02-يوليو-2022
مشروع الدستور الجديد يمأسس لحكم الرجل الواحد (رويترز)

مشروع الدستور الجديد يمأسس لحكم الرجل الواحد (رويترز)

اعتبر خبراء وناشطون وسياسيون أن مشروع الدستور الجديد في تونس، يعزز من الاستبداد وحكم الرجل الواحد، ولا يحترم الفصل بين السلطات، ويلغي أي فاعلية للبرلمان والحكومة. يأتي ذلك بعد أن أثار نشر المشروع في الجريدة الرسمية، ليلة الجمعة، الكثير من الجدل.

اعتبر خبراء وناشطون وسياسيون أن مشروع الدستور الجديد في تونس، يعزز من الاستبداد وحكم الرجل الواحد

وقال أستاذ القانون في الجامعة التونسية الصغير الزكراوي في حوار له مع "الترا تونس"، إن مشروع الدستور الجديد كُتب خِلسة ضاربًا عرض الحائط بالعقد الاجتماعي والتشاركية، مشيرًا إلى أنه كُتب بصياغة رديئة وأنه يكرس لسلطة الرئيس، داعيًا الرئيس التونسي قيس سعيّد إلى تفسيره للشعب.

مضيفًا أن "هذا نظام، يكون فيه رئيس الجمهورية هو حجر الزاوية وقلب الرحى، إذ استأثر بأهم الصلاحيات، فيما تقوم الحكومة فقط بمساعدته، فهو يختار رئيسها ويتشاور معه لاختيار أعضائها، وهي مسؤولة أمامه، وبالتالي ليس هناك توازن بين السلط ونرى أنه مفقود".

كما عدّت أستاذة القانون الدستوري سلسبيل القليبي، أن  مشروع الدستور التونسي الجديد قد خذل التونسيين. وانتقدت القليبي إصدار مشروع دستور "بهذا الشكل وخلال هذا الظرف"، وفق تعبيرها، مشيرة إلى أن مشروع الدستور والمسار ككل جاء في ظرف تمر فيه تونس بأزمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة على الإطلاق"، متسائلة "ما الذي سيأتي به مشروع الدستور التونسي الجديد للتونسيين بينما قوتهم اليومي مهدد؟ هل أنه يمثل استراتيجية أو بوادر حلول للخروج من هذا الوضع؟".

وعدّ أمين عام حزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي، أنّ "التصويت بنعم على دستور (جماهيرية سعيّد) جريمة في حق الوطن" وفق تقديره. فيما تساءل مدير الديوان الرئاسي سابقًا، عدنان منصر: "عدا مركزة السلطة في يد شخص واحد، ودون أي رقابة جدية، ما هو فضل الدستور الجديد عن الذي سبقه؟ لقد أغلق بعناية وبصفة تامة كل إمكانية أمام "الشعب" لتغيير توجهه العام إلا برضا الرئيس والمجلس النيابي الذي سيكون مجرد صنيعة له" وفقه. 

كما قال عضو مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" جوهر بن مبارك"، أنّ ما كتب في مشروع الدستور من "هذيان شاهق في التوطئة وتصفية الحسابات السياسية مع خصوم سعيّد، دعاية منه لنظامه ولذاته لم يتجرأ قبله أي ديكتاتور على تضمينها في الدستور، إهدار ضمانات أساسية للحريات، نظام سياسي منقول حرفيًا عن دستور بن علي يضرب في مقتل مبدأ التوازن ويؤسس لنظام السلاطين البالي".

ونشرت الجريدة الرسمية في وقت متأخر من مساء الخميس مشروع الدستور الجديد للجمهورية التونسية والذي يمنح  صلاحيات واسعة للرئيس في تعارض واضح مع النظام البرلماني القائم حاليًا في البلاد، ويعيد إرساء النظام الرئاسي الذي كان قائمًا قبل الثورة. ونص مشروع الدستور الجديد على أن "يتولى رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية"، وهو النظام الذي يعرف دوليًا باسم النظام الرئاسي، في حين أن دستور العام 2014 نص على أن يكون النظام شبه برلماني.

وأعطى مشروع الدستور الجديد صلاحيات لرئيس الجمهورية بتعيين رئيس الحكومة وبقية أعضائها وإنهاء مهامهم، ونص على أن الحكومة "مسؤولة عن تصرفاتها أمام رئيس الجمهورية" وليست بحاجة لأن تحصل على ثقة البرلمان لتزاول مهامها. كما تتضمن صلاحيات الرئيس "إسناد الوظائف العليا المدنية والعسكرية في الدولة باقتراح من رئيس الحكومة".

 وبترشيح من مجلس القضاء الأعلى يسمي الرئيس القضاة. أما فيما يتعلق بالمحكمة الدستوريّة، أشار مشروع الدستور إلى أن "المحكمة الدستورية تتألف من تسعة أعضاء، ثلثهم الأول من أقدم رؤساء الدوائر بمحكمة التعقيب، والثلث الثاني من أقدم رؤساء الدوائر التعقيبية بالمحكمة الإدارية، والثلث الثالث والأخير من أقدم أعضاء محكمة المحاسبات".

وبحسب مشروع الدستور المثير للجدل، يتمتع 'الرئيس بالحصانة طيلة رئاسته وعدم جواز مساءلته عن الأعمال التي قام بها في إطار أداء مهامه". وفيما يتمتع الرئيس بصلاحيات واسعة تم تقليص دور البرلمان بحيث لا يشمل مراقبة عمل الرئيس أو الحكومة، وسينشئ الدستور هيئة جديدة تسمى "المجلس الوطني للجهات والأقاليم"، ستكون بمثابة غرفة ثانية للبرلمان.

وبخصوص عمل نواب البرلمان، أشار مشروع الدستور الجديد إلى أن "وكالة النّائب في مجلس نواب الشعب قابلة للسحب وفق الشروط التي يحددها القانون"، ويشدد المشروع على أنه "لا يتمتع النّائب بالحصانة البرلمانية بالنّسبة إلى جرائم القذف والسب وتبادل العنف المرتكبة داخل المجلس، كما لا يتمتع بها أيضًا في صورة تعطيله للسير العادي لأعمال المجلس".

وبخلاف دستور 2014 الذي نص على أن تونس دينها الإسلام، فإن الدستور الجديد تضمن في المادة الأولى أن "تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة". ونصت المادة الخامسة من الدستور الجديد أن "تونس جزء من الأمة الإسلامية، وعلى الدولة وحدها أن تعمل على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف في الحفاظ على النّفس والعرض والمال والدين والحرية"، فيما نصت المادة السادسة على أن "تونس جزء من الأمة العربية واللغة الرسمية هي اللغة العربية". في حين ورد في المادة السابعة أن "الجمهورية التونسية جزء من المغرب العربي الكبير تعمل على تحقيق وحدته في نطاق المصلحة المشتركة".

يذكر أن قيس سعيّد تسلم مسودة الدستور الجديد من العميد الصادق بلعيد في 20 حزيران/يونيو الماضي، فيما لم يطلع أي من الأحزاب والشخصيات المشاركة في "حوار قرطاج" على مسودة الدستور، ليعلن سعيّد وقتها أنه سيدخل تعديلات على النسخة غير النهائية. وقبل ساعات من نشر مشروع الدستور الجديد، أعلن فاروق بوعسكر رئيس هيئة الانتخابات التي عين سعيّد أعضاءها مؤخرًا أن "الهيئة جاهزة لتنظيم الاستفتاء على الدستور". وأضاف بوعسكر في مؤتمر صحفي بالعاصمة التونسية أنه "تم الانتهاء من تعيين رؤساء الهيئات الفرعية في الداخل والخارج"، وتابع أنه "تم انتداب 84 ألف موظف للإشراف على الاستفتاء على الدستور".

وفي أولى ردود الفعل على نشر مسودة الدستور الجديدة في الجريدة الرسمية، قال عميد المحاميين التونسيين ورئيس اللجنة الاستشارية الاقتصادية والاجتماعية التي تمثل إحدى اللجان ضمن لجنة تأسيس "الجمهورية الجديدة"، ابراهيم بودربالة، إن "نص مشروع الدستور الذي نشر الخميس في الرائد الرسمي لا يتطابق مع المشروع الذي قدمته اللجان الاستشارية". وأكد بودربالة في تدخل هاتفي مع إذاعة "شمس أف أم" الجمعة أن هذا "مش  مشروع الدستور"، مضيفًا أن "مسألة النظام السياسي والقضاء والحقوق والحريات فيها تقاطعات مع المسودة التي وقع تقديمها لرئيس الدولة قيس سعيّد".

وتابع بودربالة أن "الباب الأول من الدستور كان من المفترض أن يقع تخصيصه للجانب الاقتصادي، لكن رئيس الدولة ارتأى أن يخصصه للنظام السياسي". وأوضح بودربالة أن "اللجنة التي صاغت الدستور دورها استشاري فقط، لكن رئيس الدولة هو صاحب المشروع".

أعطى مشروع الدستور الجديد صلاحيات لرئيس الجمهورية بتعيين رئيس الحكومة وبقية أعضائها وإنهاء مهامهم

ومن المقرر إجراء استفتاء على الوثيقة الجديدة في 25 من الشهر الحالي، ما سيتوج مسارًا كاملًا انطلق في 25 تموز/يوليو من العام الماضي فرضه الرئيس التونسي عبر الاستحواذ على جميع السلطات، ضمن ما أسماها "إجراءات استثنائية"، وسط معارضة واسعة من قبل الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني الذين اتهموه بأنه يؤسس للديكتاتورية وحكم الفرد.