12-أغسطس-2020

مبنى مدمر في بيروت بعد انفجار المرفأ (Getty)

ألترا صوت – فريق التحرير

نشرت وكالة رويترز البريطانية تحقيقًا مطولًا يكشف في مضمونه عن الأسباب التي أدت إلى دخول لبنان بأزمة في قطاع الكهرباء منذ سنوات، مما يجبر السكان على الاشتراك بكهرباء القطاع الخاص التابعة لأصحاب المولدات لشراء الكهرباء التي تعوض كهرباء القطاع العام في حال انقطاعها، ووصلت في ذروتها إلى أكثر من 20 ساعة خلال الأسابيع الماضية.

نشرت وكالة رويترز البريطانية تحقيقًا مطولًا يكشف في مضمونه عن الأسباب التي أدت إلى دخول لبنان بأزمة في قطاع الكهرباء منذ سنوات

ويرى لبنانيون أن الفساد المستشري في قطاع الكهرباء يعتبر رمزًا لفشل الطبقة السياسية في إدارة شؤون البلاد الخدمية، التي تمتد لتشمل قطاعات عديدة غيرها، لكن يبقى أبرزها قطاع الكهرباء الذي يسبب خسائر سنوية بعشرات الملايين من الدولارات سنويًا، في الوقت الذي يدفع سنويًا مبلغًا بقترب من ـ25 بالمائة من قيمة الخسائر سنويًا لأصحاب المولدات في القطاع الخاص.

اقرأ/ي أيضًا: وثيقة سرية: السلطات اللبنانية تجاهلت تحذيرًا بشأن المواد التي انفجرت في المرفأ

ويشير تحقيق الوكالة البريطانية إلى أن خسائر شركة الكهرباء تقدر بملياري دولار سنويًا، أي ما يمثل قرابة ثلث العجز في الموازنة السنوية للحكومة اللبنانية، على الرغم من تعهد جميع الحكومات السابقة، بما فيها حكومة حسان دياب التي قدمت استقالتها قبل يومين، بإجراء إصلاحات في قطاع الكهرباء، غير أن الحكومات السابقة اصطدمت جميعها بتبادل الاتهامات بين الأحزاب السياسية التي تتقاسم الحكم على أسس طائفية.

ومن بين المشاكل التي تواجه شركة الكهرباء العامة تسجيلها عجزًا كبيرًا في الإنتاج، فضلًا عن شبكة التوزيع الرئيسية التي تتسبب في هدر كبير وسرقة التيار الكهربائي والتلاعب بالعدادات ومشاكل التحصيل، إضافة إلى عدم التغيير في الرسوم الشهرية المحصلة من المشتركين منذ التسعينات، الأمر الذي أسهم في خسائر ضحمة.

يقدر اقتصاديون أن اللبنانيين يدفعون حوالي 1.5 مليار دولار أو أكثر سنويًا، لأصحاب المولدات الخاصة الذين يقومون بتعويض انقطاع الكهرباء المتكرر عن الأحياء، بتوريدها عن طريق مولدات صغيرة موصولة بشبكة من الكابلات تتدلى في كثير من الأحيان من أعمدة الإضاءة على نحو محفوف بالخطر، وارتفع الاشتراك الشهري بنسبة تزيد عن 50 بالمائة خلال الشهر الماضي، بعد أن تسببت أزمة المحروقات بانقطاع الكهرباء لفترات طويلة.

وكانت مجموعة البنك الدولي بالاشتراك مع الدول الغربية قد أبدوا استعدادهم لضخ المليارات من الدولارات في لبنان لمساعدته على تجاوز أزمته المالية خلال مؤتمر المانحين الخاص بلبنان في عام 2018، فضلًا عن مساعدته في إصلاح قطاع الكهرباء، شريطة تطبيق السلطات اللبنانية إصلاحات من بينها إقامة هيئة تنظيمية لقطاع الكهرباء، وتحديث الشبكة وزيادة الأسعار، غير أن الحكومات اللبنانية المتلاحقة لم تطبق أي إصلاحات، في الوقت الذي امتد الخلاف بين الأحزاب السياسية إلى موقع بناء محطة كهرباء جديدة.

توضح الوكالة في تحقيقها أن السبب الرئيسي وراء أزمة الكهرباء يرجع للخلفية الطائفية والفئوية للنظام السياسي في البلاد، إذ يقوم الحكم السياسي على نظام طائفي يقتسم السلطة منذ الاستقلال في 1943، محددًا بأن يكون رأس الدولة مسيحيًا مارونيًا، ورئيس الوزراء مسلمًا سنيًا، ورئيس مجلس النواب مسلمًا شيعيًا.

وأثرت التركيبة الطائفية للحكم في لبنان على إقامة دولة مركزية فعالة، حيث يرى منتقدون بأن نظام الحكم الطائفي أصبح تابعًا لأهداف إقليمية ومصالح ذاتية تُحرك أمراء الحرب السابقين والقيادات الطائفية في كثير من الأحيان، وذلك في أعقاب إنشائهم لأحزاب سياسية بخلفيات طائفية أصبحت تهيمن على الحياة السياسية في لبنان، ساهمت بترسيخ نفوذها في مؤسسات الدولة لاستغلالها في تحقيق أهدافها.

ويعطي الفشل في إصلاح قطاع الكهرباء لمحة عن الكيفية التي انزلق بها لبنان إلى أسوأ أزمة تواجهه منذ عام 1990، عندما انتهت الحرب الأهلية بعد 15 عامًا من الاقتتال العنيف، وكيف تفسخ النظام المالي تحت وطأة الدين العام فحال بين أصحاب المدخرات وحساباتهم المصرفية، وتسبب في عجز الدولة عن سداد الدين السيادي وهوى بقيمة العملة اللبنانية وزاد معدلات الفقر.

يبرز التيار الوطني الحر برئاسة وزير الطاقة السابق جبران باسيل، في صدارة الخلاف على قطاع الكهرباء بين الأحزاب السياسية، وهو الذي ينظر إلى نفسه على أنه من يحمي حقوق المسيحيين، وفقًا لمنظور مؤسسه الرئيس اللبناني ميشال عون، ولعب التيار دورًا في تعميق أزمة الكهرباء بإصراره على بناء محطة كهربائية في منطقة مسيحية شمالية على شريط صخري يطل على ساحل البحر المتوسط بالقرب من قرية سلعاتا التي تتبع إداريًا لقضاء البترون في محافظة شمال لبنان.

ويجادل التيار بأن المحطة ضرورية لأمن الطاقة في لبنان، لكن الأطراف السياسية الأخرى تشترك مع المانحين الدوليين في إثارتها للمخاوف بشأن هذه الفكرة، ليس أقلها أن سلعاتا ليست متصلة بشبكة الكهرباء، فيما يخشى مراقبون من أن التيار يريد التركيز على بناء المحطة في سلعاتا لدوافع أخرى، من بينها موقعها في جزء يتركز فيه المسيحيون من البلاد، وهو ما ينفيه التيار.

وتشير رويترز إلى أن الوثائق التي اطلعت عليها، إضافة إلى مقابلات أجرتها مع أكثر من عشرة مسؤولين على دراية بأزمة الكهرباء، كشفت عن رفض التيار تقديم أي تنازلات رغم تنامي علامات الاستفهام حول إمكانية نجاح مشروع سلعاتا، بالأخص بعدما أصبح جليًا أن المانحين لن يمولوا المشروع في إطار الخطوات الفورية لإصلاح قطاع الكهرباء، مما دفع المانحين للشعور بالإحباط رغم أن لبنان يحتاج إليهم أكثر من أي وقت مضى بعد الانفجار الذي هز البلاد الأسبوع الماضي.

ويصر باسيل، صهر الرئيس عون والذي خلفه برئاسة التيار، على أنه حتى تكون في لبنان كهرباء على مدار الـ24 ساعة يوميًا، يجب أن تكون المحطات "موزعة لسلامة الشبكة"، مضيفًا في إجابته على سؤال من الوكالة بالقول "اسأل أي خبير.. نحن بحاجة إلى عدة مواقع"، في إشارة لتقديم بناء مصنع في منقطة الزهراني في جنوب لبنان، وإمكانية بناء مصنع آخر في منطقة الفاكهاني في بيروت على معمل سلعاتا في المرحلة الأولى من إصلاح قطاع الكهرباء.

ينظر التيار إلى رفض بناء مصنع في سلعاتا على أنه محاولة لتنحية البلدة جانبًا، وهو ما يتوافق مع طلب عون بإعادة النظر في القرار، مشيرًا إلى أن الخطة الأصلية للحكومة لإصلاح القطاع اشتملت على ثلاث محطات إحداها في سلعاتا، فيما نقل على لسان وزيرة الطاقة السابقة عن التيار ندى بستاني تأكيدها أن بناء محطتين الأولى في الزهراني والثانية في سلعاتا سيوفر الكهرباء على مدار الـ24 ساعة.

وكان التيار مسؤولًا في الحكومات السابقة عن وزارة الطاقة بدءًا من تشرين الثاني/نوفمبر 2009، بما يشمل ذلك الإشراف على شركة الكهرباء التي تديرها الحكومة اللبنانية، ودائمًا ما يدافع التيار في المنابر الإعلامية عن سجله في إدارة وزارة الطاقة، محملًا الأحزاب الأخرى التي كانت تتولى الوزارة في الماضي المسؤولية، ويتهم أحزابًا ثانية بأنها تقف في طريق إصلاح قطاع الكهرباء في لبنان.

اقرأ/ي أيضًا: تداعيات انفجار مرفأ بيروت مستمرة.. حسان دياب وحكومته خارج السرايا

وكان البنك الدولي قد أثار عديد المخاوف بشأن موقع محطة سلعاتا في مؤتمر المانحين لعام 2018، بعدما أظهرت الدراسات الاقتصادية لبناء المحطة، أن التكلفة تتضمن استحواذ الحكومة اللبنانية على أراض، وردم مناطق من مياه البحر وهو ما يعني أن الاستثمار ليس مجديًا، فضلًا عن موافقة غالبية الوزراء في حكومة دياب المستقيلة على إقامة محطة الكهرباء الأولى الجديدة في الزهراني رغبة منهم في إحراز تقدم في ملف أزمة الكهرباء.

يعطي الفشل في إصلاح قطاع الكهرباء لمحة عن الكيفية التي انزلق بها لبنان إلى أسوأ أزمة تواجهه منذ عام 1990، عندما انتهت الحرب الأهلية بعد 15 عامًا من الاقتتال العنيف

ونقلت رويترز على لسان مصادر دولية مختلفة لديها دراية بالنقاشات الدائرة بين المانحين، وصفهم لبناء محطة الكهرباء في الزهراني بأنها "خطوة ممكنة وعملية للأمام"، فيما أكد أحد المصادر الدولية على أن "تمويل محطتين للكهرباء سيكون صعبًا وهم يريدون منا تمويل ثالثة دون أي تفسير منطقي.. الكل قال لهم لا بالنسبة لسلعاتا"، وذلك في إشارة لمحطة كهرباء إضافية تجادل الأحزاب السياسية على أن بناءها يجب أن يكون في منقطة الفاكهاني.