17-يونيو-2022
فيسبوك يتحول إلى تيك توك

فيسبوك يتحوّل إلى تيك توك (TheVerge)

لا أحد يشعر بالتغيير القادم وحجمه على فيسبوك أكثر من موظفي التطبيق أنفسهم، بعد أن تلقوا توجيهات عامة مؤخرًا بضرورة الاستعداد لتحويل التطبيق تدريجيًا ليكون نسخة أمريكية من تيك توك.

تدرك فيسبوك أنها قد تأخرت كثيرًا في المنافسة مع تيك توك 

يأتي ذلك في الوقت الذي لم تحقق فيه إستراتيجية سحب الريلز (مقاطع الفيديو القصيرة) من إنستغرام إلى فيسبوك الغاية المرجوة منها، أي المنافسة مع تيك توك. فقد راقب كبار المسؤولين التنفيذيين في شركة ميتا المشهد بالكامل، ويبدو أن القلق بلغ بهم حدودًا مربكة بشأن مستقبل المنصّة وقدرتها التنافسية. وقد عبّر مارك زوكربيرغ نفسه عن ذلك مؤخرًا وبشكل واضح مطلع العام الجاري، حين قال إنه يجدر بالقائمين على تطبيق فيسبوك التفكير بتغيير كبير على شكل المحتوى وطريقة عرض "الفيد" والاقتراب أكثر إلى النموذج المتبع في تيك توك.

تأكّد هذا التوجّه أو يكاد عبر مذكرة داخلية في شركة "ميتا" اطلع عليها موقع "ذا فيرج" الأمريكي، يوضّح فيها المدير المسؤول عن فيسبوك في شركة ميتا، توم أليسون، ملامح خطّة التحوّل هذه، والتي تتلخّص بثلاث نقاط رئيسية هي: 

  1. ضمان نجاح التحوّل إلى الفيديوهات القصيرة (الريلز) على صعيد إنتاجها وعرضها
  2. تطوير تقنية فائقة لعرض المحتوى المقترح للمستخدم بناء على تفضيلاته
  3. إعادة التركيز على خيار المشاركة عبر الرسائل في ماسنجر وتطبيقات التراسل الأخرى

هذه التغييرات في حال حصولها ستكون الدليل الأبرز على أن شركة ميتا معنية باستدراك ما فاتها على حلبة التنافس مع تيك توك، الذي بات التطبيق المسيطر، إلى جانب يوتيوب حاليًا، كمنصّة لعرض مقاطع الفيديو القصيرة، وهو المرشح الأكبر لإنهاء حقبة تفوّق فيسبوك في عالم السوشال ميديا. 

وتبدو هذه اللحظة/الانعطافة في مسيرة فيسبوك أشبه بتلك اللحظة التي انزعج فيها فيسبوك من النموّ الهائل الذي حققه تطبيق "سنابشات" ونموّه السريع بفضل النموذج الفريد الذي قدّمه حينها. إلا أنّ الظروف تظل مختلفة تمامًا اليوم، ولا تنفع مقارنة سنابشات بتطبيق تيك توك والهيمنة المذهلة التي حققها خلال الفترة الماضية، رغم العديد من التقارير الصحفية التي كشفت سلبيات التطبيق، وآثاره النفسية والاجتماعية السلبية على صغار السنّ خاصة. كما أنّ فيسبوك اليوم ليس فيسبوك الأمس، إذ تعاني المنصّة من ركود في نموّ المتابعين، وهجرة بين مستخدميها إلى تطبيقات أخرى، وخاصة تيك توك وإنستغرام. كما أنّ الشركة تعاني من تراجع إيراداتها من الإعلانات، وهو ما أدى إلى تراجع قيمة أسهمها خلال الفترة الماضية. كل ذلك يزيد الضغط على زوكربيرغ ورفاقه، لإثبات قدرة فيسبوك على الاستمرار في النموّ، وتأمين التمويل اللازم لتحقيق رؤيتهم الكبرى المتعلقة بمشروع "ميتافيرس".

فيسبوك: أن تصل متأخرًا...

المذكرة التي استعرضت تفاصيلها مواقع أمريكية عديدة اليومين الماضيين، من بينها "ذا فيرج" اشتملت على تحذير واضح من توم أليسون جاء فيه: "سنكون أمام مخاطر وخيمة في حال أهلمنا العناية بهذا المحتوى وافترضنا عدم أهميته للناس كشكل من أشكال التواصل الاجتماعي، وسيعني ذلك إخفاقنا في التطوّر".

تواصل موقع ذا فيرج مع شركة ميتا طلبًا للتعليق حول ما ورد في هذه المذكّرة، فنال أحد المحررين في الموقع فرصة للحديث مع توم أليسون، والذي وافق على إجراء مقابلة تعدّ الأولى له منذ تولّيه منصبه كرئيس لتطبيق فيسبوك العام الماضي. في هذه المقابلة قال أليسون إن الهدف الجديد لفيسبوك هو تطوير ما يمكن تسميته بـ "محرك الاستشكاف" أو "الكشّاف" (Discovery Engine)، وهو المصطلح الذي استخدمه مارك زوكربيرغ في آخر حديث له مع المساهمين في الاجتماع السنوي العام الشهر الماضي، وهو المحرك الذي يعتمد على تقنية مطوّرة لتجميع المحتوى على المنصّة وعرضه للمستخدمين بناء على تفضيلاتهم، من حسابات عشوائية لا يتابعونها. 

بايت دانس
شركة بايت دانس المطوّرة لتطبيق تيك توك (Getty)

في الحوار اعترف أليسون بأن الشركة لم تستجب بالسرعة اللازمة للتهديد التنافسي الذي مثله صعود تيك توك عالميًا. أما اليوم، فباتت ميتا ترى أن هذا التطبيق ينازعها سيطرتها ويزعزع هيمنتها على مختلف المستويات، ولاسيما بعد أن طوّرت الشركة المالكة للتطبيق خدمة التراسل الخاص، إضافة إلى طرح خيار عرض مقاطع فيديو الأصدقاء، وهو ما يجعل التطبيق خيارًا مثاليًا للمستخدمين الصغار والشباب على وجه التحديد.

وقال أليسون: "لقد عجزنا على الأرجح عن ملاحظة ذلك الجانب الاجتماعي الكامن في هذا النوع من المحتوى وقدرته على أن يصبح الشكل المهيمن والمفضل لدى المستخدمين".

توم أليسون: لقد أخفقنا في ملاحظة الجانب الاجتماعي الكامن في هذا النوع من المحتوى وقدرته على أن يصبح الشكل المهيمن والمفضل لدى المستخدمين

ومن الواضح من حديث الإدارة في ميتا، وكما بدا جليًا في المذكرة التي تلقاها الموظفون في فيسبوك، أن الشركة تدرك جيدًا أن كلمة السرّ في التنافس مع تيك توك هو محاكاة تلك التجربة الساحرة للتطبيق، والتي تتمثل في تابة "لك" (For You)، وهي خاصية فريدة طورتها تيك توك تعرض للمستخدم مقاطع عشوائية بالاعتماد على بعض الأدلة التي تجمعها عنك، مثل المقاطع السابقة التي شاهدتها أو قائمة أصدقائك والحسابات التي تتابعها (إضافة إلى بيانات العمر والجنس). وهكذا يحظى المستخدم بسيل لا ينتهي من المقاطع القصيرة، حتى لو لم تكن تتابع أي حساب على المنصّة. هذا الحجم الهائل من المحتوى الذي يحظى المستخدم بعرضه منذ لحظة تنزيله التطبيق، وقبل أن يتابع أي حساب، هي الميزة التي ضمنت تفوق تيك توك على بقية المنصات، بما فيها فيسبوك.

تيك توك

أما الدليل فتختصره الأرقام التي حققها تيك توك على مستويات تنزيلات التطبيق، إذ تم تنزيل تطبيق تيك توك عبر المتاجر المختلفة أكثر من 3.6 مليار مرة. ولو ألقينا نظرة على أرقام العام الماضي، فسنجد أن تيك توك قد تفوق على فيسبوك في عدد مرات تنزيل التطبيق بنسبة تجاوزت 20 بالمئة. كما كشفت بعض التقديرات أن مستخدمي هواتف آيفون قد استخدموا تيك توك بنسبة أكبر من استخدامهم لفيسبوك، وبفارق 78% بين التطبيقين!

صحيح أن إيرادات فيسبوك أعلى، وحجم المستخدمين النشطين شهريًا على التطبيق أعلى أيضًا (بواقع 2.9 مليار مستخدم شهريًا)، إلا أن العديد من المؤشرات تدلّ على أن فيسبوك مقبلة على أيام صعبة، وأنّ التطبيق ليس في عصره الذهبي. فقد تراجع عدد مستخدمي الشبكة نهاية العام الماضي، في سابقة في تاريخها. ولا يعرف حجم التراجع الحاصل على إنستغرام، نظرًا لأن ميتا لا تفصح بشكل منهجي عن أرقام الحسابات على المنصّة. ثمة أدلة أخرى أيضًا تشير إلى أن قاعدة المستخدمين على فيسبوك تشيخ أكثر وأكثر، في ظل تفضيل المستخدمين الأصغر سنًا لتيك توك أولًا، وإنستغرام.

كيف سيبدو تطبيق فيسبوك في المستقبل؟

الشكل الذي سيبدو عليه تطبيق فيسبوك خلال الفترة المقبلة: الفيد الرئيسي في التطبيق سيجمع بين "القصص" (الستوريز)، وبين مقاطع الريلز، تتبعها منشورات يقترحها "الكشّاف" (Discovery Engine)، من فيسبوك وإنستغرام. وهذا يعني أن الفيد على فيسبوك سيركّز على المحتوى البصري/الفيديو ، مع تنبيهات واضحة لاستخدام تطبيق التراسل ومشاركة المحتوى عبرها. وبحسب "ذا فيرج"، فإن فيسبوك يعكف حاليًا على تطوير وظيفة الرسائل وإعادة دمجها بشكل أكثر فعالية في تجربة المستخدم، والتراجع عن فكرة الفصل بين التطبيقين، أي ماسنجر وفيسبوك، والتي تم تطبيقها منذ نحو ثماني سنوات.

ما المخاطر التي قد يواجهها تطبيق فيسبوك في محاكاة تيك توك؟

هذا التحوّل الذي ما يزال حتى اليوم وإلى حدّ كبير، حبرًا على ورق، أو أفكارًا وتصوّرات مقترحة ومحاولات للتفكير بصوت عالٍ بهدف اختبار ردود فعل المجتمع الرقمي من عامة الناس ومن المختصين.. هو تحوّل يرى فيه البعض قفزة في مجهول. فتطبيق فيسبوك يدخل في مغامرة كبرى في إصراره على محاكاة تيك توك واستلهام هذا النموذج والتحوّل إليه، والتخلّي بشكل جذري عن الفكرة الأصلية التي قام عليها فيسبوك.

هذه المخاطرة يختصرها أحد موظفي فيسبوك، والذي قال في ردّ مكتوب على المذكّرة التي أشرنا إليها أعلاه، بأن "المعضلة الحقيقية بالذهاب في هذا الاتجاه تتمثل في أننا سنفقد التركيز على السمة الجوهرية التي تميّز فيسبوك (التواصل الاجتماعي بين الأصدقاء وأفراد العائلة والمعارف)، من أجل اللحاق بالاهتمامات والتريندات العابرة كما هي الحال في تيك توك. وقال آخر إن "تكتكة" فيسبوك قد تكون نافعة في تحسين المؤشرات على التطبيق فيما يتعلق بالوقت الذي يقضيه المستخدمون عليه، إلا أن هؤلاء المستخدمين سيتبهون في لحظة ما إلى أنهم لم يقضوا وقتًا ذا جودة عالية على التطبيق، وهو ما قد يؤدي إلى الإضرار بالنموّ على المدى البعيد.

لكنّ الشركة تصر على ضرورة التعامل مع هذا التحوّل المرتقب على أنّه محصّلة تطورات تدريجية وتجارب اختبرتها الشركة الفترة الماضية، وأن فيسبوك سيظل تطبيقًا قادرًا على منح الأولوية في الفيد للمحتوى الذي قد يرغب المستخدم في مشاركته مع أصدقائه ومتابعيه. وبحسب أليسون نفسه، فإن التغيير الأساسي هو أن التطبيق لن يضع الكثير من القيود على عرض المحتوى العشوائي غير المرتبط بحسابات يتابعها المستخدم. كما ترى الشركة أنّ هذا التحوّل سيكون حتميًا في مرحلة ما في ظل تزايد استهلاك محتوى الفيديو من المستخدمين، خاصة وأن نصف الوقت الذي يمضيه المستخدمون على فيسبوك على الأقل هو وقت مصروف على مشاهدة مقاطع الفيديو، بحسب ما أوضح زوكربيرغ في كلمته للمساهمين.

نصف الوقت الذي يمضيه المستخدمون على فيسبوك على الأقل هو وقت مصروف على مشاهدة مقاطع الفيديو

كما أنّ الفكرة كما يوضحها أليسون تتمثّل في هذا النمط العفوي لدى مستخدمي الهواتف من فتح التطبيق بلا هدفٍ محدد، وهذا الشكل من المحتوى يهدف إلى الاستثمار في هذه النمط من الدخول العفوي إلى التطبيق، وجذب المستخدم إلى إمضاء المزيد من الوقت عليه، وإقناعه بالعودة من جديد.