13-نوفمبر-2017

يشير مشروع روسيا اليوم الجديد إلى مدى فهم الكرملين لواقع العالم العربي (فيسبوك)

أطلقت شبكة RT الروسية (روسيا اليوم) نهاية الشهر الفارط مشروعًا إعلاميًا جديدًا يركز على وسائل التواصل الاجتماعي بعنوان RT online، وخلال الترويج لمشروعها الذي تزامن مع احتفالية الشبكة بمرور 10 أعوام على إطلاقها، قالت إنه سيكون مخصصًا للعالم العربي، ويستهدف المتابعين باللغة العربية، وهو يواكب ثورة الإعلام الحديث. لكن لماذا أطلق هذا المشروع الآن؟ ولماذا تولي روسيا كل هذا الاهتمام للمتابع العربي إلى درجة تخصيص روسيات، يتحدثن العربية، لتقديم فقرات ضمن مشروعها الإعلامي الجديد؟

يكشف مشروع RT online الجديد حجم اهتمام روسيا بالمتابع في العالم العربي لكونه موجهًا له ويقترب منه أكثر عبر مواقع التواصل

بحسب طلال العشي، رئيس تحرير RT online، "أرادت شبكة RT أن تنقل مشروعها الإعلامي لمستوى جديد تكون الشبكة من خلاله قادرة على التفاعل بشكل سريع مع جمهورها العربي"، وتشير صفحة الشبكة العربية على موقع فيسبوك لمتابعتها من أكثر من 12 مليون مشترك، فيما قالت مايا مناع، رئيسة تحرير RT العربية، إنهم "يستهدفون في هذا المشروع الجديد 16 مليون مشارك". وفعليًا فقد بدأ البث التجريبي لـRT online الخميس الماضي بتغطيتها للحدث الرئيسي، وهو التطورات في لبنان.

 

 

وتستعد الشبكة للانطلاق رسميًا ببدء خدمة البث المباشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي خلال وقت قريب، ووفق ما تم رصده فإن الشبكة لن تقتصر برامجها على السياسة، إنما سيكون هناك برامج منوعة تتحدث عن روسيا، بالإضافة لبرامج منوعة أخرى من العالم العربي، والتي غالبًا لن تكون خارج سياق توجهات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإعادة أمجاد روسيا في المنطقة العربية.

يذكر أن عديد الإحصاءات العالمية تشير إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي صارت تدريجيًا مصدرًا للأخبار في الوطن العربي ويوليها المواطن هناك أهمية لاستقصاء الأخبار وما يحصل من حوله، بل إن بعض منصات التواصل الاجتماعي صارت بديلًا عن الإعلام التقليدي خاصة في ظل عمليات الحجب الممارسة من بعض الأنظمة الديكتاتورية، وفي مصر وحدها سجل حتى نهاية تشرين الأول/ أكتوبر الفائت حجب مئات المواقع بزعم "مكافحة الإرهاب"، وهو ما يفسر غالبًا تصدّر مصر للدول العربية لمشتركي فيسبوك بـ33 مليون مشترك.

اقرأ/ي أيضًا: "روسيا اليوم" أسوأ منها في الأمس

لماذا RT Online الآن؟

يأتي إطلاق RT online بالتزامن مع تطورات متسارعة تشهدها المنطقة العربية سياسيًا والتي ترغب موسكو بالتأثير فيها على كل الوجهات حتى الإعلامية والتواصلية منها. كما قد ترغب موسكو إبراز عدم اكتراثها بالخلافات التي دخلتها مع شركتي تويتر وفيسبوك مؤخرًا، منها ما نقلته شركة تويتر في بيانها حول نتائج التحقيقات التي أجرتها الاستخبارات الأمريكية والتي أشارت لمحاولة تدخل وكالة سبوتنيك، وشبكة RT في الانتخابات الرئاسية الأمريكية بالنيابة عن الحكومة الروسية.

هكذا تبرز موسكو نوعًا من التحدي تجاه هذه المنصات، إضافة إلى ذلك يبدو أن توجيهات واضحة صدرت عن الكرملين لاستهداف الجمهور العربي، بعد أن نجحت روسيا في فرض حضورها السياسي في المنطقة العربية من بوابة تدخلها العسكري في سوريا، وقلبها موازين الصراع السوري لصالح رئيس النظام السوري بشار الأسد، ومؤخرًا صفقة منظومة الدفاع الجوي إس-400 التي أبرمتها مع الرياض.

بعد أن نجحت روسيا في فرض حضورها السياسي في المنطقة العربية من بوابة تدخلها العسكري في سوريا، هاهي تطور تأثيرها عبر مواقع التواصل

كما أن موسكو من خلف بوتين تمكّنت من فرض نفسها كلاعب أساسي ليس في المنطقة العربية فحسب، إنما دوليًا أيضًا، وإذا ثبُت بشكل قطعي ضلوعها بتغيير مسار الانتخابات الأمريكية، فإن ذلك يعني نجاحها باستعادة مكانتها بين الدول العظمى، ومن هنا تأتي أهمية مشروعها الجديد ليكون بمثابة منبر جديد لعرض وجهة نظرها حول أهم القضايا السياسية أمام الجمهور العربي، ولكن هذه المرة سيكون بميزة التواصل بشكل مباشر مع الجمهور، والذي هو تواصل أقوى ومحبذ بشكل أكبر جماهيريًا.

ورغم أن معظم التقارير الصحفية الغربية أجمعت على عدم مهنية وسائل الإعلام الروسية التي تتلقى تمويلًا مباشرًا من الكرملين، إلا أن موسكو تتمسك بخيار التواصل، عبر الإعلام القديم والجديد، لفرض توجهاتها.

وكان موقع موسكو تايمز قد وصف في واحد من تقاريره، بالاستناد لتجربة النسخة الإنكليزية من شبكة RT، أنها "تتفاعل مع الجهل الإعلامي" عبر انحيازها أكثر من أي وسيلة إعلامية أخرى، ونقل الموقع عن عاملين سابقين في الشبكة أن موظفي RT في بريطانيا معظمهم من الذين لا يملكون خبرة إعلامية، فضلًا عن عدم وجود تنظيم داخل غرفة الأخبار، وبحسب الموقع فإن الشبكة تفرض غرامة على موظفيها بقيمة 50 ألف دولار أمريكي عند انتقادهم لها في أي وقت.

اقرأ/ي أيضًا: آنا بوليتكوفسكايا واغتيال الصحافة الحرّة في روسيا

مع RT online سيتم الاعتماد على إعلاميات روسيات يتكلمنّ اللغة العربية (إضافة لطاقم عربي) دون أن يتوجهوا لمذيعات من المنطقة العربية، وهو توجه جديد إعلاميًا ولافت للانتباه، ويعتبره الكثيرون ذكيًا لجذب الجمهور العربي للتفاعل مع خدمة البث المباشر عبر وسيلة إعلامية غربية مذيعاتها يتكلمن العربية.

 

 

وفي الثانية فإن موسكو من المرجح أنها ترمي عبر نشراتها الإخبارية أو برامجها المنوعة لاستعراض قوتها، والإعلان عن موقفها بشكل فوري فيما يخص القضايا السياسية الحساسة في المنطقة، لكنها بكل تأكيد ستعمد للالتفاف على ذلك بالاستناد لتعليقات المتابعين، حيث من المتوقع أن تقوم بالترويج للتعليقات المتوافقة أو القريبة من وجهة نظرها، ما يسقط عنها حدود النقد كونها تعتمد على المشاركين كمصدر للتحليلات.

في النهاية يشير مشروع روسيا اليوم الجديد إلى مدى فهم الكرملين لواقع العالم العربي، والطريقة الأسهل التي تجعله يوصل مواقفه لجمهور معين حول أهم القضايا العالمية، وبالتالي المساعدة، إن صح القول، في استعادة أمجاد الاتحاد السوفييتي عبر منصات التواصل الاجتماعي، بعد أن كانت الحرب الإعلامية مسببًا أساسيًا لخسارته الحرب الباردة مع الولايات المتحدة في القرن الفائت.

 

اقرأ/ي أيضًا:

فرنسا متخوفة من هجمات روسية.. إلكترونيًا

وثائق برادايس تكشف المستور في علاقة وزير التجارة الأمريكي مع بوتين