03-مايو-2022
تركيا

(تويتر)

من حضن والدته الآمن، إلى بلد لا يعرفه أبدًا، هكذا يصف الطفل أحمد أوسطة (15 عامًا) رحلة إرساله قسرًا إلى سوريا، وطنه الذي لم يألفه من قبل، وليس لديه فيه أحد، إذ يسكن وعائلته في مدينة إسطنبول التركية منذ سنوات، قبل أن يتم ترحيله مجبرًا نحو الشمال رفقة 120 شخصًا منذ 3 أشهر، بحسب ما روى أحمد لموقع ألترا صوت.

فبينما كان أحمد متجهًا إلى صيدلية بمنطقة تشاغليان في إسطنبول، أوقفته دورة شرطة ليتم احتجازه فيما بعد بسجن توزلا، ثم نقله إلى مدينة كلّس ومن بعدها إلى شمال سوريا، بموجب "تبصيمه" مرغمًا على ورقة العودة الطوعية، ويقول "قلت لهم إنني ذاهب لشراء الدواء لأمي وهي تنتظرني، لكنهم لم يعيروا بالًا لذلك، أنا الآن قرب معبر باب السلامة لدى شخص تحنّن علي فأجلسني عنده، أريد العودة إلى أمي، ناطف قلبي عليها".

هيومن رايتس ووتش: لطالما كانت فكرة إنشاء مناطق آمنة لتوطين اللاجئين فكرة محفوفة بالمخاطر، ونادرًا ما كانت المناطق الآمنة آمنة فعليًا

ويضيف أحمد لموقع ألترا صوت، أن نحو 60 شخصًا عادوا إلى تركيا بعد تواصلهم مع اللجنة السورية التركية المشتركة والتي بدورها تواصلت مع رئاسة الهجرة التركية لحل المشكلة، لاسيما وأن أوراق المرحَّلين قانونية ولا سببًا واضحًا لترحيلهم، وكان من المفترض أن يكون أحمد ضمن من عادوا، خصوصًا أنه تحت سن 18 عامًا، إلا أن ردّ الهجرة التركية أوضح عدم ورود اسم أحمد ضمن قائمة من رُحّلوا من إسطنبول لديها.

ويندرج أحمد وملايين السوريين ضمن قانون الحماية المؤقتة، الذي ينص على "عدم جواز إعادة أي شخص يندرج تحت إطار هذا القانون إلى مكان من المحتمل أن يتعرض فيه للتعذيب، أو العقوبة، أو المعاملة اللاإنسانية، أو المهينة، أو احتمال أن تتعرض حياته وحريته للتهديد، بسبب العرق، الدين، الجنسية، أو بسبب الانضمام إلى مجموعة اجتماعية معينة أو بسبب رأي سياسي"، ما يعني أن إعادة أحمد إلى سوريا قسرًا انتهاكًا صارخًا للقانون التركي.

تحت وطأة العنف

لم تخلُ رحلة أحمد ومن معه من العنف اللفظي والجسدي الذي مورس على البعض منهم من قبل السلطات التركية، في سبيل إجبارهم على البصمة، بزعم أن ترحيلهم قسريًا كان بموجب عودة طوعية ورغبة بمغادرة تركيا، وهذا ما أكده مصطفى حسين (24 عامًا)، الشاب الذي تم ترحيله قبل عشرين يومًا، بعد 11 عامًا قضاهم في إسطنبول، حيث توجد عائلته (طفلته وزوجته الحامل بشهرها السابع).

يروي حسين قصته لألترا صوت فيقول "أوقفتني الشرطة في إسنيورت بمدينة اسطنبول، وحوّلوني فيما بعد لمنطقة بيندك، ودون ارتكابي جريمة أو محاكمتي كبلوني وأخذوني إلى مدينة أضنا، حيث ضربونا، وأجبرونا تحت تأثير العنف، على البصمة، على أننا نريد العودة إلى سوريا بمحض إرادتنا"، وأنا "أنام في الشارع حاليًا" يشرح حسين بحرقة المجبور ولوعة المشتاق لعائلته.

أما محمد مرعي (33 عامًا) فتم توقيفه في منطقة تشاغليان، رغم عدم ارتكابه أي مخالفة، وأثناء عودته من عمله، احتجزته السلطات التركية وتم ترحيله إلى الشمال السوري، بعد 8 سنوات عاشها في تركيا، مرعي الذي أكد لألترا صوت، أن وضعه قانوني، ترك خلفه زوجته وابنه الذين بقيا في إسطنبول دون معيل، عند الجيران، بعد أن طالبه مالك البيت بإخلاء المنزل.

وفي قصة مشابهة، يروي أحد السوريين المرحّلين والذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، أنه قدّم خلال الفترة الأخيرة على طلب الحصول على الحماية المؤقتة هو وأخوه في مدينة إسطنبول، إلا أن حصل على رقم بطاقة "كملك" لكن أعطوه "تحويلة" لغير ولاية اختارها هو، نظرًا لأن اسطنبول لم تعد تمنح بطاقات الحماية من مراكزها، ضمن مهلة 7 أيام، لم تكن قد انقضت بعد، عندما تم توقيف اللاجئ السوري في منطقة إسنيورت، وترحيله بعد عدة تنقّلات إلى سوريا، بينما بقي أخوه في إسطنبول.

وبيّن الشاب السوري (28 عامًا) أنه تعرض لمعاملة سيئة للغاية وللتجريح، وأجبر على البصمة للعودة الطوعية خلال وجوده في كلّس، المنطقة التي نقل إليها بعد الاعتقال، والتي تعرّض فيها للضرب، والتعذيب "بوضع الشخص المكبّل أيام البرد على الثلج"، فيما تحدث لألترا صوت، عن موقف قاسٍ عندما سأل أحد المحتجزين العنصر التركي متى سيخرج من الحبس، فأجابه "الأسد سيصدر عفوًا، وسنرسلكم إليه"، موضحًا أن هذه الحادثة كانت قبل أكثر من شهرين، والجدير بالذكر أن بشار الأسد قد أصدر مؤخرًا بالفعل، عفوًا لمرتكبي جرائم "الإرهاب" ما لم تفض إلى قتل إنسان، وفق زعمه، القرار الذي لاقى سخرية من قبل السوريين، وتأكيدًا على استمرار الأسد ونظامه بالإجرام والبقاء على اعتقال الآلاف من الثوّار ضده.

وأشار الضحية السوري، إلى أنه تعرّض أيضًا بعد وصوله شمال سوريا، إلى العنف في مدينة اعزاز السورية، إذ تم استقباله وآخرين، بالضرب والاعتقال والتفتيش، من قبل فصيل عسكري مسيطر، اشتبه بارتكابهم عملية إرهابية، قبل أن يتم إخلاء سبيلهم، بعد التحقق من براءتهم.

من جانبه، يؤكد الشاب أحمد حميدو (24 عامًا) أن وضعه كان قانونيًا، لكن ذلك لم يحل بينه وبين الاحتجاز والترحيل، فيشرح لألترا صوت أنه وبفترة القرارات الأخيرة والإجراءات التي تم بموجبها تجميد "كمالك" البعض، تم توقيفه ليتبيّن لدى الشرطة أن قيده مبطل، فاحتجزوه بعد طمأنته بعدم الترحيل، لكنه رُحل فيما بعد، وسط جو من الإجبار والإهانة والتعنيف.

وأوضح أنه خلال السنوات الماضية قد أسس لحياته في تركيا، ليترك بسبب ترحيله منذ أيام قليلة منزله، وأغراضه، داعيًا لإعادته إلى تركيا، "إلى بيتي وعملي وحياتي" يناشد حميدو، مشيرًا إلى وضعه النفسي والمادي الصعب، وتمنيه الموت في تركيا على العودة بالإكراه إلى سوريا.

بدوره، يؤكد على الترحيل القسري الشاب حسين (27 عامًا) والذي فضّل عدم الكشف عن اسمه كاملًا، نظرًا لاعتباره منطقة اعزاز التي يتواجد بها حاليًا بعد الترحيل غير آمنة، تحكمها العشائرية والفصائلية، وتفتقر للاستقرار والأمن، فضلًا عن تعرضها بشكل متكرر للقصف وجرائم القتل والخطف، وفق وصفه.

"وضعي قضائيًا سليم، ليس لدي أي سجل قضائي أو جزائي ومقيم بمكان استخراج الكملك.. إسطنبول، لكن كنت أعاني من أجل أخذ موعد لتحديث بيانات السكن الخاص بي، ولذلك تم إيقاف كملكي، وخلال تلك الفترة تم توقيفي واحتجازي، واجباري فيما بعد على العودة إلى سوريا تحت وطأة التهديد والعنف" يتحدث حسين.

وعن أيامه الأولى بعد وصوله سوريا، يقول: "كان اليوم الأول باختصار أشبه بحلم، ولم استطع التوازن، إضافة إلى الإرهاق الشديد من السجن وقلة الطعام والسفر لمسافة طويلة مقيد اليدين بحزام بلاستيكي، كنت مختلًا عقلياً مصدومًا لا أملك زمام قراري وتحديد مصيري، أمام مستقبل مجهول 100%"، لافتًا إلى تواصله مع اللجنة السورية التركية المشتركة، دون جدوى، لأن ردود الهجرة التركية كانت تنص على عدم ورود اسمه ضمن أسماء الدفعة التي ترحلت من اسطنبول، نظرًا لعشوائية وهمجية ترحيلهم، وسوء حظ عدد من السوريين الذين لم يسجل الموظف أسماءهم، بحسب تعبير حسين.

وتشترك حالات الترحيل التي عاشها سوريين تواصل معهم موقع ألترا صوت، بأنهم أرغموا على التبصيم، وتعرضوا لأنواع مختلفة من العنف، ويقاسون حاليًا ظروفًا إنسانية صعبة شمال سوريا، فيما كانت أوضاعهم قبل الترحيل قانونية، ولا تستوجب إرسالهم قسريًا إلى بلدهم.

بماذا ينصح القانون؟

في تصريح خاص لموقع ألترا صوت، قدّم رجل القانون المحامي غزوان قرنفل نصائح من الناحية النظرية لمن يتم احتجازهم استعدادًا لترحيلهم، بأن يمتنع المعتقل أولًا عن توقيع أي ورقة، لأنها ستكون ورقة عودة طوعية، وأن يوكل محاميًا للطعن على قرار الترحيل أمام المحكمة الإدارية من جهة، وأن يتقدم له بطلب إخلاء سبيل أمام محكمة الصلح في مكان تواجده من جهة أخرى.

وأوضح قرنفل أن من الناحية العملية فإن معظم من يتم احتجازهم لا يفعل ذلك إما تجنبًا للضغوط التي تمارس عليه للتوقيع أو لأنه لا يملك الإمكانية أصلا لتوكيل محام أو لأنه يريد الخروج من السجن، نظرًا لأن دائرة الهجرة تملك إبقاءه موقوفًا لحين البت بالطعن على قرار ترحيله، ولمدة ٦ أشهر وهو لا يضمن أن يكون القرار بصالحه أساسًا.

وفي سياق حديثه، أسهب المحامي بالقول، إن من يعود من سوريا لتركيا بعد ترحيله يعود تهريبًا وهي مغامرة محفوفة بالمخاطر، والمشكلة أنه لا يستطيع أن يقونن وضعه بعد العودة لأن الحماية سقطت عنه، ويترافق إسقاطها مع منعه من دخول تركيا لخمس سنوات، باستثناء حالات نادرة إذا كان الشخص تم ترحيله بلا سبب رغم قانونية وضعه تمامًا قبل الترحيل، فيمكنه اللجوء للمحكمة الدستورية وإقامة دعوى على مديرية الأمن ودائرة الهجرة بالولاية التي رحلته فإن كانت دعواه محقه يلغى قرار ترحيله ويمنح الحماية مجددًا.

مناطق آمنة بأعين مَن؟

منذ سنوات وتتحدث تركيا عن إقامة مناطق آمنة شمال سوريا، لضمان عودة "مشرّفة" و"طوعية" للسوريين، لكن تقارير حقوقية أشارت إلى ترحيل السلطات التركية للاجئين سوريين "قسريًا" إلى سوريا خلال السنوات الفائتة.

وتقول منظمة "هيومن رايتس ووتش" إنه "لطالما كانت فكرة إنشاء مناطق آمنة لتوطين اللاجئين فكرة محفوفة بالمخاطر، ونادرًا ما كانت المناطق الآمنة آمنة فعليًا، أينما أُنشِئت خلال النزاعات السابقة"، مضيفة إنه وبدون ضمانات كافية، قد تكون وعود السلامة وهمًا عندما تتعرض "المناطق الآمنة" لهجوم متعمد، كما حدث في سريبرينيتشا في 1995، فغالبًا ما يستغل المقاتلون وجود "منطقة آمنة" أحيانًا للاختلاط مع المدنيين واستخدام المنطقة لشن الهجمات، مما يجعلها هدفًا عسكريًا مشروعًا.

ووفقًا للمنظمة، تعد المناطق الآمنة بطبيعتها مصادر وافرة للجماعات المسلحة لكي تحصل على المساعدات الإنسانية وتجنّد مقاتلين جدد، مما يعرّض المدنيين، بمن فيهم الأطفال، لخطر إضافي.

وتلفت المنظمة إلى ضرورة عدم اتخاذ تركيا من "المنطقة الآمنة"، ذريعة لإبقاء الحدود مغلقة أمام طالبي اللجوء أو لإعادة اللاجئين قسرًا، كلاهما ينتهكان التزاماتها بموجب القانون الدولي للاجئين، وينبغي للمفوضية الأوروبية والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والجهات المانحة الكبرى الأخرى، دعوة تركيا علنًا إلى الوفاء بالتزاماتها وضمان أن اللاجئين يتمتعون بالأمن حقًا، وليس التضحية بهم لمنفعة سياسية، الأمر الذي أشار إليه موقع ألترا صوت في تقرير سابق.

إحصائيات رسمية

قبل أيام، كشف وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، عن أعداد من تم ترحيلهم من اللاجئين السوريين في تركيا إلى بلدهم، وأوضح أنّه منذ عام 2016، جرى ترحيل 19 ألفاً و336 سوريّاً خارج تركيا، بسبب المشكلات الأمنية، لافتًا إلى وجود 25 مركزًا لإعادة ترحيل اللاجئين إلى بلادهم، إلى جانب 8 مراكز تحت الإنشاء.

وذكر المسؤول التركي أن عدد اللاجئين السوريين الخاضعين للحماية المؤقتة، ارتفع من 220 ألفاً إلى 3.5 ملايين، خلال أربع سنوات، إلا أن العدد زاد فقط 9% في السنوات الأربع الماضية، مرجعًا سبب ذلك إلى "أجواء السلام والثقة التي أحدثتها العمليات العسكرية عبر الحدود، مع ضمان العودة الطوعية لـ486 ألف سوري".

الإحصائيات الرسمية إلى جانب تصريحات مسؤولين أتراك عن عدم إجبار السوريين على العودة إلى بلدهم ما لم تتوفر الشروط الملائمة ورغبتهم بذلك، تفتح بابًا على أسئلة تتعلق بمدى أمن تلك المناطق التي تتحدث عنها الحكومة التركية فعلًا، فلو كانت آمنة آلا يجدر بأهلها النازحين في المخيمات أن يعودوا إليها؟، وألا يجدر بالأتراك بدورهم أن يحافظوا على قوانين بلادهم من أي انتهاك لها، بما فيها تلك المتعلقة باللاجئين السوريين وحمايتهم؟ الإجابة الأكثر شفافية كما يبدو، أن المصالح السياسية هي المحرّك الأساس في ملف اللاجئين السوريين ومصيرهم.