29-أغسطس-2019

انقلب الأسد على ابن خاله الذي كان مسؤولًا عن إدارة خزينة مالية آل الأسد (Sueddeutsche)

الترا صوت – فريق التحرير

فصل جديد من سيطرة روسيا على مفاصل الحياة الاقتصادية في سوريا، بدأت صورته تتكامل بشكل متسارع بعد تداول مجموعة من الأخبار التي تشير إلى وضع النظام السوري، رجلَ الأعمال السوري رامي مخلوف، مع أشقائه، قيد الإقامة الجبرية، وإصدار قرار بمصادرة أملاكه داخل وخارج سوريا، بالإضافة لـ20 رجل أعمال سوري آخرين، تقدر أملاكهم بمليارات الدولارات، وكان لهم دور بارز في صمود النظام السوري خلال السنوات الماضية.

تكشف أخبار متداولة عن وضع بشار الأسد لابن خاله رامي مخلوف، تحت الإقامة الجبرية، ومصادرة أملاكه داخل وخارج سوريا

إمبراطورية آل مخلوف في قبضة الأسد

تفاصيل الخبر الذي بدأ يظهر عبر وسائل الإعلام ترجع بدايته لما قبل يومين تقريبًا، عندما كشف المرصد السوري لحقوق الإنسان عن إصدار رئيس النظام السوري بشار الأسد، أمرًا باتخاذ إجراءات ضد ابن خاله رامي مخلوف (50 عامًا)، بما في ذلك حصته في شركة سيريتل، أكبر مزود للهاتف النقال في البلاد، وكذا السوق الحرة العاملة في البوابات الحدودية لسوريا.

اقرأ/ي أيضًا: كيف حصل حلفاء الأسد على 18 مليون دولار من الأمم المتحدة؟

وقال المرصد إن الأمر جاء بعد طلبه من خاله محمد مخلوف، والد رامي، مبلغ ملياري دولار، فرد الأخير على طلب ابن شقيقته بعدم استطاعته تأمين المبلغ المطلوب.

وأشار المرصد في خبره، إلى أن المبلغ المذكور كانت موسكو قد طلبته من الأسد، مضيفًا أن الإجراءات العقابية بحق عائلة مخلوف تشمل التدقيق في أوراق شركات ومؤسسات تابعة للعائلة، وكذلك جمعية البستان برئاسة سامر درويش. 

فضلًا عن إصدار الأسد أمرًا بتكليف هيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بالتحقيق مع أكبر 29 رجل أعمال سوري، بمن فيهم مخلوف، لتأمين المبلغ بسرعة. ومن بين الأسماء التي شملها التحقيق، رجل الأعمال محمد حمشو المعروف عنه أنه من بين الأصدقاء الشخصيين والمقربين من بشار الأسد منذ وصوله للسلطة.

إلى هنا وقف خبر ملاحقة إمبراطورية آل مخلوف المالية خلال اليومين الماضيين، قبل أن يطالعنا المرصد السوري، صباح اليوم الخميس 29 آب/أغسطس 2019، بخبر جديد يفيد إصدار الأسد أمرًا، بناءً على طلب روسي، يقضي بحل الجناح العسكري لجمعية البستان الخيرية، حيثُ ينشط جناحها العسكري بالقتال إلى جانب المليشيات المحلية التي تقاتل إلى جانب قوات النظام في معاركه ضد قوات المعارضة السورية.

وبضيف المرصد أن الأوامر الروسية صدرت بالحد من تمدد التجنيد الذي تقوم به الجمعية بشكل متواصل، مقابل رواتب مغرية بالأخص في الجنوب السوري، ويؤكد نقلًا عن مصادره مواصلة الجمعية عملها في الجانب الخيري بإشراف من مؤسسة الرئاسة السورية ووزارة الشؤون الاجتماعية.

تأكيدات لمقربين من النظام

كما درجت العادة عند إثارة العديد من الأخبار المرتبطة بالدائرة المقربة من النظام السوري، إرجاع مصدرها للشائعات التي تريد "النيل من النظام السوري وإضعافه أمام مؤيديه" بإظهاره مرتبطًا بالقرار الروسي؛ كان مصير الخبر المتداول حول آل مخلوف كذلك. 

لكن فراس طلاس، نجل وزير الدفاع السوري السابق مصطفى طلاس، أكد في منشور عبر صفحته على فيسبوك، صحة الأخبار المتداولة حول وضع مخلوف وأشقائه قيد الإقامة الجبرية، ووضع إمبراطوريتهم المالية تحت تصرف مؤسسة الرئاسة السورية.

طلاس الذي وصف في منشوره الطويل العلاقة بين الأسد وأبو رامي بأنها مشابهة للعلاقة بين البطاركة والملوك في القرون الوسطى، قال إن مرض أبو رامي الذي وصفه بـ"خازن" العائلة، ساهم في تأجيج الخلاف بين رامي مع أشقائه من طرف، والأسد من طرف آخر. 

وقال طلاس إن الأمر تطور عندما طلب الأسد من درويش (مدير جمعية البستان) الحضور "للاطلاع على حسابات رامي وأخوته وشركاتهم"، إلا أن اعتذار درويش عن امتلاكه جميع المعلومات ساهم في تعقيد الموقف، فأصدر الأسد أمرًا لأمن القصر الخاص بإحضار دفاتر الحسابات مع مدراء شركات رامي.

وفي خطوة يمكن أخذ دلالتها لصحة الأخبار الورادة، أصدرت جمعية البستان، فجر اليوم الخميس، بيانًا عبر صفحتها الرسمية، قالت فيه إنها "كانت وما زالت وستبقى جزء من الشعب العربي السوري في تقديم يد العون لكل محتاج ومريض، وهي على استعداد دائم لتقديم الخدمات الطبية والخدمية والاجتماعية والمساعدات الطلابية على امتداد الجغرافيا الوطنية رديفة للجهات الحكومية".

إدارة إمبراطورية الأسد المالية

يحيل السؤال الذي أدرجه طلاس في نهاية منشوره "هل يحل البطريرك الموضوع أم هل يحيل بشار (الأسد) موضوع السلطة المالية للبطريركة الجديدة أسماء (الأسد)؟"، إلى تفصيل يقع سرده في دائرة الأهمية لمعرفة طبيعة العلاقة التي تربط بين عائلتي الأسد ومخلوف. 

حتى ما قبل عام 1984، كان رفعت الأسد، الشقيق الأصغر للرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، مسؤولًا عن إدارة الخزينة المالية للعائلة. لكن هذه الإدارة سحبت منه بعد فشله في محاولة الانقلاب على شقيقه، ليصدر الأمر بنفيه خارج البلاد.

وسرعان ما وجدت العائلة بديلًا مناسبًا لإدارة خزينتها المالية ممثلًا في محمد مخلوف (أبو رامي) شقيق أنيسة مخلوف والدة حافظ الأسد. كان أبو رامي (84 عامًا) يعمل آنذاك موظفًا حكوميًا في مؤسسة التبغ والمصرف العقاري الحكومي، ليبدأ الرجل بإدارة الخزينة المالية لعائلة الأسد، ومنها أورثها لابنه رامي، الذي يخضع حاليًا للإقامة الجبرية بحسب ما تشير وسائل الإعلام. 

بعد الخلاف بين الأسد ورامي مخلوف، يشير طلاس إلى احتمالية انتقال إدارة خزينة المالية لعائلة الأسد، لشخص آخر، هو، بحسب توقع طلاس: أسماء، زوجة بشار الأسد.

وجدير بالذكر أن رامي مخلوف هو واحد من بين رجال الأعمال السوريين الذي أدرجت أسماؤهم خلال الأعوام الماضية على لائحة العقوبات الأمريكية والغربية، بسبب تقديمهم الدعم للنظام السوري في قمعه للمظاهرات السلمية، وإنشائهم لشركات وهمية للالتفاف على العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام السوري. ويشير أحد التقارير الصادرة عن وثائق بنما، إلى أن ثروته الشخصية تقدر بست مليارات دولار.

وورد اسمه قبل وثائق بنما المسربة، ضمن الوثائق التي سربتها السلطات الفرنسية للاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين، وصحيفة لوموند الفرنسية، والتي تكشف عن الحسابات المصرفية لعائلة مخلوف، حيثُ أشارت الوثائق إلى أن حجم الأموال التي تضمنتها بلغ 43 مليون دولار منذ عام 1997 حتى عام 2007، بالإضافة لمجموعة من الشركات المخفية، وأسماء مجموعة من الشخصيات التي تدير أموال عائلة مخلوف ليس فقط على المستوى المحلي، إنما على مستوى العالم أيضًا.

ما علاقة روسيا بذلك؟

متابعة تفاصيل الخبر الذي يقول إن روسيا هي من تقف وراء وضع النظام السوري يده على أملاك 29 رجل أعمال سوري، بينهم بالتأكيد مخلوف وحمشو؛ تبدو ممكنة بالعودة لما قبل 15 عامًا، عندما بدأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمصادرة الشركات النفطية بحجة التهرب الضريبي لتمويل مشاريعه الإعلامية. 

لذا قد لا يكون مستبعدًا أن تكون روسيا من تقف وراء الحملة الأخيرة التي نفذها الأسد ضد رجال أعمال عرفوا خلال الأعوام الماضية بدعمهم غير المحدود للنظام السوري اقتصاديًا، مقابل السماح لهم بزيادة ثروتهم بتأسيس شركات مختلفة للالتفاف على العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام السوري. 

وما يدعم هذه الفرضية، التغييرات التي شهدتها المؤسستان الأمنية والعسكرية بدعم روسي سمحت بإعفاء مجموعة من الضباط المعروفين بولائهم لطهران، وقامت بوضع ضباط آخرين يدينون بالولاء لموسكو.

وتأتي الحملة التي نفذها الأسد بحق رجال الأعمال المقربين منه، متزامنةً مع انطلاق فعاليات الدورة 61 لمعرض دمشق الدولي بمشاركة 38 دولة. ويطمح النظام السوري من خلاله لتحقيق مكاسب اقتصادية في ظل انهيار الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي، والتي وصلت لأدنى معدلاتها خلال الفترة الأيام الماضية، حيث وصل سعر صرف الدولار واحد لـ600 ليرة.

يُذكر أنه في وقتٍ سابق من الآن، أصدرت السفارة الأمريكية في دمشق، بيانًا حذرت فيه رجال الأعمال الإقليميين من ممارسة أعمال تجارية مع النظام السوري أو شركائه، مهددةً من يشارك في معرض دمشق الدولي بتعريض نفسه لاحتمال فرض عقوبات أميركية.

من المرجح أن روسيا تقف وراء مصادرة النظام السوري لأملاك 29 رجل أعمال سوري من المقربين للنظام، على رأسهم رامي مخلوف 

بدورها ردت الخارجية الروسية ببيان مضاد، شدد على أن "حجب الولايات المتحدة لجهود القيادة السورية لإعادة إعمار البلاد بعد الأزمة، يضر وحدة وسيادة والسلامة الإقليمية لسوريا، ويتعارض بشكل مباشر مع نص وروح قرارات المجتمع الدولي بشأن سوريا، بما في ذلك قرار مجلس الأمن رقم 2254".

وفي بيان سابق، قالت السفارة الأمريكية، إنها "لا تشجّع على الإطلاق الشركات التجارية أو الأفراد على المشاركة في معرض دمشق التجاري الدولي"، مشيرًة لمواصلة النظام السوري استخدام "موارده المالية لتنفيذ هجمات شريرة ضد الشعب السوري"، مطالبةً من يملك معلومات حول المشاركين أن يقوم بإرسالها إلى مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

لقطاع العام في سوريا.. من التأميم إلى جيوب "أهل" النظام

كيف صنعت روسيا طبخة الموت في سوريا اليوم؟