03-مايو-2022
"ترجمان الأوجاع" (ألترا صوت)

المجموعة القصصية "ترجمان الأوجاع" (ألترا صوت)

"ترجمان الأوجاع" (مشروع كلمة، 2009/ ترجمة مروة هاشم) للكاتبة الأمريكية ذي الأصول الهندية جومبا لاهيري، مجموعة قصصية أساسها تجارب مهاجرين هنود في الإقامة والعيش في الولايات المتحدة الأمريكية، التي تكشف قصص المجموعة طبيعة حياتهم وأنماط معيشتهم فيها. وتصف أيضًا، في الوقت نفسه، جانبًا من طبيعة الحياة في الهند وأحوالها في مرحلة حرجة سمتها الاضطراب والعنف، الذي ترتب على تقسيم الهند وما تلاه من حروب بين أجزائها الثلاثة: الهند، وباكستان، وبنغلادش.

"ترجمان الأوجاع" مجموعة قصصية أساسها تجارب مهاجرين هنود في العيش في الولايات المتحدة، التي تكشف قصص المجموعة طبيعة حياتهم وأنماط معيشتهم فيها

لا يقتصر اهتمام لاهيري على الجانب الاجتماعي والمعيشي فقط، وإنما يشمل أيضًا أوضاع المهاجرين النفسية، وعلاقتهم بذواتهم وبالآخرين من حولهم، سواءً كانوا أمريكيين أو هنود. ولذلك يمكن تقسيم قصص المجموعة التسع إلى قسم معيشي اجتماعي، وآخر نفسي، ثم قراءتها وربطها ببعضها البعض على هذا الأساس.

تقف قصص القسم الأول من المجموعة على التفاصيل الصغيرة الهامشية والعابرة، التي ترتبط بظروف هجرة شخصياتها من الهند إلى أمريكا، والتحديات التي واجهتها خلال محاولاتها بناء حياة جديدة فيها، فالطريقة التي تأقلمت من خلالها مع عادات المجتمع الأمريكي وثقافته، وصولًا إلى تفاصيل حياتها اليومية، وطبيعة علاقتها بثقافتها الأصلية، وموقع الأخيرة في سياق حياتها الجديدة. الأمر الذي يفسِّر بطء إيقاعها، وأسباب رتابتها، وخلوّها من الأحداث الفارقة.

لهذا السبب، تبدو قصص القسم الثاني عصب المجموعة، ومتنها، والجديد الذي تقدّمه أيضًا. فبينما تقف قصص القسم الأول عند تفاصيل الحياة اليومية العابرة، تبحث قصص القسم الثاني في معنى العلاقات التي تدور في إطارها، بصرف النظر عن طبيعتها وهوية أطرافها.

اللافت في قصص هذا القسم أن أحداثها، وسلوك شخصياتها أيضًا، تبدو مبنية بطريقة تجعل منها إحالة ضمنية أحيانًا، ومباشرة في أحيان أخرى، إلى الألم الذي تضعنا لاهيري أمام تجارب شخصياتها معه، بصفته نتاج أحداث مأساوية تدور مدار الموت والحرب والخيانة.

تروي لاهيري في واحدة من قصص هذا القسم حكاية بنغالي مهاجر، يحاول التأكد مما إذا كانت أسرته لا تزال على قيد الحياة أم قُتلت، بعد اجتياح الجيش الباكستاني لمدينة دكا خلال الحرب الأهلية الباكستانية، التي وقعت بين شرق البلاد وغربها، وانتهت بانفصال جزئها الشرقي الذي أصبح دولة مستقلة هي بنغلادش.

ومع أن الغاية من هذه القصة التي تحمل عنوان "عندما أتى السيد بيرزادة لتناول طعام العشاء"، تبدو واضحة، وهي الحديث عن الحرب وتداعياتها على بطلها الذي يسعى إلى معرفة مصير عائلته؛ إلا أنها تبدو، في جوهرها، بحث في معنى الوطن الذي يتمدد، عشوائيًا، في لحظة فارقة تعيد صياغة شكل ومضمون علاقة بطلها به. وهي اللحظة التي تتحول فيها البلاد من مساحة للعيش إلى أخرى تتقاتل فيها قوميات مختلفة في حرب فرّقت أبنائها، وأعادت رسم حدودها على أساس العرق بعد أن رُسمت سابقًا على أساس الدين.

تنطوي هذه القصة على مقدار من الألم، الذي يُمرَّر فيها بطريقة غير مباشرة تبقيه حاضرًا على هامش تفاصيلها، أو في بعض تصرفات بطلها. بينما يحضر في قصص أخرى بوصفه أساس القصة ومتنها. ومنها قصة "شأن موقت"، التي تروي فيها لاهيري قصة زوجين هنديين تنهار علاقتهما بعد أن ولِدَ ابنهما ميتًا.

تدفع هذه الحادثة بالزوجين إلى تجنب بعضهما بعضًا. لكن انقطاع التيار الكهربائي، وهو الشأن المؤقت في القصة، يضعهما في مواجهة بعضهما مجددًا، فيبدأ كل منهما حينها بالاعتراف للآخر بما يخفيه عنه. وأمام قسوة هذه الاعترافات، يشرع الطرفان في بكاء مرير بسبب قسوة اعترافاتهما من جهة، وانهيار علاقتهما من جهة أخرى.

الألم الذي يحضر في هاتين القصتين، بأشكال مختلفة ودرجات متفاوتة، يحضر أيضًا في القصة التي تحمل المجموعة عنوانها، "ترجمان الأوجاع"، وتروي جومبا لاهيري فيها حكاية عائلة هندية، رجل وزوجته وأبنائهما، تعود إلى الهند في زيارة قصيرة يرافقها فيها رجل يعمل سائقًا ومترجمًا للمرضى، عن إحدى اللغات المحلية، في عيادة طبيب.

تكشف قصص المجموعة طبيعة حياة المهاجرين الهنود في الولايات المتحدة، وتصف جانبًا من طبيعة الحياة في الهند خلال مرحلة حرجة من تاريخها

وفي طريقهم إلى وجهتهم، يشعر السائق بأن المرأة مهتمة به، وترغب في إقامة علاقة عاطفية معه أيضًا. فيبدأ حينها ببناء سيناريوهات لشكل ومستقبل هذه العلاقة المفترضة. لكنه يكتشف، في نهاية الرحلة، بأنها لم تكن مهتمة به وإنما بعمله مترجمًا للمرضى، وأن هذا الاهتمام مرده رغبتها في أن تبوح له بالسر الذي يؤرقها، وهو أن أحد أبنائها ليس من صلب زوجها.

لا يبوح الترجمان في هذه القصة، بعد خيبته، بألمه أو يعبّر عنه، شأنه في ذلك شأن معظم شخصيات المجموعة التي تتجنب الشكوى، وتكتفي بوضعنا أمام آلامها التي تترجمها تصرفاتها، وسلوكها، وطريقة جومبا لاهيري في سرد قصتها أيضًا. وهنا بالضبط يتجلى معنى عنوان المجموعة "ترجمان الأوجاع".