

جميل أن نجد رئيس دولة يقف ندًا لند في مواجهة الغطرسة الأمريكية الصهيونية، في زمن يعقد فيه حكام العرب صفقات الخيانة مع المحتل، ولا يتردد فيه وزير خارجية البحرين، دولة "الريتويت" عن الرياض، بالتصريح علنًا بأن القدس قضية جانبية في علاقة العرب بالأمريكان. ذلك أنه يخطط محور الشر العربي عبر وليي عهد السعودية والإمارات، ابن زايد وابن سلمان، ومعهما السيسي، لما باتت تسمى صفقة قرن والتي خلنا بعض تفاصيلها حين تسريبها من قبيل الفبركة، وهاي هي تنكشف يومًا بعد يوم عن فرصة يتصيد عملاء العرب لتنفيذها على الأرض.

في خضم ذلك، يقول عبيد الممالك العربية العبرانية، وأصحاب الفستق الإيراني، والقومجيين الحرافيش، إنّ أردوغان، بتصدره لمشهد رفض القرار الأمريكي واستقباله المتواتر للشباب الفلسطيني الأبطال؛ يتاجر بالملف الفلسطيني، ويُذكّرون بالعلاقات التركية الإسرائيلية، وهو تذكير قفزٍ وهروب. تقيم بلاده علاقات علنية مع إسرائيل ولكنه يعتبرها "دولة إرهابية"، ولكن ماذا عن الدول التي لا تقيم علاقات علنية ورغم ذلك تتمسح على أعتاب الصهاينة؟ أي مخرج للإجابة؟ هنا المشكل.

أردوغان ليس ملاكًا، ويستبطن الفكر "العُصملّي" في المجال العربي، وربما يُعول على إعادة الانتشار التركي في المنطقة من بوابة ما سلم فيه حكام العرب، ولكننا لا نجد غيره اليوم في الملعب الذي نريد، وهذا المؤلم، حينما يوجد غير عربي يتصدر مشهد مواجهة البلطجة الصهيونية. 

أردوغان ليس ملاكًا، لكننا لا نجد غيره اليوم في الملعب الذي نريد، وهو أمر مؤلم أن يتصدر غير عربي مواجهة البلطجة الصهيونية

وجد بذلك محور الشر العربي نفسه في موضع حرج، ففي حين تعتبر السعودية نفسها قلب العالم الإسلامي، نجدها تتواطأ مع مخططات التفريط في القدس للمحتل، فيتحرك الأتراك، ويكسبون من حيث ينهزم الآخرون، حيث تحج اليوم أهواء العالم الإسلامي وتحديدًا السني، نحو أنقرة وليس الرياض. وهنا الهزيمة الكبرى للسعوديين، التي لو علموا كبرها للطموا عليها.

اقرأ/ي أيضًا: صورة كاملة للصفقة الكبرى.. هكذا سعى ابن سلمان للاعتراف بالقدس والضفة لإسرائيل

وليس من قبيل الصدفة، في هذا الموضع، حينما بادر عُلوج ابن زايد لمهاجمة أردوغان من خلال استدعاء التاريخ المتوتر بين الأتراك والعرب، وذلك عبر شخصية فخر الدين باشا وهو آخر حاكم عثماني للمدينة المنورة، وهو هجوم رد عليه أردوغان بقوة وببعض الطرافة بتسمية شارع السفارة الإماراتية في تركيا باسم فخر الدين باشا. 

في الحقيقة، لا يهم الآن النقاش إن كان هذا الحاكم حسنًا أم لا، فذلك يمكن مناقشته في سياق تاريخي وتحليلي هادئ، ولكن ليس في سياق اللعب على أوتار التاريخ العثماني وتوظيفه، وذلك لغاية وحيدة يسعى إليها محور الشر العربي، وهي استعداء تركيا اليوم على ضوء مواقفها الراهنة. للأمانة، نتفهم لوعة محور الشر العربي، فقد بات أردوغان أكثر شعبية لدى الشعوب العربية من حكامها، وهذا القول مؤلم مرة أخرى حقيقة.

ولكن لا ينحصر الأمر عند الأتراك، حيث تحركت أطراف العالم الإسلامي، سلطات وشعوبًا، رفضًا للقرار الأمريكي، وذلك على غرار إندونيسيا وماليزيا الذي أعلن وزير دفاعها أن جيش بلاده مستعد لتولي أي مهمة للدفاع عن القدس. وفي المقابل يخطط وزير دفاع السعودية محمد بن سلمان لبيع القدس مقابل أبو ديس للفلسطينيين، وهذه المفارقة تزيد أكثر فأكثر في إحراج دول الشر العربي وهي التي تطوق فلسطين، وهو اليوم طوق المفترس على فريسته التي لازالت صامدة تقاوم.

نحن العرب، وجدنا ضالتنا في العواصم غير العربية، البعيدة عنا، كون عواصمنا مختطفة من أنظمة عميلة فاقدة لسيادتها

نحن اليوم أمة عربية فشلت في إنتاج رجل على رأس دولة عربية يقول لترامب: "لا يمكن شراء الإرادة بحفنة من الدولارات، وأن تكون قويًا لا يعني أنك على حق". ونحن العرب، التي قُهرت شعوبنا، وجدنا ضالتنا، وعلى تواضعها، في العواصم غير العربية البعيدة عنا، ما دامت عواصمنا مختطفة من أنظمة عميلة ممسوكة من خناقها فاقدة لسيادتها، وهي أنظمة تعيش بأكسجين القمع، وبقاؤها مرتبط بعمالتها وخيانتها. لذلك، يكاد يقول اليوم ابن سلمان وابن زايد والسيسي، لأردوغان وغيره من قادة الدول الاسلامية: "حلوا عن سمانا خلونا ناكل عيش"!

 

اقرأ/ي أيضًا:

أبو مازن: القدس مكة.. عرضوا علينا أبو ديس عاصمة

بجاحة إسرائيل تحت رعاية واشنطن وخدمات الرياض.. ثلاثي يُهدد استقرار المنطقة