18-مايو-2022
تعقيدات عديدة أمام البرلمان اللبناني الجديد (Getty)

تعقيدات عديدة أمام البرلمان اللبناني الجديد (Getty)

مأزق سياسي تنذر به نتائج الانتخابات النيابية في لبنان في ظل وجود استحقاقات وعرة ومعقدة لا بد من اجتيازها. وفي حين كانت هذه الاستحقاقات تشكل في السابق أزمة في كل مرة، فالأزمة اليوم تشابكت عقدها أكثر فأكثر مع التنوع الكثيف الذي أفرزته نتائج انتخابات 2022.

مأزق سياسي تنذر به نتائج الانتخابات النيابية في لبنان في ظل وجود استحقاقات وعرة ومعقدة لا بد من اجتيازها

يقبل البرلمان الحالي على وضع غامض، فالكتل التقليدية تقلصت أحجامها، بينما دخلت عتبة المجلس النيابي أسماء لشخصيات مستقلة وأسماء خرجوا من رحم انتفاضة 17 تشرين ممن حملوا لواءها طيلة الفترة الماضية. في السابق كانت تشكل الحكومات ويحدد مصير الرئاسات الأولى والثانية والثالثة، رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب ورئاسة الحكومة، عبر اجتماع أربعة زعماء ممن لديهم كتل نيابية وازنة. إذ كانت التوازنات محسومة بمنطق المحاصصة، وبتوافقات إقليمية. أما اليوم، فثمة احتمال كبير أن الشخصيات المستقلة والتي تنادي بالتغيير قد تجعل إدارة البلد من قبل أغلبية تقليدية متعذرة، وبات التوافق التحاصصي أصعب، لاسيما في ظل تبعثر النواب دون أي قدرة لأي طرف على تشكيل تحالف سياسي عريض.

إنفوغراف: خريطة البرلمان الجديد في لبنان

الناجحون من المستقلين والسياديين كما يصفون أنفسهم لهم آراء مختلفة من الملفات الكثيرة المؤثرة على حياة اللبنانيين، وقسم من هؤلاء محسوب وإن بشكل مباشر على تحالف 14 آذار، وقسم منهم على 8 آذار. أمام هذا الواقع، يصبح الغموض السياسي سيد الموقف. لكن الأوضح أن حزب الله خسر جزءًا من الغطاء الشعبي، والحال نفسها مع حلفاء النظام السوري من وئام وهاب وطلال أرسلان وأسعد حردان وإيلي الفرزلي وغيرهم، وتراجع عدد نواب تبار المردة وقضم أكثر من نصف نواب التيار الوطني الحر الذي كان يضم فيما مضى 35 نائبًا.

إذًا، لا بد لحزب الله من التفكير في نمط جديد من التفاهمات وربما الضغط. من هنا جاء تصريح رئيس تكتل حزب الله النيابي، حين قال "إذا لم تريدوا حكومة وحدة وطنية فأنتم تقودون لبنان إلى الهاوية وإياكم أن تكونوا وقود حرب أهلية". وتابع بالقول "نتقبلكم خصومًا في المجلس، ولكن لن نتقبلكم دروعًا للصهاينة والأمريكيين". وأضاف "نحن متسامحون جدًا، لكننا أقوياء جدًا لنفاجئكم بما لا تستطيعون حتى التوهم به". هذا التصريح يرسم إطارًا للمرحلة المقبلة وتعقيداتها في حال لم تتجاوب الكتل النيابية مع ضعط محور حزب الله.

يمكن لهذا الخطاب أن يُفهم في سياق دعوة من الحزب لمنح هذه الكتل حصة في التشكيل الحكومي القادم، وربما كتهديد في حال رفضوا ذلك. في المقابل، لهذا التصريح دلالة كونه يمثل إقرارًا بما صارت تمثله القوات اللبنانية في الشارع المسيحي، واعتراف بأن غطاء جبران باسيل الشعبي، واتفاق مارمخايل بين الحزب والتيار، بدآ بالترنح، بعد أن ساهم هذا التحالف في ترسيخ نظام من المحاصصة لسنوات.

وصل أقطاب النظام القديم، وتحديدًا محور حزب الله وحلفائه إلى حائط مسدود. لكن الواقع لا يبدو أقل تعقيدًا أمام القوى التغييرية والمستقلين والقوات اللبنانية والكتائب اللبنانية، التي في حال قررت وضع "السيادة" ضمن أهدافها، ستواجه أسئلة معقدة وجذرية عن مسألة سلاح حزب الله، وبالتالي نفوذه. في هذا السياق، يبدو الحل الأسهل أمام حزب الله مد اليد للقوات اللبنانية كونها حزب سياسي راسخ بات يمتلك 20 نائبًا في البرلمان النيابي، وهو أمر يجنب الحزب الدخول في مهاترات مع شخصيات مستقلة وأفراد من التغييريين كل على حدة. هذا السيناريو الإشكالي والبعيد سياسيًا يبقى مفتوحًا من الناحية العملية، بالنظر إلى أن مد اليد للقوات سيجنبهم عناء التأثير المباشر والضغط الذي ستشكله الأسماء المنبثقة عن انتفاضة 17 تشرين والشخصيات المستقلة.

لكن ماذا لو لم يتمكن حزب الله من تشكيل تحالف سياسي جديد في ضوء نتائج الانتخابات؟ سنكون أمام ثلاث أو أربع قوى سياسية في البرلمان دون إمكانية لأي فريق على الحكم، وبالتالي تعطل الحياة السياسية، وهو سيناريو يشكل احتمال قيامه ضغطًا على جميع الأطراف، بالنظر للأزمة الاقتصادية والمعيشية المستمرة منذ فترة. على هذا النحو، يمكن لرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع أن يجلس على طاولة مع حزب الله وحركة أمل ووليد جنبلاط وجبران باسيل من أجل تقاسم الحصص وتحييد تأثير الفائزين من المستقلين والأفراد، وإعادة إنتاج النظام القديم بصورة جديدة. لكن في حال رفضت القوات اللبنانية الدخول في هذا التحالف، فإن أسئلة كثيرة مطروحة لن تكون قابلة للإجابة على المدى القريب.

ملفات ساخنة

ستكون أول عقبة انتخاب رئيس لمجلس النواب غير الرئيس الحالي زعيم حركة أمل نبيه بري، مما يعني ترك كرسي المجلس شاغرًا بسبب تصريح العديد من الفرقاء بعدم رغبتهم بإعادة انتخابه لولاية سابعة، حيث يشغل منصب الرئيس منذ العام 1992، أي منذ 30 سنة. وفي ظل عدم وجود أي شخصية شيعية من خارج الثنائي الشيعي، سيكون من الصعب إعادة انتخابه، ومن الصعب ترك الكرسي شاغرًا، وبالتالي تعطل عمل مجلس النواب وتعطل الحياة السياسية برمتها. وفيما لو أعيد انتخاب بري بأصوات "النصف زائد واحد" من النواب، سنكون أمام كتل نيابية وشخصيات تخلت عن مواقفها السابقة بالامتناع عن إعادة انتخاب بري للمجلس، مما يعني عدم التزامها أمام جمهورها بتصريحاتها السابقة.

وعلى هذا المنوال، وفي ملفات أكثر تعقيدًا، تأتي عملية تشكيل الحكومة وتسمية رئيسها وإمكانية التشكيل والمحاصصة ووضع البيان الوزاري ومن ثم نيلها الثقة. ثقة مشروطة بتعقيدات هائلة في مقدمتها توزيع المقاعد والحقائب. كما أنها مشروطة بالبيان الوزاري وبرنامج عمل الحكومة والملفات التي يجب دراستها وفي مقدمتها إدراج بند ثلاثية "جيش شعب مقاومة" في بيانها الوزاري. يضاف إليها ملفات تتعلق بالتحقيقات في انفجار مرفأ بيروت، وكيفية التعامل مع مسألة التعامل مع المصرف المركزي والمصارف، وحقوق المودعين وبيع أصول الدولة وملف الكهرباء وغيرها عشرات الملفات الساخنة، التي لن يحظى أي منها بتوافق مما يهدد بعرقلة تأليف حكومة.

ستكون أول عقبة انتخاب رئيس لمجلس النواب غير الرئيس الحالي زعيم حركة أمل نبيه بري، مما يعني ترك كرسي المجلس شاغرًا

والاستحقاق الآخر، يأتي مع انتهاء فترة رئاسة ميشال عون للجمهورية بتاريخ 31 تشرين الأول/أكتوبر من هذا العام، أي بعد حوالي 5 أشهر فقط، مما سيدخل البلد في حالة من الفراغ المميت، خصوصًا وأن انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية يتطلب حصوله على "الثلثين زائد واحد" من أصوات النواب. وفيما لو كانت انتخابات المجلس النيابي والحكومة تتطلب النصف زائد واحد، فإن الأزمة ستتعمق مع متطلبات الحصول على الثلثين زائد واحد لانتخاب رئيس جديد للجمهورية.