19-نوفمبر-2019

بشار الأسد ورامي مخلوف (Financial Times)

في وقت تشهد فيه عواصم دول عدة في المنطقة العربية والعالم مظاهرات وثورات أشعلها فساد السلطات وغياب الحريات وفرض ضرائب جديدة لسرقة الأموال من جيوب الشعوب، مثل ما يجري في لبنان والعراق وصولًا إلى تشيلي وبوليفيا، كشف تحقيق أعدته منظمة غلوبال ويتنس عن تهريب رأس النظام في سوريا بشار الأسد وأبناء خاله من آل مخلوف الأموالَ إلى موسكو، وشراء عقارات في أفخم الأحياء التجارية هناك، وتم تسجيل شراء العقارات عام 2016، أي بعد عام من التدخل العسكري الروسي في سوريا عام 2015.

ممتلكات بقمية 40 مليون دولار

صحيفة فايننشال تايمز البريطانية نشرت تحقيق (غلوبال ويتنس) عن تهريب بشار الأسد وأقرباءه من آل مخلوف الأموال إلى العاصمة الروسية موسكو، ويكشف التحقيق أنه في قلب الحي المالي الفاخر يمتلك آل مخلوف ما لا يقل عن 18 شقة فاخرة لإبقاء عشرات الملايين من الدولارات خارج سوريا مع اندلاع الثورة السورية عام 2011.

أفراد من عائلة مخلوف، أبناء خال بشار الأسد، يمتلكون ما لا يقل عن 40 مليون دولار من الممتلكات في ناطحات السحاب في موسكو

تقع الشقق في مجمع City of Capitals، وهو ناطحة سحاب من برجين كانا الأطول في أوروبا قبل أن يفقدا هذا الميزة في عام 2012 أمام برج Shard في لندن.

اقرأ/ي أيضًا: ما وراء البريكست.. أيادي موسكو الخفية في الاتحاد الأوروبي

وشمل المستأجرون في المجمع مكاتب روسية لأمثال Diageo ومجموعة المشروبات متعددة الجنسيات ومجموعة الأزياء الإيطالية Calzedonia وأهم البنوك الروسية. كما تضم الأبراج المجاورة الوزارات الحكومية وفنادق الخمس نجوم وأثرى رجال الأعمال في روسيا.

يشير التحقيق إلى أن أعضاء بارزين من عائلة مخلوف، أبناء خال رأس النظام السوري بشار الأسد، يمتلكون ما لا يقل عن 40 مليون دولار من الممتلكات في ناطحات السحاب في موسكو.

تعتبر عائلة مخلوف، وعلى رأسها خال الأسد، أغنى العائلات في سوريا، وثانيها من حيث السطوة والنفوذ. قبل 2011، كانوا يسيطرون على 60 % من الاقتصاد السوري، حصلوا عليها على مدار سنوات من الفساد والترهيب، ويخضع كل أفراد عائلة مخلوف تقريبًا لعقوبات فرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، لأدوارهم المتعددة التي لعبوها في حملة العنف التي شنها الأسد ضد السوريين.

وبيّنت غلوبال ويتنس في تحقيقها أيضًا أن القروض التي تم تأمينها بخصوص بعض الممتلكات قد تكون لأغراض غسل الأموال من سوريا إلى موسكو، وهو ما يفتح المجال لإمكانيّة نقل الأموال إلى نطاق سلطات قضائية أخرى، مثل الاتحاد الأوروبي، حيث تسري عقوبات على أفراد العائلة.

أموال مرتبطة بالفساد

قالت ويتنس ايزوبيل كوشي، العضو في غلوبال: "بغض النظر عمّا إذا كانت هذه الأموال جاءت من الثروة الخاصة لأسرة مخلوف، أو أنها تعود إلى عائلة الأسد نفسها، فليس هناك أي شك بأنها مرتبطة بالفساد وانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في سوريا".

تعتبر عائلة مخلوف، وعلى رأسها خال الأسد، أغنى العائلات في سوريا، وثانيها من حيث السطوة والنفوذ

لفتت المنظمة إلى أنها حصلت على دليل بأن تلك الأموال مُوِّهت على أنها قروض لتحويل الانتباه عن نقلها من دمشق إلى موسكو.

اقرأ/ي أيضًا: أملاك رامي مخلوف في ذمة الأسد.. ما علاقة روسيا؟

أضافت كوشي: "هذه الاستثمارات تدل على دور روسيا في دعم النظام السوري، بخاصة أن البنوك الروسية قدّمت الدعم المالي للأسد منذ بداية الحرب الأهلية.. والحقيقة أن تحقيقاتنا أثبتت أن موسكو لا تزال تقوم بدور الملاذ الآمن للأموال التابعة للنظام السوري، وربما -أيضًا- نقطة انتقال بعض تلك الأموال إلى النظام المالي العالمي".

ولفت التحقيق إلى أن إلى أن أربعة من أبناء محمد مخلوف الخمسة - خال بشار الأسد- اشتروا مكاتب وعقارات أخرى في المركز المالي بموسكو خلال الفترة الأخيرة.

وذكرت صحفية فايننشال تايمز أن صفقات العقارات في موسكو تكشف عن إحدى الآليات التي جمعت من خلالها عائلة الأسد في سوريا ثروتها وسعت إلى الحفاظ عليها، على الرغم من العقوبات المالية من حظر السفر إلى تجميد الأصول، التي فرضت عليها ردًا على القمع الوحشي للاحتجاجات منذ حوالي تسع سنوات. كما سلّطت هذه الصفقات الضوء أيضًا على دور روسيا كملاذ آمن لأشخاص من النظام وأموالهم.

وأضافت صحيفة تيلغراف نقلًا عن غلوبال ويتنس أن تحقيقها وجد أن 11 عقارًا قد تم استخدامها لتأمين القروض من الشركات اللبنانية في عملية معقدة لغسل الأموال من سوريا إلى موسكو، وما بعدها إلى الاتحاد الأوروبي.

ولفتت المنظمة مستشهدة بتقارير من 2012 و2013 بأن نظام الأسد يحتفظ بحسابات لدى بنك VTB الروسي وجازبرومبنك، و"أن تعاملات سبير بنك مع مخلوف هي جزء من نمط أوسع من البنوك الروسية الكبرى التي تساعد النظام السوري".

روسيا تساعد في خرق العقوبات

في كانون الأول/ديسمبر 2011، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على محمد مخلوف خال بشار الأسد وأوس أصلان، الذي تصفه بأنه لواء في الجيش السوري، وكذلك مؤسسة الإسكان العسكرية باعتبارها شركة تسيطر عليها حكومة الأسد وتمول النظام، إضافة للمصرف العقاري الذي يديرعمليات اقتراض للحكومة.

وفي أيار/مايو من العام نفسه، أدرج الاتحاد الأوروبي 13 مسؤولًا في النظام على قائمته الخاصة بالعقوبات من بينهم ماهر الأسد، ورئيس جهاز المخابرات العامة علي مملوك، ومدير المخابرات العسكرية عبد الفتاح قدسية، وفرض حظرًا على السلاح على سوريا. إضافة لحظر الأصول السورية وحظر على بشار الأسد السفر إلى دوله.

موسكو تقوم بدور الملاذ الآمن للأموال التابعة للنظام السوري، وربما هي نقطة انتقال بعض تلك الأموال إلى النظام المالي العالمي

في السياق، أكدت مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "تشاتام هاوس" لينا الخطيب لـ فاينانشيال تايمز أن روسيا تخرق العقوبات المفروضة على النظام السوري، وتابعت أنها (أي روسيا) "ترى نفسها الآن كضامن للدولة السورية، وبالتالي تفعل كل ما في وسعها، سواء عسكريًا أو سياسيًا أو اقتصاديًا، للحفاظ على الدولة السورية مع الحفاظ على ولائها لموسكو أيضًا".

اقرأ/ي أيضًا:  كيف حصل حلفاء الأسد على 18 مليون دولار من الأمم المتحدة؟

أفادت الصحيفة بأنه من بين 20 شقة، تم شراء 13 شقة مباشرة أو من قبل شركات يسيطر عليها حافظ مخلوف، وهو الرئيس السابق للمخابرات العسكرية ولاعب رئيس في الممارسات الوحشية ضد المتظاهرين السلميين عام 2011، بينما تم شراء شقتين من قبل الزوجة وشقيقتها - زوجة الأخ الأكبر رامي مخلوف - إضافةً إلى تملّك ثلاث عقارات إضافية في ناطحات السحاب في موسكو، مباشرة من قبل الأشقاء الثلاثة الآخرين من عائلة مخلوف.

ويتم استخدام ما لا يقل عن أربعة من الممتلكات كأمكنة إقامة للعائلة، بما في ذلك شقة مملوكة بشكل مشترك من جانب الأخوين التوأم إياد وإيهاب مخلوف.

يذكر أن رامي مخلوف ابن خال الأسد واحد من ضمن ما لا يقل عن 270 شخصًا و72 شركة متصلة بالنظام على قوائم وزارة الخزانة الأمريكية أو قوائم عقوبات الاتحاد الأوروبي أو كلتيهما، والذين من بينهم أيضًا شخصيات بارزة موالية للنظام مثل سامر الفوز ومحمد حمشو.

يأتي كشف ملفات الفساد هذه تزامنًا مع أزمة اقتصادية يعيشها السوريون مع انهيار سعر صرف الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، إذ تجاوز سعر صرف الدولار في الأيام الماضبة 700 ليرة في السوق السوداء.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"تشبيح" المصرف المركزي السوري

الاقتصاد السّوري.. الانهيار المُخيف