08-يونيو-2020

فنانون يرسمون غرافيتي لجورج فلويد في

ذهابًا إلى بُنى التّغيير الحقوقي أو السّياسي على حدٍّ سواء، عادةً ما تلعبُ الأنظمة لُعبة قذرة، ضمنيّة بطبيعة الحال، تتمحور حول تحالف مع برجوازيّات طبقة ما وتحقيق حدّ أدنى حقوقي لها، ليتمّ بطريقةٍ متشابكة وميدوسيّة تغطية ما تبقّى من سلوكيّات القمع والاضطهاد. إنّ هذا التّغيير، غير الكافي وغير المقبول طبعًا، لم يحدث، بحدّهِ الأدنى، مع الأفارقة الأمريكيّين في الولايات المُتّحدة الأمريكية، وكانت الاستعاضة عنهُ بالتّسويق لأمريكا الحُلم العادلة، التي مع انتخاب أوباما رئيسًا قد سوّقت للعالم أنّها تجاوزت سؤال العنصريّة وهو، في الواقع، مُجرّد تسويق هشّ يُغطّي بُنية كاملة من الاضطهاد المُمارس بشكلٍ يوميّ ضدّ الأفارقة الأمريكيّين.

إنّ حادثة فلويد في مدينة منيابولس في ولاية مينيسوتا، تُذكّر وتؤكّد على ما نحتاج أنْ نتذكّرهُ دائمًا؛ الصّراع الحقوقي لتحقيق عدالة ما لفئة ما عليه أن لا ينتهي حتّى عند تحقيق مطالب جزئيّة منه

إنّ حادثة فلويد في مدينة منيابولس في ولاية مينيسوتا، ومن قبلها حادثة ويليامز في ولاية بنسلفانيا، الذي صُعِقَ بالكهرباء، وعديد الأحداث التي تقع باستمرار بسياق عُنصريّ، إضافةً مؤخرًّا إلى التّمييز الحاصل بوضوح حتّى ضمن الرّعاية الطّبيّة خلال أزمة فيروس كورونا، تُذكّر وتؤكّد على ما نحتاج أنْ نتذكّرهُ دائمًا؛ الصّراع الحقوقي لتحقيق عدالة ما لفئة ما عليه أن لا ينتهي حتّى عند تحقيق مطالب جزئيّة منه، ذلك أنّ بُنى الأنظمة من جهةِ، والمُجتمعات من جهةِ أُخرى عليها أنْ تبقى على اطّلاع حول ممارسات روتينيّة للأنظمة، وغير عادلة للإنسان حتّى تستمرّ المُطالبة الحقوقيّة.

ممارسات الدّولة هي مُمارسات مُستقاة من نُخبها، هُم من يمنحونها معناها، ومن يدفعونها، في كثير الأحيان، إلى سياسات ترمي في نهاية الأمر لحماية مركزيّتهم ضمنها. وبالمُقابل، فإنّ الطّبقة أو العرق المُهمّش عليه المُطالبة، على الدّوام، بعدالتهِ ضمن دول شريكة لنُخب كانت قد أسّست مؤسّساتها لحماية مصالح تلك النُخب. حيث تعمل هذه المؤسّسات ضمن سلوكيّات رمزيّة وواقعيّة واضحة على المُجتمع كَكُلّ، ضمن تمييز ضمني ضدّ الفئة المُهمّشة، ما يُشكّل صورةً خادعة ومُسوّقة حتّى ضمن ذات الفئة للمفهوم الشّعبوي لها، مُحيّدةً المفهوم النّخبويّ للنُّخبة، ولكنّها بذات الوقت مُتحيّزة لها.

ضمن نتائج السّياسات هذه، والتّسويق الحقوقيّ لعدالة الدّولة الحُلم، تقع المفارقة العجيبة، وهي تتمثّل بتبنّي وارتداء عدد من وجوه النّظام أقنعة سوداء لبشرتهم البيضاء خِطابيًّا تساوقًا مع المُمارسات الحقوقيّة التي بات جزء منها موضة ضمن ممارسات الدّول، ما ينكشف بتبنّي وارتداء الشّعب أقنعة بيضاء لبشرتهم السّوداء للحصول على جزء من امتياز طبيعة الحياة العاديّة للبيض في أمريكا.

قد تكون الإجابة على سؤال لماذا علينا مُحاربة الأنظمة العُنصريّة على الدّوام واضحة؛ أيْ لأنّها، أيْ الأنظمة، تُمارس فعل العُنصريّة ذاته، ولكن إذا ما رحنا لتفسير أكثرَ إحاطةً بفهم سياسات وممارسات السّلطات والدُّول والنُّخب، سنذهب لاثنين من المُفكّرين، بطبيعة الحال لكتابيهما، والذين تقول المفارقة بينهما الكثير. "بشرة سوداء، أقنعة بيضاء"، 1952، لفرانز فانون 1925-1961، الذي تتبّع وكشف سرديّة الاستعمار الاستشراقيّة، ومركزيّة التّمييز العُنصري تجاه الأفارقة الأمريكيّين. تَبِعهُ "بشرة سمراء، أقنعة بيضاء"، 2011، لحميد دبشي 1951، والذي يبني على كتاب فانون لفحص ما طرأ على مشهد التّمييز ضمن الألفيّة الثّالثة.

يستخلص المُفكّر الإيراني أنْ هيمنة ما بعد الكولونياليّة قد وجدت في البشرة السّمراء نسخةً جديدةً عن البشرة السّوداء، وهذا لا يعني بالمُطلق أنّ هذا التّمييز الجديد كان بعد تحقيق عدالة للأفارقة الأمريكيّين، إنّما يعني وبوضوح، أخْذْ هذا التّمييز العُنصري أبعادًا جديدة قد تكون أحد مُسبّباتها تأخّر مُقاومة الأنظمة العُنصريّة، وتحديدًا في الولايات المُتّحدة الأمريكيّة.

ومُجدّدًا، إنّ المُحاولات التّسويقيّة التي وصلت رأس الدّولة لعدالة الولايات المُتّحدة، وانتهاء الحقبة العُنصريّة، تُفضح بوضوح عند مُمارسات يوميّة روتينيّة لمؤسّسات مثل الشّرطة، ما يقودُ للتّأكيد على أهميّة التّذكير الدّائم بضرورة مُقاومة الأنظمة بمؤسّساتها، ولو بشيءٍ من ترميز الضّحايا، حتّى تستمرّ المُمارسات المُضادّة يوميًّا وعلى مدى طويل يكفي ويؤسّس لتَحقّق عدالة حقيقيّة لا تقيّمها مؤسّسات الدّول، وليست من مصالحها من الأساس.

قد تكون النّقطة الأساسية هُنا، أن لا تخدعنا الأنظمة بأقنعتها وخِطابها المُشيطن لفئات مُعيّنة حتّى يتمّ مُمارسة العُنصريّة ضدّها من الأعلى، بطبيعة الحال، وشرعنة مُمارسة العنصريّة ضدّها من الدّاخل، والخطير، ضمن ذات السّياق، أنْ لا تخدعنا بخِطابها البريء، المُتعاضد شكليًّا مع الفئة المُهمّشة، كما حدث في عام 2008، حيث اختارت الأُمم المُتّحدة قصيدةً كتبها طفل أفريقي كأفضل قصيدة، في مُحاولة تتساوق مع التّوجهات العامّة لمقاومة العُنصريّة بهدف امتصاصها والتّخفيف من حدّتها، ذهابًا للقضاء على الشّك بوجودها. تقول أبياتها:

"حين وُلدتُ، أنا أسود/ حين كبرتُ، أنا أسود/ حتى وأنا في الشّمس، أنا أسود/ حين أكون مريضًا، أنا أسود/ حين أموت، أنا أسود/ وأنت أيّها الأبيض/ حين تولد، أنت زهري/ حين تكبر، أنت أبيض/ حين تتعرّض للشّمس، أنت أحمر/ حين تبرد، أنت أزرق/ حين تخاف، أنت أصفر/ حين تمرض، أنت أخضر/ حين تموت، أنت رمادي/ وتَصفني بأنّي مُلوّن؟".