14-مايو-2020

ملصق المسلسل

 

يهود الحاسيديم، أو الحسيدية أو حسيدوت بالعبرية هم حركة مجتمعية روحانية يهودية تعود بداياتها إلى القرن السابع عشر، أسسها بعل شيم طوف، والذي نشرها في شرق أوروبا. ويشتق مصطلح الحسيدية من كلمة "حسيد" العبرية، والتي تعني "التقيّ"، ويستخدم للإشارة إلى الفرق الدينية المتزمتة في العصور القديمة والوسطى، لكنه صار مؤخرًا يستخدم للدلالة على الحركة الدينية الصوفية الحلولية التي أسسها وتزعمها بعل شيم طوف. بدأت هذه الحركة في بعض مناطق بولندا وأوكرانيا في القرن الثامن عشر ثم انتشرت في شرق أوروبا بحلول العام 1815. [1]

اقرأ/ي أيضًا: هوامش بدائية عن السينما الصهيونية

قضت الحركة النازية على يد هتلر على التجمعات الحسيدية الأساسية في أوروبا الشرقية، ثم هاجر كثير منهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية، واستقروا في منطقة وليامزبيرغ في بروكلين، في ولاية نيويورك الأمريكية، وتعد جماعة الساتمار من أهم جماعاتهم، وهي من الجماعات القوية المعارضة للصهيونية ضمن حركة "ناطوري كارتا". وناطوري كارتا (نواطير المدينة)، هي منظمة يهودية دولية معادية للصهيونية، بل هي من أشد الجماعات اليهودية عداء لدولة الاحتلال الإسرائيلي. إذ يرى المنتمون لهذه الحركة أن الصهيونية لا تمثل التراث الديني اليهودي، وأنها "مؤامرة شيطانية" ضد اليهودية، كما يرفضون فكرة "الشعب" اليهودي، ويصرون على أن اليهود مجرد جماعة دينية، ليس الهدف منها إقامة دولة ولا السيطرة على العالم. وجماعة نواطير المدينة هم جماعة دولية تضم اليهود المتدينين في الولايات المتحدة وبريطانيا وأنحاء أخرى من العالم ممن يعاضون الصهيونية والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين. ولا تعترف هذه الجماعة حتى يومنا الحاضر بدولة الاحتلال الإسرائيلي، ويقوم بعض أفرادها بتنكيس الأعلام والصيام في ذكرى تأسيسها.[2] 

النساء عمومًا في مجتمع هذه الطائفة يلتزمن باللباس المحتشم ويمتنعن عن استخدام مساحيق التجميل، ويطلب منهنّ تكريس حياتهنّ بشكل كامل لأزواجهنّ وأسرهنّ. أما الرجال فيدرسون التوراة والتلمود، ويرتدون القمصان البيضاء والمعاطف السوداء والقبعات عريضة الحوافّ، ولا يشذبون لحالهم ولا سوالفهم الطويلة. [3]

القاعدة الأساسية لدى طائفة الساتمار الحسيدية هي تجنّب "البدع" وترك الأمور على ما هي عليه، كما كانت في أوروبا زمن النشأة الأولى لهذه الطائفة، ويسري ذلك على اللغة واللباس والطعام وأسلوب الحياة. فاللغة هي اليديشية، وهي خليط من الألمانية والبولندية والروسية والعبرية والإنجليزية. أما أدوار الرجل والمرأة فيجب أن لا تخرج عن التقليد المتوارث لديهم، فللمرأة البيت وللرجل عمله، مع الحفاظ على تجنب الاختلاط بين الجنسين في الأماكن العامة، في المدرسة الدينية ودور العبادة، لذا فإن الزواج يكون زواج "صالونات" أيضًا، وعادة ما يتزوج الشاب والفتاة بين سن السابعة عشرة والتاسعة عشرة. وحين تتزوج المرأة فإن عليها أن تستر شعرها على الدوام، وعادة ما تفعل ذلك عبر ارتداء "باروكة" بعد حلق شعرها قبل حفل الزفاف.

Unordthodox.. دراما نتفليكس في خدمة إسرائيل

في مسلسل "Unorthodox" على نتفليكس، وهو مسلسل قصير من أربع حلقات فقط، استعراض درامي لطبيعة الحياة في مجتمعات اليهود الحسيديين الساتمار، ومقدار التزمّت الذي يعيشه أفراده من الذكور والإناث، وذلك عبر حكاية إستي شابيرو التي تهرب من حياة التزمّت في وليامزبيرغ في بروكلين، إلى ألمانيا لتلتحق بأمها التي هربت من قبل من جحيم التزمّت في هذا المجتمع.

المسلسل يستلهم السيرة الذاتية للكاتبة الأمريكية الألمانية ديبورا فيلدمان والتي تحمل نفس عنوان المسلسل "Unorthodox: The Scandalous Rejection of My Hasidic Roots". ورغم أن الكتاب يشطح كثيرًا عما ورد في الكتاب المنشور عام 2012، لكنه ينقل صورة قريبة من تلك رغبت فيلدمان في تصويرها عبر سيرتها الذاتية التي أرادت لها أن تثير الكثير من الجدل.

وليس غريبًا تركيز نتفليكس على عرض صورة عن الحسيديين الساتمار المعارضين للصهيونية، وهو ما كان واضحًا في أحد المقاطع في المسلسل، حين ذهب زوج إستي شابيرو "يانكي" مع ابن عمّه "مويشي" للبحث عنها في ألمانيا بعدما هربت من حياتها التعيسة، وعلى مكتب الاستقبال في أحد الفنادق في برلين، رحّب بهما الموظف وقال إنه سعيد لاستقبال ضيوف من "إسرائيل"، فغضب "مويشي"، وبصق على يساره، وقال "إسرائيل؟ صهاينة!".

يانكي (يمين) زوج إتسي، وابن عمّه مويشي (IMDb)

الأمر غير مستغرب كذلك حين نعرف أن طاقم الفيلم الرئيسي يتألف من ممثلين إسرائيليين، وهم شيرا هاس، والتي صارت موضوعًا إعلاميًا عالميًا منذ عرض المسلسل على نتفليكس، بعد أداء دور مقنع ومتقن باللغة اليديشية، المستخدمة في ويليامزبيرغ، إضافة إلى أميت راهاف، الذي قام بدور الزوج، وجيف ويلبوش (إسرائيلي-ألماني)، والذي قام بدور "مويشي". هذا الاحتفاء "الفنّي" في ظاهره بالمسلسل، وراء غطاء من الليبرالية الاحتفالية المبهرجة، يخفي تحيزًا واضحًا للرواية الإسرائيلية عن هذا المجتمع المعارض للصهيونية، وهو موقف مفضوح بات معلومًا لمتابعي المنصّة مؤخرًا، في إنتاجات تصدّر الرواية الصهيونية وتنحاز إليها، وذلك في أعمال مثل مسلسل "Spy" وقبله فيلم "الملاك"، التي لا تعدو عن كونها دعاية سمجة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، إضافة إلى مسلسل "Shitsel" وأخيرًا مسلسل "فوضى"، الإسرائيليين، والأمر ذاته الذي يتكرر، وإن من زاوية أخرى غير مباشرة، في مسلسل Unorthodox.

مسلسل Unorthodox ليس العمل الأول الذي تعرضه نتفليكس عن الحسيديين الساتمار. ففي فيلمها الوثائقي "One of Us" عام 2017 سلطت نتفليكس الضوء على حياة 300 ألف يهودي من هذه الطائفة في نيويورك

مسلسل Unorthodox ليس العمل الأول الذي تعرضه نتفليكس عن الحسيديين الساتمار. ففي فيلمها الوثائقي "One of Us" عام 2017 سلطت نتفليكس الضوء على حياة 300 ألف يهودي من هذه الطائفة في نيويورك، ومواقفهم السياسية واتجاهاتهم الثقافية والاجتماعية، وذلك عبر قصة ثلاثة أشخاص قرروا ترك هذا المجتمع، والاندماج في المجتمع الأمريكي، ليصبحوا "One of Us"، أي ليصبحوا "منّا"، في تلك الصورة النمطية المستنسخة للفرد الأمريكي "العادي" المشغول كغيره بتحقيق "الحلم الأمريكي"، وهي الصورة نفسها التي تنقلها أيضًا عن الإسرائيلي في مسلسل "Shitzel" عبر مفارقة صورة اليهودي المتديّن بنظيره العلماني والمنفتح في المجتمع الإسرائيلي "الحديث". وفي الوقت الذي قد يكون من المثير للمشاهد العربي أن يطالع عملًا دراميًا يتناول بالنقد أحد الطوائف اليهودية المتشدّدة، فإنه من الضروري فهم السياق الذي تنتج فيه هذه الأعمال والخدمة التي تقدمها للرواية الصهيونية وصورتها عن "الإسرائيلي" وجميع أعدائه، حتى لو كانوا من اليهود أنفسهم. 

 


[1]  المسيري، عبد الوهاب، موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، الجزء الثاني ص137

[2] المسيري، عبد الوهاب، موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، الجزء الثاني ص137

[3] المسيري، عبد الوهاب، موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، الجزء الثاني ص356

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الفوتوغرافيا الصهيونية ومقولة أرض بلا شعب.. قصة تزوير

ما بعد إسرائيل.. تشريح الذات الصهيونية