19-يونيو-2022
تقييمنا لشكلنا، جمالنا، اتساق أجسامنا، يتعلق بأجسامنا وهي منتصبة

تقييمنا لشكلنا، جمالنا، اتساق أجسامنا، يتعلق بأجسامنا وهي منتصبة

نحن نواجه مرايانا واقفين. تقييمنا لشكلنا، جمالنا، اتساق أجسامنا، يتعلق بأجسامنا وهي منتصبة. أجسام قادرة على القتال، مستعدة لأي طارئ، لا تسلس قيادها لأُلف، ولا تلين أمام لمسة أو احتضان. مع ذلك، نحن نسعى لإغواء الحبيب أو الغريب بهذا الجسم المتأهب. كما لو أننا، رجالًا ونساءً، نمرن الناظرين إلينا على الاستعداد لمعركة.

الاتصال مع العالم مجهد بالنسبة لنا، كما لو أننا حقًا في حالة حرب. والعالم يعجب بنا أو يتجنبنا بناء على وضعيتنا المحاربة

وأغلب الظن أن انتصابنا على النحو الذي يجعلنا قادرين على امتشاق سيوفنا، يخفي في طياته قلقًا من احتمال أن تبقى علاقتنا مع الآخر في طور المواجهة الحربية، أو ربما أننا نريد الإيحاء أننا، حتى لو جلسنا أو تكورنا، فإننا قادرون مرة أخرى على الوقوف واتخاذ وضعية المواجهة. حتى الاستلقاء في الأسرة في اللحظات الحميمة بين حبيبين، تحركه رغبة حارة منا في إبقاء الجسم متأهبًا، كما لو أنه يقف بخلاف منطق الجاذبية، مستندًا إلى سرير.

والحق إن هذا السلوك مستغرب اجتماعيًا ومستهجن، فنحن نمضي جل أوقاتنا نائمين متكورين، أو جالسين. نأكل ونسامر أقراننا وأحباءنا جلوسًا، ونقرأ ونشاهد أفلامًا سينمائية جلوسًا، وننام، ثلث أعمارنا تقريبًا، متكورين كأجنة. لكننا حين نريد إرسال رسالة للحبيب أو الغريب، نتأهب، سواءً كنا متأهبين في أسرتنا أو متمنطقين بربطات العنق والأحذية اللامعة، والكعوب العالية في حالة النساء.

الاتصال مع العالم مجهد بالنسبة لنا، كما لو أننا حقًا في حالة حرب. والعالم يعجب بنا أو يتجنبنا بناء على وضعيتنا المحاربة، وما توحيه صورنا من قدرة على القتال الطويل من دون تعب. ولأجل هذا، بل وبسبب من هذا السلوك المستغرب، يبدو أننا لا نستطيع الاطمئنان حتى لمن نظنه قريبًا منا وحميمًا.

على هذا نستعين على وضعيات أجسامنا في مجمل وقتنا، بتذكير الآخرين بصورنا العابرة، حين كنا واقفين. الواقف مستعد، لذلك يندر أن يقف المرء أمام آخرين من دون بذل عنايته لثيابه، وعطره، واستقامة جذعه، ورشاقته، مذكرًا الآخر بكل الأوقات التي أمضاها يعمل جاهدًا، وواقفًا في غالب الأحيان، لنحت جسده لكي يبدو وهو واقف واقفًا حقًا.

البطون البارزة، والأثداء المترهلة، والأكتاف المنحنية هي علامات لا تدحض على صعوبة الاستقامة، علامات على النوم والجلوس الكثيرين والغامرين اللذين اختبرهما هذا الجسم. لهذا نريد ونحن واقفين أن ننفي عن أجسامنا أي دعة، نريد أن نقول للعابر والغريب وللحبيب على حد سواء، أننا مستعدون للقتال.

مع ذلك يحدث حين نجالس آخرين، أن تأسرنا وجوههم، ابتساماتهم، أن نألف إليهم، وأن نستعد حقًا وفعلًا لننكشف أمامهم ونظهر لهم أجسامنا وهي مستسلمة لدعتها وراحتها، وتفلتها من الرغبة بالقتال، من هذه السلطة التي تجعلنا أعداءً للآخرين، الذين قد ينجحون في مرات قليلة في جعلنا أقل توترًا وأكثر طلبًا للراحة والتفلت.

نحن نواجه مرايانا واقفين. تقييمنا لشكلنا، جمالنا، اتساق أجسامنا، يتعلق بأجسامنا وهي منتصبة. أجسام قادرة على القتال، مستعدة لأي طارئ

الوجوه، في ما يبدو، حين تصبح أليفة بسبب الجلوس، هي التي تبقينا على قيد الاتصال بهذا العالم. الوجوه، الأفواه تحديدًا، هي التي تدفع الأجسام المتأهبة إلى الاسترخاء قليلًا، ذلك أن الابتسامة ليست أقل من دعوة حارة لنا إلى الاستسلام والاطمئنان للآخر، وخلع دروع المحاربين.

أليس من الأجدى لنا، والأكثر رقة أن ندفع أجسامنا لإرسال رسائلها وهي مسترخية؟ ألا يصبح الآخر في هذه الحال أقرب إلى قلوبنا وأحشائنا مما هي عليه أحوالنا اليوم؟ أي مقاتلون طوال الوقت يتخلل وقت استعدادهم للقتال لحظات عابرة من الخضوع للحب.