22-مايو-2022

موقف أمريكي بشأن نظام الأسد مرتبط بتعقيدات إقليمية (Getty)

في أحدث موقف للإدارة الأمريكية من سوريا، أعلن إيثان داس غولدريتش مساعد وزير الخارجية الأمريكي لملف سوريا وبلاد الشام في مكتب شؤون الشرق الأدنى، أن مستقبل سوريا يقرره السوريون وأن الولايات المتحدة لا تحاول تغيير النظام وأنه لا حل عسكريًا للصراع في سوريا.

أعلن إيثان داس غولدريتش مساعد وزير الخارجية الأمريكي لملف سوريا وبلاد الشام، أن الولايات المتحدة لا تحاول تغيير النظام

جاءت تصريحات داس غولدريتش الأخيرة في مقابلة مطولة مع موقع صحيفة العربي الجديد، لتعكس تطورًا جديدًا في الموقف الأمريكي من النظام السوري، وهو موقف عرف تطورات كثيرة منذ بدء الأحداث في سوريا نهاية 2011 أثناء فترة الرئيس الديمقراطي باراك أوباما مرورًا بفترة الرئيس الجمهوري دونالد ترمب، ووصولًا إلى الفترة الحالية التي يقود فيها الديمقراطيون برئاسة جو بايدن.

فعلى الرغم من اعتراف مساعد وزير الخارجية الأمريكي أن الأسد يشكل العقبة الرئيسية أمام تحقيق أي تقدم في الحل السياسي وبالخصوص في اللجنة الدستورية، وأن الإدارة الأمريكية لا تدعم التطبيع مع النظام السوري وملتزمة بمواجهة التهديد الذي تشكله إيران و"تشعر بالهلع" وهي ترى قواعد اللعبة في سوريا تُطبَّق في أوكرانيا، فإن الموقف الأمريكي انتهى إلى عدم محاولة تغيير النظام وبقاء الإدارة الأمريكية مكتوفة الأيدي وهي تشاهد دول حليفة لها في المنطقة تسارع إلى تطبيع علاقاتها مع النظام وتساعده في إعادة تأهيل صورته وعلاقاته والالتفاف على العقوبات المسلطة عليه. فبهذا الموقف الجديد يما اكتفت باستمرار فرض العقوبات على النظام بوصفها أداة مهمة للضغط عليه ومساءلته مستقبلًا عن جرائمه حسب تصريحات إيثان داس غولدريتش.

محطّات في الموقف الأمريكي من النظام السوري

مع اندلاع أحداث الثورة السورية التي واجهها النظام السوري بقمع وحشي، بادرت إدارة باراك أوباما بفرض عقوبات اقتصادية على النظام السوري، ثم دعت رأس النظام في 19 أيار/مايو إلى قيادة مرحلة انتقالية أو التنحي عن الحكم. وعشية هذا الموقف فرضت إدارة أوباما عقوبات على رأس النظام بشار الأسد شخصيًا. ومع إصرار النظام على خيارة العنف والعسكرة دعت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون في 18 آب/أغسطس 2011 للمرة الأولى بشار الأسد إلى التنحي، وفي نهاية ذلك العام سحبت واشنطن سفيرها روبرت فورد من دمشق "لأسباب أمنية"، لتبدأ بعدها مرحلة من التواصل المباشر بين السفير الأمريكي والمعارضة السورية في عدة عواصم ومدن بينها إسطنبول.

EVENT: Syrian war crimes: victims' rights and opportunities (Berlin) -- Pro  Justice

وكان البيت الأبيض في صيف 2013 على وشك اتخاذ قرار بقصف البنى التحتية للنظام السوري لكنه تراجع عن ذلك القرار بالرغم من استخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية ضد مدنيين سوريين عام 2013. وجاء التراجع الأمريكي عن توجيه ضربة عسكرية للنظام على إثر "وساطة روسية" عبّر على إثرها النظام السوري عن استعداده للتخلي عن ترسانته من الأسلحة الكيميائية.

ومع التدخل الروسي العسكري في سوريا نهاية أيلول/سبتمبر 2015 لإنقاذ النظام من السقوط، أصبح خيار إسقاط النظام بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها خيارًا معقدًا وصعبًا لأنه يفترض مواجهة عسكرية مع روسيا. لينحصر بعدها الدور الأمريكي على العقوبات وإقرار عمليات وقف إطلاق النار بالتنسيق مع الروس، ودعم قوات سوريا الديمقراطية منذ 2017 عبر هجمات بالمروحيات القتالية وبالمدفعية استهدفت معاقل تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في الرقة. كما نشرت قبل ذلك في عام 2015 قوات خاصة في شمال سوريا لتدريب ما تصفه بالقوات المحلية التي تحارب "داعش".

وكان واضحًا في ولاية ترامب أن أولويات الولايات المتحدة في سوريا قد تغيرت، ففي آذار/مارس من العام 2017، أعلن وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون من تركيا أن مصير الأسد "يقرره الشعب السوري". كما قالت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة نيكي هالي "يختار المرء المعركة التي يريد خوضها.. وعندما ننظر إلى هذا الأمر نجد أنه يتعلق بتغيير الأولويات، وأولويتنا لم تعد التركيز على إخراج الأسد من السلطة". علمًا بأن وصول ترامب للحكم في البيت الأبيض كان محل احتفاء من طرف النظام السوري ومنصاته الإعلامية. ففي الـ 15 من تشرين الثاني/نوفمبر 2016 أعلن رأس النظام السوري بشار الأسد تعليقًا على انتخاب ترامب أن الرئيس الأمريكي الجديد سيكون "حليفًا طبيعيًا" للنظام السوري في حال كان يريد مكافحة الإرهاب، ويستخدم النظام السوري تعبير "الإرهاب" للدلالة على كل تنظيمات المعارضة المسلحة من دون استثناء. ويمكن تفسير الموقف الأمريكي في تلك الفترة بالتقارب الذي طبع العلاقات بين ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

الموقف الأمريكي الراهن من النظام السوري

دأب المسؤولون الأمريكيون منذ وصول بايدن إلى الحكم على استخدام مصطلح "إصلاح سلوك النظام" وعدم تغييره. وفي إجابة عن سؤال موجه إلى مساعد وزير الخارجية الأمريكي لملف سوريا حول ما إذا كانت واشنطن ستقبل ببقاء الأسد بعد كل هذه الجرائم، قال إن "مستقبل سوريا متروك للسوريين ليقرروه"، مضيفًا القول "ينصب تركيزنا على دعم تسوية سياسية لتحقيق الاستقرار والأمن، ووضع حد لمعاناة الشعب السوري. لم يكتسب نظام الأسد أي شرعية في أعيننا، وإن تطبيع علاقات الولايات المتحدة مع النظام السوري أمر غير مطروح الآن على الإطلاق".

وأضاف "لقد كنا متمسكين في رسالتنا إلى جميع الأطراف بتأكيدنا على عدم وجود حل عسكري للصراع. الحل السياسي الذي يرتئيه السوريون، والذي يمثل إرادة جميع السوريين على النحو المبين في قرار مجلس الأمن رقم 2254 سيبقى الحل الوحيد الصالح لإنهاء النزاع". مشيرًا إلى أن أولويات السياسة الخارجية الحالية حول الملف السوري هي التأكيد على أن "التزامنا بتعزيز مساءلة المسؤولين عن الفظائع في سوريا، وتحقيق العدالة للضحايا، لا يتزعزع. ولن يحظى الشعب السوري بسلام مستقر وعادل ودائم من دون فرض هذه المحاسبة". مواصلًا:  "على المجتمع الدولي مواصلة حث النظام على اتخاذ خطوات ملموسة لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، بما في ذلك الالتزام بسيادة القانون ووقف التعذيب وعمليات الإعدام غير القانونية والاعتقالات والاختفاء القسري".

كما أكد مواصلة الولايات المتحدة دعمها لقرار مجلس الأمن رقم 2254، ولمساعي مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا غير بيدرسن لتقديم حل سياسي للأزمة، بما في ذلك من خلال انعقاد اللجنة الدستورية في جنيف. واعترف أن نظام الأسد "يشكل العقبة الرئيسية أمام تحقيق تقدم في اللجنة الدستورية، وأمام التوصل إلى حل سياسي للصراع". وبالتالي "يجب عليه دفع مندوبيه في اللجنة الدستورية من أجل التفاوض بحسن نية من أجل الشعب السوري، على النحو المبين في قرار مجلس الأمن رقم 2254، بما في ذلك اجتماعات الجولة الثامنة المقبلة نهاية هذا الشهر".

وحول الجهود التي تقوم بها أطراف حليفة للولايات المتحدة في المنطقة من أجل تطبيع علاقات الأسد مع الدول العربية، قال غولدريتش إن "الولايات المتحدة لا تدعم التطبيع مع نظام الأسد، ولا ندعم محاولات إضفاء الشرعية على نظام يواصل تعريض الشعب السوري لفظائع مروعة، ويحرم الكثيرين في البلاد من الوصول إلى المساعدات الإنسانية. ما يزال النظام مسؤولًا وخاضعًا للمساءلة حول موت ومعاناة عدد لا يحصى من السوريين، وتشريد أكثر من نصف سكان البلاد، والاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري لأكثر من 130000 رجل وامرأة وطفل". كما كرر المسؤول الأمريكي الوعود بتعليق "إعادة إعمار سوريا إلى حين التوصل إلى تقدم لا رجعة فيه نحو حل سياسي، وهو ما لا نراه الآن. ونعتقد أن الاستقرار في سوريا لا يمكن تحقيقه إلا من خلال عملية سياسية تمثل إرادة جميع السوريين. ونحن ملتزمون بالعمل مع الحلفاء والشركاء والأمم المتحدة لضمان بقاء الحل السياسي الدائم حلاً مطروحًا".

Syria Timeline: Since the Uprising Against Assad | United States Institute  of Peace

وحول استراتيجية الولايات المتحدة في مواجهة الوجود الإيراني الذي يتوسع، قال المسؤول الأمريكي "ليس لدى الإدارة الأمريكية أي أوهام بشأن أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة، وهي ملتزمة بمواجهة التهديد الذي تشكله إيران، باستخدام الأدوات المختلفة المتاحة لها، بما في ذلك العقوبات، والعمل بالتنسيق الوثيق مع حلفائنا وشركائنا. إن الوجود المستمر للقوات الإيرانية والتشكيلات التابعة لها في سوريا يزعزع الاستقرار بطبيعة الحال".

تعقيدات إقليمية جديدة

تأتي تصريحات المسؤول الأمريكي متسقة مع جملة من التصريحات الأخرى التي خرج بها البيت الأبيض في الفترة التي تلت انتخاب جو بايدن، خليفة للرئيس الجمهوري المثير للجدل، دونالد ترامب. مع ذلك، فإن الوضع الإقليمي والدولي شهد تغيرات عديدة منذ ذلك الحين. على نحو خاص، فإن غزو القوات الروسية لأوكرانيا، متبوعًا بحملة غربية شاملة لمقاطعة موسكو، قد يحمل تأثيرًا كبيرًا على الملف السوري، وربما الموقف الأمريكي من سوريا، الذي يبدو منشغلًا أقل بمحاربة النفوذ الإيراني بشكل مباشر.

للنظر في هذه التغيرات، لا بد من مراقبة طبيعة الاصطفافات الأخيرة في المنطقة بشأن ملف أوكرانيا، وعلاقتها بالموقف من كل من إيران والنظام السوري. على سبيل المثال، سعت إسرائيل والإمارات، وكلاهما يأخذ موقفًا مترددًا بشأن إدانة الحرب الروسية، إلى إحداث حراك إقليمي يضغط على الولايات المتحدة بشكل غير مباشر، للانتباه إلى أن الحملة ضد روسيا قد تؤثر على الوضع في سوريا، وتسمح بتوسع النفوذ الإيراني. كان هذا الحراك مدفوعًا بالقلق من تزايد احتمالية نجاح إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني ضمن مسار مفاوضات فيينا غير المباشرة بين إيران وواشنطن.

بدا هذا الحراك واضحًا في عدة خطوات. أولًا، في زيارة رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى أبوظبي، وهي أول دولة عربية يزورها منذ اندلاع الثورة السورية، رغم تنديدات الكونغرس ومسؤولين أمريكيين بمساعي "الحلفاء" لتطبيع النظام في دمشق. ثانيًا، في التردد الإسرائيلي بشأن إعطاء موقف واضح من الأزمة الأوكرانية، وبالرسالة الروسية الواضحة لإسرائيل، التي كان مفادها أن تسهيل العمليات الإسرائيلية العسكرية ضد أهداف إيرانية في سوريا مشروط، وأن أي تصعيد إسرائيلي ضد روسيا بشأن ملف أوكرانيا، سيضع هذه التسهيلات أمام تهديد يغير الأمر الواقع الذي استمر لسنوات.

دخلت أطراف عديدة إلى هذه الأزمة أيضًا، بما في ذلك الجانب الأردني، الذي في حين يسعى إلى تطبيع جزئي مع النظام السوري، ما انعكس في إعادة فتح معبر نصيب البري، فإنه لمح في غير مرة وإن بشكل غير مباشر إلى أن إعادة العلاقات مع نظام الأسد لا بد أن تأتي من بوابة موسكو. حيث تتخوف عمان من دور إيراني أكبر، وهو ما اتضح في تصريحات  العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، من عواقب أي انسحاب روسي من جنوب سوريا، لأن أيّ فراع "سيملؤه الآن الإيرانيون ووكلاؤهم".

بشار الأسد: كيف تفاعل العرب مع زيارة الرئيس السوري إلى دولة الإمارات؟ - BBC  News عربي

هذا التصور الذي ينطوي على بقاء النظام السوري من خلال نفوذ روسي أكبر وإنهاء التواجد الإيراني، كان جزءًا أساسيًا من التصورات الإسرائيلية منذ إدارة رئيس الوزراء السابق، بنيامين نتنياهو. حيث كشفت تقارير أن نتنياهو كان يخطط للضغط من أجل الدفع بتطبيع النظام السوري، مقابل وضع حد للتمدد الإيراني، وهو ما تخوفت الإدارة الإسرائيلية اللاحقة ألا يكون واقعيًا، في ظل علاقة الأسد مع طهران. مع ذلك، فإن الأحداث الأخيرة، وعلى نحو خاص التزامن بين التطورات في مسار مفاوضات فيينا وفرص إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني، وبين الضغوط الغربية على روسيا على خلفية الحرب الأوكرانية، أعادت على ما يبدو هذا التصور في مقدمة أولوليات حلفاء واشنطن في المنطقة، وتحديدًا إسرائيل والإمارات.

التصور الذي ينطوي على بقاء النظام السوري من خلال نفوذ روسي أكبر وإنهاء التواجد الإيراني، كان جزءًا أساسيًا من التصورات الإسرائيلية

تنعكس هذه التعقيدات في الموقف الأمريكي، الذي يبدو متذبذبًا في جوانب، ومستقرًا في أخرى. فقد أعلن البيت الأبيض بشكل واضح منذ بداية الأزمة الروسية الأوكرانية، أن التنسيق مع روسيا، الذي تم تعليقه في جل الملفات، يبقى قائمًا فيما يتعلق بالملف السوري والعمليات الجوية في البلاد. هذا الموقف وإن بدا متذبذبًا قد يكون محكومًا بعديد من التوازنات، إذ يبدو الإصرار الأمريكي على جزئية العقوبات، مرتبطًا بالتأثير على التوازنات الروسية الإيرانية، وفرض حد للنفوذ الإيراني، من خلال تركيز العقوبات على قطاعات وشخصيات مقربة من طهران. أما الإصلاحات التي تطالب بها الإدارة الأمريكية بدون تغيير النظام، فغير واضحة، وربما تشمل ضغوطًا بتحديد العلاقة مع إيران إلى الحد الأدنى.