08-يونيو-2017

لقطة من الفيلم

من الأمور التي كثيرًا ما حيرتني، هي مسيرة المخرج الأمريكي فرانسيس فورد كوبولا، فعند النظر إلى مسيرته السينمائية، نلاحظ أنه في غضون بضعة سنوات في سبعينات القرن الماضي، حقق أربعة أفلام جعلته أسطورة سينمائية، وهي الجزآن الأولان من سلسلة The Godfather، وفيلما Apocalypse Now وThe Conversation، ثم بعد ذلك "انحدر" مستواه لينتج أفلامًا تتأرجح بين المتوسطة في أحسن الأحوال والسيئة، كان آخرها فيلم Twixt الذي نحن بصدد الحديث عنه.

فيلم Twixt وإن كان ينتمي لأفلام الرعب، إلا أنه لا يأخذ منها إلا لغتها البصرية، والحقيقة فإن الفيلم ينتمي إلى سينما "الفانتازيا"

حصل الفيلم على تقييم 4.8 من موقع IMDB، و29% من موقع Rotten Tomatoes، ومع هذه التقييمات، وبوستر الفيلم الذي يوحي بفيلم رعب رخيص، لم أكن أنوي مشاهدة الفيلم، ولكن ما جعلني أشاهده هو احتلاله للمركز الثالث كأفضل فيلم صدر في سنة 2012، حسب قائمة مجلة "كراسات السينما" الفرنسية الشهيرة، ولحسن الحظ أني فعلت.

تدور قصة فيلم Twixt، دون حرق، في بلدة صغيرة، يزورها كاتب قصص رعب شهير، يعاني من إدمان الكحول وفقدان الرغبة في الكتابة، بسبب وفاة ابنته المراهقة في حادث بحري مؤخرًا، ولا يتعرف عليه أحد في البلدة إلا "الشريف (الشرطي)"، الذي يخبره أنه يهوى أيضًا كتابة القصص المرعبة، لكنه لم ينشر منها شيئًا، ويدعوه معه إلى زيارة المشرحة، لرؤية جثة عثروا عليها مؤخرًا، لعل المنظر يلهمه، وهنالك في هذه البلدة الصغيرة، ومع تتبع قصة تلك الجثة والبلدة، تبدأ ملامح رواية جديدة بالتشكل في مخيلة الروائي .

اقرأ/ي أيضًا: 19 فيلمًا ننتظر عرضها بالسينمات في النصف الثاني من 2017

فيلم Twixt وإن كان ينتمي ظاهريًا إلى فئة أفلام الرعب، إلا أنه لا يأخذ منها إلا لغتها البصرية، من ناحية الإضاءة والأجواء والمكياج والديكورات، أما في الحقيقة فإن الفيلم Twixt ينتمي إلى سينما "الفانتازيا"، ويناقش موضوع "الكتابة والإبداع"، وكيف ينشأ العمل الفني في عقل مبدعه، وكيف يعالج الإبداع روحه من أزمتها النفسية.

لو أردت تشبيه فيلم Twixt بفيلم آخر، فأجد أن أقرب فيلم له هو فيلم المخرج وودي ألين Midnight in Paris، مع تفضيلي لفيلم فرانسيس فورد كوبولا. ففيلم وودي آلين لا يناقش العملية الإبداعية، بقدر ما يناقش تأثرنا بالمبدعين، كما أن الحد الفاصل بين الفانتازيا والواقع في فيلمه واضح، فنحن نعرف متى يرى بطله الحقيقة ومتى يتخيل.

أما في فيلم كوبولا، Twixt، فنحن لا نرى الحقيقة أبدًا، ونتأرجح بين خيال الكاتب الروائي، الذي يجعله يرى كل شيء حوله في البلدة على غير حقيقته، ويحوله لمصدر للإلهام، وحالة الحلم أو الهذيان، وهي الحالة المتطرفة من الخيال، التي يتوارى فيها الواقع تمامًا، ويبدأ المبدع فيها بتشكيل عمله، من مصادر الإلهام تلك، بعبارة أخرى نتأرجح بين خيالين أحدهما أكثر جموحًا من الآخر.

اقرأ/ي أيضًا: الإنسان والآلة في أوديسة ستانلي كوبريك

فيلم Twixt من وجهة نظري هو أفضل فيلم رأيته حتى اللحظة، من ناحية مناقشة عملية الكتابة والإبداع، وبدون منازع. وأما بخصوص تقييماته المنخفضة جدًا فلا أجد لها مبررًا إلا أن مشاهدي الفيلم والنقاد رأوه فيلم رعب، ورأوا حبكته امتدادًا لموجة أفلام الرعب السيكولوجية والبارانورمالية (الخارقة للطبيعة)، مثل The Conjuring وThe Exorcist وThe Shining.

هذه النظرة هي التي ستجعل فيلم Twixt يبدو ضعيفًا ورديئًا، فهو يفتقد للقدرة على الإرعاب، ويفتقر للتماسك في حبكته، التي تميل للتفكك واللامنطقية، بحكم أنها تصور شذرات عمل بدأت تتشكل ملامحه في عقل مبدع ما.

فيلم Twixt أفضل فيلم من ناحية مناقشة عملية الكتابة والإبداع. وبخصوص تقييماته فلا أجد لها مبررًا إلا أن مشاهديه رأوه كفيلم رعب

من ناحية أخرى، أرى أن فيلم Twixt يعيبه محاولته من تخفيف حدة تشظيه وتفككه، لجعله سهلًا على المتابعة وجماهيريًا، وتحديدًا ليسهل متابعته من قبل جمهور أفلام الرعب، ولكن النتيجة لم تنجح في استقطاب هذا الجمهور، وأضعفت بالمقابل فنية العمل، الذي لو أغرق في حالة التشظي مثلما فعل فيلم Inherent Vice للمخرج بول توماس أندرسون، لكن أقوى في نقل وتصوير حالة الخلق الإبداعي عند الكاتب.

وختامًا، كم أنا مدين لنقاد مجلة "كراسات السينما" الذين أعطوا لهذا الفيلم المظلوم قدره، ودفعوني لاستكشاف سينما كوبولا المتأخرة، التي لا يبدو أنها انحدار فعلي عن حقبته السبعينية الأسطورية أبدًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل كان 2016 عام السينما اللبنانية؟ أبرز 8 أفلام تثبت ذلك

فيلم "البائع" بين أصغر فرهادي وآرثر ميلر