01-أغسطس-2016

من عرض ملكات سوريا

ليتني بقيت أسمع عن الأخريات فقط!! ليتني بقيت حبيسةَ الثرثرات الخافتة والشكوك والهواجس، ولم تتدخّلْ حواسٌ أخرى في المسألة. فالمشكلةُ بدأت بالرؤية، رغم كل ما يقال عن كون حاسة السمع هي ملكةُ الحواس، وأن المرأةَ كائنٌ سمعي. فكلُّ ما كنت أسمعُه يبقى بدون أدنى قيمةٍ بوجود يديه المشاكستين. الانفجارُ الأعمى الذي ولّد كلَّ ألمي المستجد، حدث بالرؤية. 
*

هو أدركَ منذ البداية، أنه لم يكن بحاجة لأن يقدمَ تقريرًا عن ماضيه النسائي الحافل. لذلك وبدون مخطّطات، أمسَيْنا عاشقين. القبلُ التي بدأتْ من إصبعي الصغير لم تكن دراسةً كاملةً لكل جغرافية الجسد وحسب، كانت زمنًا يختصر تاريخ جسد. يختصر! من قال يختصر!؟ الاختصار خطأ تعبيري هنا. هي التاريخ كاملًا لذاك الجسد. هي اكتشاف جسد التخييل وتخييل الجسد، إنه اللمس بشكل مباشر وغير مرئي ثم تذوّق ذلك الخيال والتحليق معه في الملكوت.

لم تكن للقبل علاقة بالأذن الخارجية، كانت تمتدّ حتى الأذن الوسطى والداخلية وأبعدَ من ذلك. لم يكن لقاء شفاه بقدر ما كان تكاثرًا فطريًا لازدحام الشوق. تلك القبل جعلتني أعبثُ بجسده المبللِ برذاذِ العرق فانتعش. أتشمّمه قبل أن أقوم بتهريبه إلى كلّي. تمتزج تضاريسنا معًا، تنصهر مثل لافا بركانية لتلغي الحدود بين الجسدين. ما الذي تغيّر؟؟؟ الأصابعُ الأنثويةُ لأول امرأة أخرى أراها بالعين المجردة، الأصابعُ المنتهيةُ بأظافرَ صفراءَ كأنها قرونٌ متعفنةٌ لكبشٍ ميّت. الأصابعُ إياها أثارت تلخبطيّ المعويَّ الذي اشتد حين تذكّرتُ هوسَه بالأصابع. ومع الغثيانِ جاء تهوُّعُ الأسئلة: هل مسّ بفمه هذه البشاعةَ؟ هل اشتم رائحةَ تلك القرونَ المتعفنة؟

باغتتني لحظةُ قيءٍ مفاجئة. كادت أمعائي تخرج من فمي وأنا أتخيله يحشرُ تلك الأظافرَ بين شفتيه. اللعنة على الخيال، ذاك الذي بنى لنا عالمًا سحريًّا، يجرني الآن من أذني حتى تلك الأصابع المتقرّحة. الأصابعُ تلك تلامس شفتيّ. أراها تنحشر بين أسناني، تزكم أنفي رائحة العفونة. تدافع حواسي عن نفسها بموجة عطاس لا تنتهي. شفتاها هي من تقتربُ من فمي! كيف لي أن ألجم هذا الخيال الذي يمسخه إلى حيوان جنسي؟؟ اهدأ أيها الخيال، اهدأ، لا تدع الأظافر الصفراء تمزق عالمًا من القبل. 

يشعر بقرفي المفاجئ. يبتعدُ محتارًا.

أنا التي مسحَتْ بشفتيها جسدَه كاملًا كما تمسح قطةٌ صغيرَها الذي وُلِد للتو. كيف لي أن أتقيّأَ قبلتَه التي لم تبدأْ بعد؟

ربما كانت المرأةُ الثانية تملكُ وجهًا جميلًا، لكني مصرّةٌ على أن لها جسدَ دبّ. نموذجٌ متوفرٌ بكثرة في هذه البقعة التي تَسمنُ نساؤها كالعجول. أعتقد أني رأيتها ترتدي حمالةَ صدرٍ من مقاسٍ كبير لم أستطعْ تحديدَه. مرّ وقتٌ طويل على اهتمامي العابر بنساء يرتدين مقاسات الـXXL وما فوقها، رغم أني قابلته كثيرًا، بدءًا من معلمتي في الصف الثاني التي كان الصبيان يتراهنون على وضع دفتر على أعلى أردافها دون أن يسقط، كما لو كانت رفًّا، وانتهاءً بجارتنا التي يصلُ إليّ نحيبُها اليوميُّ بعد عشاء زوجها.

واحدةٌ من هؤلاء من كانت تتكئ على كتفه في الصورة الجديدة. كاد يخنقني صدرُها الممتدُّ حتى خصرِها حين جمعنا الفراشُ مجددًا. ترتمي تلك المرأة بيننا، تدكُ ثديها الأيمن في فمي، وتعطي الأيسر لشفتيه. ذلك الصدر الطافح برائحة حليب فاسد، انحشر في فمي. لتندلق أحشائي مفرغة قرفها الغريزي، وأنا على وشك أن أُشنَق بشعرها المتقصّف.

لم أستطعْ لجمَ خيالي عن حقده التصويري. أراه يلتهمُ ذلك الثديَ العظيمَ، برائحته الممتلئةِ الطافحة بالدهون. ثم أرى كيف يتحوّل هو نفسُه إلى تلك المرأة في اللحظة التي يرتمي فيها فوق صدري.

الكارثة تعاظمت مع المرأة البلاستيكية التي رافقته مؤخرًا. وجه جميل نسبيًا لكنه مصاب بالصقيع. ابتسامة مصطنعة، عيون باردة، فم قادر على تجميد الكلمات فعلًا لا مجازًا. لا يكتمل مشهد القرف إلا مع الخطأ الذي ارتكبه الرب أثناء تشكيل ذلك الجسد. فالجسد بعظمه ولحمه لرجل وليس لأنثى. يحاول الصدر الهائج الانتفاخ ليقلل من الخطأ الجيني، لكن عرض المنكبين الذكوري يبدد تلك المحاولة العابثة، لتأتي العظام العريضة راسمة إياه كصدر أبطال كمال الأجسام.

رحت أتساءل عن ميول ذاك الجسد عندما ارتمى بيننا في السرير. وجدتني بين رجلين. جسدها المشوّه يلتصق بي. لمستُ شعر جسدها القاسي. لأراني ألتف متقوقعة حول نفسي. كادت تغتصبني وهي تحاول فك وضعيتي الجنينية.

ثم أراه مقبلًا على ذلك الجسد ذي البزة الرسمية رغم عريه. يلتف سروالها القماش العريض ويخنق قدمي الصغيرة تحته. بينما يخرج وجه الحب من تحت جاكيتها الرسمي، محاولًا تبديد صقيع الوجوه. ينهمر عليّ ثلج كلماتها، يحاصرني من كل الجهات لأغدو جثة باردة. أغمض عيني لكن الخيال لا يغفو. أراها تجر الحبيب من ربطة عنقه. هو لا يلبس ربطات العنق! كيف ربطت الحر بزي رسمي!؟ كيف يلجم هذا الخيال الذي تواطأ مع تصوراتي السابقة؟ سياسيون ببزّات رسمية يمارسون الجنس الجماعي ليعلو صوت السياسة المنكر.

كنت أصرخ: "Shemale. إنها ذكر". أرمقه وأصرخ. يضيع صراخي، فالصوت المنكر يعلو على كل الأصوات. كيف لي أن لا أتقيّأ؟ دفاعاتي الفطرية أنقذتني من تتمة المشهد. القيء المفاجئ أنقذني. لا شأن لي بهذه الجموع التكسيرية. لطالما عشقت المثنى الذي تبدعه اللغة العربية الجميلة، والذي يضمّني والحبيب معًا.

جلس إلى جواري يمسح على شعري. متسائلًا عن مرضي الفجائي. صوتي المكتوم في حلقي تنطق به كريات دمي: كيف تأتيني وذيول نسائك معلقةٌ بين أسنانك؟ أنا في الحب لا أحب إلا المفرد المذكر السالم فقط. لا شأن لي بجمع المؤنث والمذكر المعتلّ في فراشي.

في السابق، كان يخاطبني قائلا: "عندما أكون بقربك، أحلّق في السماء السابعة". كنت أطير معه أيضًا، قبل أن أصاب بلعنة الخيال المضاد. لو أستطيع اعتقال هذا الخيال. لو أستطيعُ ضمَّه إلى صدري لوحده. أحبه، لكن نساءَه يتسابقن إلى فراشي! لماذا أراهنّ معنا؟ لماذا يحللْن محلَّك؟
*

الآن، بقبلة الآخر، الطويلةِ الأولى، يطير خيالي معك أنت، على العكس تمامًا مما كان الحالُ معك، إذ كانت كلُّ جولةٍ فموية زيارةً ميدانيةً لهنّ، واحدة، واحدة. الآن، نفَسُكَ أنت من يُسمع في أذني. الآن، أسمع هدير أنفاسك كأنما صَدَفتان على صدغيّ!! 

أضعتك مرارًا في الفراش الذي طالما تلاعبتَ فيه مع نسائِك، ولم يكن لي أن أجدَك في سريري إلا مع رجلٍ أجهلُ كلَّ شيء عن عالمِه النسوي. رجلٍ لن يعرفَ أبدًا أني أتشممُكَ، أقبّلُك، أحتويكَ، أغمرك أنت. 

في أولِ الخسارةِ ربحتُك. كان يجبُ أن أخسرَك لتكونَ معي: أتشممُ رائحةَ الآخر. وأجدك أنت. بعد طول انتظار!!

اقرأ/ي أيضًا:

جثث أضناها الحلم

أتأبّطُ فِردَوْسًا