29-مايو-2022
تطبيق بيم آيز

مقابل 29.99 دولارًا شهريًا يقدم موقع "بيم آيز" (PimEyes) خدمة خطيرة قد تفوق في خطورتها كل ما تخيلنا في أفلام وروايات الخيال العلمي، تتمثل في القدرة على البحث عن الوجوه بدقة عالية جدًا، وتحديدها بين محيطات البيانات الضخمة على الشبكة. فهذا التطبيق الخارق، يثبت لمستخدمي الإنترنت من جديد الوهم الكبير في فكرة الأمان الرقمي على المستوى الشخصي.

ينطوي التطبيق على ممارسات ابتزازية خاصة حين تورط المستخدم في أنشطة فاضحة ويرغب في حجب نتائج البحث عن المستخدمين الآخرين

عملية البحث عبر التطبيق لا تستغرق سوى ثوان معدودة. كل ما عليك فعله في "بيم آيز" هو تحميل صورة لوجه ترغب في البحث عنه، والتشييك على مربعات تنص على موافقتك على سياسات الاستخدام، لتحصل بموجب ذلك على مجموعة من صور الوجوه المشابهة للوجه الذي رفعته أثناء عملية البحث على "بيم آيز"، إضافة إلى روابط تحيلك إلى المواقع والمنصات التي ظهرت عليها الصورة.


مقالات قد تهمّك: 

بنقرة واحدة.. موقع إلكتروني "مرعب" يركّب صور النساء على مقاطع إباحية

أداة للإباحية ومصدر للتضليل والاحتيال.. ماذا تعرف عن تقنية "التزييف العميق"؟

ما هي الإباحية "الكيديّة" وكيف تتعامل معها مواقع السوشال ميديا؟

يمكنك الآن أن "تؤجّر" وجهك لاستخدامه في تطبيقات الـ"DeepFake"


صحيفة نيويورك تايمز استخدمت التطبيق للبحث عن صور عدد من صحفييها، بعد استئذانهم، من أجل فحص القدرات التي يدعيها تطبيق بيم آيز، وقد تفاجأ الفريق الذي أعد التقرير الطويل الذي نشرته الصحيفة مؤخرًا من القدرة الهائلة للتطبيق على تحديد صور جميع الصحفيين الذي تم البحث عنهم بصورهم، وكيف أن تطبيق بيم آيز تمكّن حتى من استعادة صور قد نسي أصحابها أنّهم نشروها يومًا على الإنترنت أو التقطوها، ومنها صور لهم وهم يرتدون نظارات شمسية، وبعضها بأقنعة الوجه، وبعضها الآخر صور لم يكونوا وحدهم في إطارها.

تقنيات الذكاء الاصطناعي

لقد تمكن تطبيق بيم آيز من استرجاع صورة لأحد صحفيات التايمز تم التقاطها لها وهي ترقص في فعالية خاصة بأحد المتاحف في الولايات المتحدة، قبل عقد من الزمن، وصورة أخرى لها وهي تبكي عندما تقدّم لها حبيبها وعرض عليها الزواج منها في مكان عام، وهي صورة لا تحبها الصحفية، ولكن المصوّر استخدمها على موقعه الخاص بعمله. صحفي آخر ظهرت صور أخرى لها عبر البحث بصورة وجهه على تطبيق بيم آيز، وهو في عدد من الدول يغطي عددًا من الأحداث ويشارك في عدد من المناسبات الاجتماعية. كما كشف التطبيق حياة سابقة لأحد الصحفيين، حين كان عضوًا في فرقة موسيقية قبل العديد من السنوات.

وبخلاف أداة أخرى مشابهة تعرف باسم "كلير فيو" (ClearView AI)، وهي أداة حصرية تستخدم من قبل أجهزة الأمن في الولايات المتحدة، فإن تطبيق "بيم آيز" لا يعتمد على النتائج من مواقع التواصل الاجتماعي، بل تأتي من مقالات الأخبار، ومواقع مصوري الحفلات والأعراس، ومواقع المراجعات، والمدونات الشخصية، بل وحتى من المواقع الإباحية.

اقرأ هنا:  التصفح المتخفي للمواقع الإباحية لا يضمن الخصوصيّة تمامًا!

وبحسب تقرير نيويورك تايمز، فإن معظم النتائج كانت دقيقة، أما النتائج غير الدقيقة فكان معظمها قادمًا من المواقع الإباحية، وهو ما كان مربكًا للصحفيين موضوع البحث، إذ بدا مجرّد الشكّ بأن صورهم موجودة في موقع إباحي مثيرة للقلق. وقد أكّدت الصحيفة أن الصور التي ظهرت في تلك المواقع الإباحية والتي اقترح تطبيق "بيم آيز" أنها تعود للصحفيين موضوع البحث، ليست لها علاقة بهم.

تطبيق بيم آيز

تحدثت صحيفة نيويورك تايمز مع أحد كبار المدراء التنفيذيين في شركة تقنية، يتسخدم تطبيق "بيم آيز" على نحو متكرر، من أجل التعرف على هوية أشخاص يتعرضون له بالإساءات على وسائل التواصل الاجتماعي، ويستخدمون صورهم الحقيقية على حساباتهم ولكنهم يستخدمون أسماء وهمية. مستخدم آخر قال للتايمز إنه يلجأ إلى تطبيق "بيم آيز" من أجل التعرف على الشخصيات الحقيقية لممثلات يظهرن في الأفلام الإباحية، أو للبحث عن صور غير لائقة قد تكون موجودة على الشبكة لأصدقائه وصديقاته على فيسبوك.

من يملك تطبيق "بيم آيز"؟

تطبيق بيم آيز مملوك لأكاديمي شاب يبلغ من العمر 34 عامًا اسمه جيورجي جوبرونيدز، والذي يقول بأن اهتمامه بالتقنيات المتطورة وتقنيات الذكاء الاصطناعي والتعرف على الأوجه قد أتى كردّة فعل على الهجمات السيبرانية المتزايدة التي شنّتها روسيا على جورجيا التي يحمل جيورجي جنسيتها.

يقول السيد جيورجي بأن لتطبيق "بيم آيز" استخدامات إيجابية، قد تخدم الصالح العام، وأنها قد تساعد الناس على متابعة سمعتهم واستخدام صورهم عبر الإنترنت، واتخاذ الإجراءات اللازمة لو تم اكتشاف أي سوء استخدام لهوياتهم على الشابكة.

كما أن التطبيق يفترض من المستخدمين البحث عن صورهم فقط، أو صور أشخاص منحوا موافقة بالبحث عن صورهم عبر التطبيق، إلا أن "بيم آيز" يفترض بسذاجة أن المستخدمين سيلتزمون بهذا الشرط الأخلاقي لاستخدام التطبيق، وهو أمر غير وارد بطبيعة الحال في عالم الإنترنت، حيث تسود الممارسات المخالفة، خاصة وأن التطبيق لا يمنح أن سلطة لصاحب الصورة على معرفة من بحث عنه في وقت سابق، وليست فيه أية قيود تمنع المستخدمين من استخدام صور الآخرين والبحث عنها.

أداة حقيقية للابتزاز على الإنترنت

قبل عدّة أشهر، جربت مهندسة حاسوب تدعى تشير سكارليت تطبيق "بيم آيز"، وتفاجأت عند البحث باستخدام صورتها الشخصية بأن التطبيق يكشف عن صفحة من حياتها لطالما حاولت نسيانها وتجاهلها. ففي العام 2005، كانت هذه المهندسة في وضع مادي صعب للغاية، وكانت في عمر التاسعة عشرة فقط، وقررت أن تعمل في قطاع الإباحية من أجل تأمين بعض المال. توجهت تشير إلى نيويورك للمشاركة في عرض تجريبي تصفه بأنه كان مهينًا للغاية ويشتمل على الكثير من الإساءة، وهو ما دفعها إلى التخلي عن الفكرة بأكملها وعدم المضي قدمًا في العمل.

إلا أن تطبيق "بيم آيز" قد حفظ تلك الذكرى المفجعة للفتاة التي أصبحت اليوم مهندسة معروفة، إذ ظهرت الصور العارية لها، مع روابط لمقاطع الفيديو الإباحية على الشبكة، والتي ظهرت إلى جانب روابط أخرى للمهندسة التي تنشط حاليًا في مجال حقوق العمال ولها حضور إعلامي ملحوظ في القضايا العمالية.

التعرف على الوجوه

قالت سكارليت في حديثها مع نيويورك تايمز إنه لم يخطر لها حتى تلك اللحظة أن تجد صورتها يومًا في موقع إباحي بعد أن طردت تلك النزوة للعمل في هذا المجال ورفضت إتمام العمل مع شركة الإنتاج في نيويورك. وحين اكتشفت الصور بدأت بالبحث عن طريقة للتخلص منها وحذفها عن الإنترنت، في تجربة مريرة كتبت عنها مطولًا، وتحدثت بها إلى شبكة سي أن أن.

تطبيق "بيم آيز" يوفّر خيارًا للمستخدم لا يمكن وصفه إلا بأنه ابتزاز بحت. فعند الضغط على الرابط إلى أحد المواقع التي تظهر بها الصورة، سيلاحظ المستخدم خيارًا بإخفاء بعض النتائج عن العرض العام، وهو خيار مقابل مبلغ من المال يضمن أن لا تظهر بعض الصور غير المرغوبة (الفاضحة مثلًا) على نتائج البحث للمستخدمين الآخر في حال بحث أحدهم عن صورتها.

إلا أن هذا الخيار مكلف جدًا، فهو متاح للمشتركين في التطبيق، ضمن خطة تعرف باسم "خطة الحماية"، يضطر المستخدم إلى دفع مبلغ 90 إلى 300 دولار شهريًا من أجل تفعيلها، وهو ما تصفه المهندسة سكارليت بأنه ابتزاز محض، إلا أنّها اضطرت لشراء الخدمة بالنظر إلى حساسية الموقف التي وجدت نفسها به.

بحسب المالك الحالي للموقع، فإن ثمة خدمة مجانية على التطبيق قد تساعد في إخفاء بعض النتائج، إلا أنّها لا تظهر للمستخدم بشكل تلقائي ويجدر عليه البحث عنها. وفي حديثه مع نيويورك تايمز، أوضح السيد غوبرونيدز أن الشركة قد ردّت مبلغ 300 دولار للمهندسة سكارليت مقابل آخر دفعة قدمتها للتطبيق مقابل إخفاء صورها التي حصلها التطبيق من تلك المواقع الإباحية.

كما يوفر التطبيق للمستخدمين، ومعظمهم من الولايات المتحدة وأوروبا، خيار الاستثناء من نتائج البحث، أي حظر البحث عن صورهم من قبل مستخدمين آخرين. وللقيام بذلك سيتعين على المستخدم الراغب بذلك توفير صور واضحة له، يفضل أن تكون متطابقة مع صور يعتقد أنها أقرب إلى هيئته وعمره في مرحلة ما قد يكون تورّط فيها ببعض الأنشطة أو شارك ببعض الأعمال أو الحفلات التي لا يحبّذ أن ترتبط صورته بها وتكون متاحة للعموم عبر أداة البحث "بيم آيز".

وقد قررت المهندسة سكارليت بالطبع اللجوء إلى هذا الخيار، وتواصلت مع الشركة لضمان ذلك، إلا أن معدي تقرير نيويورك تايمز بحثوا عن صورتها، بعد استئذانها، وظهرت لهم أكثر من 100 نتيجة بحث، من بينها صور فاضحة لها، وهو ما يثبت أن خيار حظر البحث عن الصور الشخصية لأحد المستخدمين غير فعال على النحو الذي يروج له التطبيق.

يوفر التطبيق للمستخدمين، ومعظمهم من الولايات المتحدة وأوروبا، خيار الاستثناء من نتائج البحث، أي حظر البحث عن صورهم من قبل مستخدمين آخرين إلا أن الخدمة ليست فعالة بالشكل المطلوب 

في هذه الحالة، اضطرت سكارليت إلى الحديث علنًا عن الموضوع، حين أدركت أن الناس يبحثون عن صورها وقد عثروا عليها في مواقع إباحية، وهو ما جعلها تشعر بأن من حق أسرتها وأصدقائها معرفة ما حصل معها في تلك الحادثة القديمة وهي لم تبلغ العشرين بعد، والتي سببت لها صدمة لا تكاد تنساها حتى يذكّرها بها الإنترنت من جديد.