23-مايو-2022
أطفال من الناصرة عام 1918

أطفال من الناصرة عام 1918

نعود أدراجنا كعادتنا نحو سباط القعوار. بين دكاكين العرايس. والمقاهي ومحلات العطور والبهارات والملابس وغيرها من أصوات وروائح وألوان تمتزج لتصنع ذلك السحر الذي نسميه سوق الناصرة.

نمر أيضًا كعادتنا بشجرة المندلينا الشهية والمحرّمة. إذ يحرسها أبو مصطفى كظلها على كرسيه البلاستيك. أو نجده يحوم حولها. يسقيها أو ينكش بفأس مدبب صغير أو يقتلع الأعشاب. حتى شككنا أنه ينام هناك أيضًا.

شجرة المندلينا تنوء تحت عبء الثمار الناضجة البرتقالية التي تنثر رائحتها عبر الشارع كله.

جاءت المفاجأة عبر الكرسي الفارغ حيث لا أثر لأبو مصطفى الذي طالما أرعبنا تجهمه، خاصة أننا لم نعرف أبدًا أين ينظر بسبب حوله الشديد. حوله الذي لم يمنعه دقة التصويب على أي متطفل تسول له نفسه بالاقتراب من الشجرة التي تدلت قطوفها قريبًا من الزقاق. نظرت إلى صديقيّ شربل وأحمد فهمنا من خلالها أن هذه فرصة قد لا تتكرر، خصوصًا أن المندلينا الآن في عزه وقريبًا سيتم قطاف الشجرة لتبقى خالية حتى الموسم القادم.

وقف أحمد على زاوية الشارع يراقب بينما بدأت أنا وشربل تسلق السور ومحاولة التقاط بعض الثمر.

لم ننتبه إلى أبو مصطفى يخرج من بيته ليرانا فيطلق صرخته مدوية:

- ولك شو بتعمل إنت واياه هناك؟

أحمد اختفى في الشارع كأنه لم يكن.

انطلقنا أنا وشربل دونما تنسيق باتجاهين متعاكسين.

لكن الحصى يلاحقني أنا. أحثّ الخطى وأزيد من سرعتي.

لأصل الى بابٍ خشبي عالٍ جدًا موارب. يمكنني دخوله والاختباء أو مواصلة الهروب والمخاطرة بأن "يكمشني" أبو مصطفى وتحصل المصيبة ويخبر والدي.

إنه بيت أم سريده. امرأة مسنة تعيش وحدها بعد وفاة زوجها في. طالما حدثني شربل عنها بصفتها قريبة بعيدة. وأقسم لي أنها جنيّة. وأن هذا البيت مسكون بروح زوجها.

كلها ثوانٍ قليلة حتى يطل أبو مصطفى. وأنا متعب ومرعوب من الملاحقة أقف جانب الباب أتخيل الغولة أو الجنية بالداخل.

وفجأة شممت رائحة الزعتر خارجة من البيت.

حسمت أمري ودخلت إلى البيت.

بيت حجري قديم. بأسقف مقوسة. وشبابيك وابواب خشبية كبيرة. ودرج بزاوية شبه عمودية يصل إلى أعلى.

أم سريده جالسة على "طبلية" وأمامها فرن تخبز عليه مناقيش الزعتر ورائحتها تعبق بالمكان.

لفت نظرها صوت الباب وهو يقفل. بدت مذهولة للحظة وهي تنظر إلي بملابسي المدرسية. قبل أن توبخني

- إنت يا ولد أهلك ما علموك تدق الباب قبل ما تفوت عالبيوت.

أنا متجمد في مكاني لا أعرف إذا ما كان اختياري للدخول هو القرار الصائب.

بعدها سألتني عن اسمي

- أنا اسمي إياد شادي بنّا.

انفرجت أساريرها قليلا لتسألني. وكيف صحته لسيدك إياد؟

-الحمد الله مليح

نظرت إليّ مليًا. قبل أن تنفرج أساريرها بشكل نهائي وتقول لي بنبرة صارمة:

- بدك منقوشة؟

لم تنه جملتها إلا وكنت "انتش" من رغيف الخبز المنقوش بالزعتر وزيت الزيتون.

أكملت توبيخها لي ولكن ببشاشة بينما تستفسر عن جدي إياد الذي يشبهني حسب رأيها. بينما أكملت خبز المناقيش لأن بناتها وأحفادها سيصلون قريبًا.

وعندما هممت المغادرة واستأذنتها.

نهضت نحوي. احتضنتني. وقرصتني من خدي قائلة

- المرة الجاي لما تيجي بتدق الباب.