22-يونيو-2017

ملصق دعائي لألبوم ببالي (فيسبوك)

تناقل كل من انتظر جديد السيدة فيروز أغنيتها "لمين" بعد صدورها منذ يومين على صفحتها الرسمية في فيسبوك، وما إن استمعوا لها بعد العطش، حتى أُثيرت موجات الدفاع والانتقادات على أغنية لم تلمس قلب كثيرين، وأعادت آخرين للإحساس بالطمأنينة بأن فيروز ما زالت قادرة على الغناء. فصاحبة أغاني الحب البريء والموشحات الأندلسية والأغاني الكثيرة عن الشوق، والتي شكلت وجه الغناء العربي الفريد، بقيت حتى هذا الوقت ظاهرة موسيقية متفردة بنفسها تنام على تاريخ حافل بالأغاني وتصنف من نوع الإنجاز العظيم. وربما بسبب ذلك الزخم وضعت الأغنية الجديدة بالنسبة للجمهور موضع النقد والاستغراب من المنتج الذي جاء مخيبًا للآمال.

بقيت فيروز ظاهرة متفردة في تاريخ الأغنية العربية، ينظر إلى ما قدمته كإنجاز عظيم

ولكن ما لا يختلف عليه اثنان هو نقاء وقوة صوت فيروز في مثل عمرها، فلربما كان اختيار هذه الأغنية بالذات لتكون شبه تقديم مبكر قليلًا للألبوم الجديد الذي سيصدر في أيلول/ سبتمبر من العام الجاري، كما سبقه إعلان ترويجي للأغنية من خلال مقطع صغير منها. لقد جاء التسجيل ليقول إن فيروز ما زالت قادرة على الغناء.

وسبقت صدور الأغنية أيضًا مجموعة فيديوهات نشرت على الصفحة الرسمية لابنتها ريما، منتج الألبوم الجديد، تظهر فيها فيروز أثناء تسجيل الأغنية تعلق وتعطي الملاحظات على بعض الكلمات المكتوبة، تكتب تشطب وتغير، تضحك وترتبك، وكأن هذه المقاطع بدورها جاءت لتقول بأن غناء فيروز لن يتوقف، بل لديها الكثير لتقوله، خصوصًا بعد سلسلة إشاعات طالتها مرةً بخلافها مع ابنها زياد، ومرةً بغنائها في معرض دمشق الدولي الذي سيتم افتتاحه لأول مرة بعد اندلاع الأحداث السورية.

وأمام كل ما يدور ويقال من محبيها أو منتقديها، تنبري ريما لترد عليه بطريقتها الخاصة، والتي تبدو في تلك الفيديوهات مخرجًا ومديرًا من مكانها تسأل فيروز وتدير معها نقاشات صغيرة، ويمكن اعتبار هذه الفيديوهات أيضًا كردود جاهزة على طريقة ريما بعد كل اللغط والتساؤلات إثر غياب فيروز وصمتها. 

الأغنية التي يقول مقطع منها، "لمين بيبكي الحور، لمين، لمين الأرض بتدور، إلك أو إلي أو مش لشي. مش لشي ولا أي شي". مستوحاة من الأغنية الفرنسية Pour qui veille l’étoil للفنان الفرنسي الشهير جيلبرت بيكود، ولكن نسختها الفيروزية كتبت كلماتها ريما الرحباني ووزعها ستيف سايدويل.

ليست المرة الأولى التي يستلهم فيها الرحابة موسيقى من إنتاجات عالمية وفرنسية على وجه الخصوص، في السابق "بيذكر بالخريف" واليوم "لمين"، وتجارب أخرى بنيت على كلمات أو ألحان من الموسيقى الفرنسية. ولكن ماذا بعد؟ هل تكمل فيروز أعمالها بوقت توقع فيه الجميع أنها لن تستمر في الغناء، فتطلع عليهم بلحن مستوحى وكلمات لم ترق لكثيرين؟ وبالنسبة للكلام المغنى فله أثرٌ غير عادي في نفوس محبيّ السيدة، حتى بدت بالنسبة لهم تلك القصائد التي كتبها فيلمون وهبي وزكي ناصيف وكأنها كتبت لتغنيها فيروز.

الشعر العامي أو الفصيح الذي كانت تغنيه فيروز وحفر بالأذهان وصار اقتباسات يحفظها الجميع، بكل ما فيها من استعارات وتشابيه، والكلمات البسيطة أو كلمات الموشحات الأندلسية في العشق والشوق، أو تلك التي عن الفتاة البسيطة التي يهجرها محبوبها، وقدرة الحب اللامتناهية التي كانت تظهر في كلمات يكتبها أكبر شعراء لبنان ومصر وغيرهم.. كل تلك العناصر انسحبت، أو سُحبت، من كلمات الأغنية الفرنسية المعربة اليوم. ما يطرح سؤالًا فعليًا: أما من مهمة أخرى لتعريب أغنية غير القيام بترجمتها حرفيًا؟

فيروز في ذكرى عاصي تقول له "لمين بتسهر النجمة؟"، ليرد عليها صوتها بأن الغناء وقت عاصي ليس كما بعد

وبالنسبة لحضور زياد الرحباني الذي بات متعارفًا عليه بعد وفاة والده، وقد تسلم القيادة الموسيقية لمشاريع فيروز وترك بصماته واضحة في أعمالها الجديدة، فنرى اليوم بأن فيروز نفسها قبل زياد ليست كمن بعده، لتحضر ريما مخرجةً ومنتجةً وناقلةً كلمات أغنية فرنسية لتلصقها بصوت أمها. هذا الأمر أيضًا دفع كثيرين للتساؤل والمطالبة بعودة التعاون بين زياد وفيروز.

وبعد صدور الأغنية أطلق العديد من غير المعجبين بها هاشتاغ #يلا_تنام_ريما كردة فعل واحتجاج على التعاون بينها وبين فيروز والذي بحسب رأيهم لم يكلل بالنجاح.

فيروز في ذكرى عاصي الرحباني تقول له "لمين بتسهر النجمة؟"، ليرد عليها صوتها بأن الغناء وقت عاصي ليس كما بعده. فبين "لمين بتسهر النجمة وخلص الحب وما وقع ولا نجمة"، زمن طويل نجماته كانت تضاء من الإبداع، لا تشبه نجمات اليوم البعيدة والتي بحسب الأغنية الجديدة تسهر "مش لشي ولا أي شي".

لا خلاف أيضًا على ما تكتبه ريما في فيسبوك وما يتم نشره على صفحة فيروز وعاصي الرسميتين، وتحديدًا في ذكرى وفاة عاصي الواحدة والثلاثين، حيث هناك شوق لتاريخ ما زال حاضرًا في النفوس من شأنه أن ينتج ألبوم موسيقي اسمه يحكي عنه "ببالي" هو ذكرى وتأكيد على أنه لا نسيان ولا تناسي، وتقول فيه فيروز ببالي التاريخ والموسيقى ولن أنسى، وتقول أيضًا رح نبقى سوى، وتأكد شو كانت حلوة الليالي.

ذكرى وفاة عاصي الرحباني التي تصادف 21 حزيران/ يونيو يوم عيد الموسيقى، أكد فيه كثيرون بأن الذكرى والغناء والموسيقى باقية في بالهم، مثلما هي باقية في بال فيروز. فقام بعض الفيروزيين كما يسمون أنفسهم بتصميم كتيب يروي جزءًا من سيرة عاصي الرحباني الفنية وإنجازاته الموسيقية، تخليدًا لذكراه وجاء تزامنًا مع إصدار الأغنية الجديدة.