25-مايو-2022
حليب

"Getty"

بسرعة كبيرة، حصلت أزمة فقدان حليب الأطفال خلال الأشهر الماضية في الولايات المتحدة، الدولة العظمى التي تصنف الأقوى عسكريًا على مستوى العالم، تقف اليوم عاجزة عن اللحاق بمركب الأمان الغذائي وتوفير الحليب لأطفالها، تزامنًا مع مشاعر الخوف والقلق والغضب التي تسيطر على أهالي الأطفال الرضّع، خصوصًا أن عجز تأمين الحليب وصل إلى أكثر من 50% في بعض الولايات، وفق ما ذكرت شبكة "سي بي اس" الأمريكية.

بدأت الأزمة بعد إغلاق شركة "أبوت نيوتيرشن" لإنتاج حليب الأطفال الصناعي، بسبب اكتشاف بكتيريا ضارّة تسبّبت بعدوى لأربعة أطفال توفّي منهم اثنان

الأزمة تشكلت بعد إغلاق شركة "أبوت نيوتيرشن" من أضخم الشركات بإنتاج حليب الأطفال الصناعي، حيث كشف تحقيق فيدرالي أن بكتيريا ضارة ترتبط بأحد أنواع النباتات في صيغة تركيب الحليب للشركة، تسببت بعدوى بكتيرية لأربعة أطفال، توفي منهم اثنان، وعليه تم سحب منتجات هذه الشركة وتوقفها عن العمل منذ شهر شباط/فبراير الماضي، ما خلق أزمة مرعبة لأهالي الأطفال والحكومة.

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن إدارة بايدن قولها، "إن شحنة من حليب الأطفال تهدف إلى سد النقص في جميع أنحاء البلاد، وصلت إلى الولايات المتحدة من أوروبا يوم الأحد، ومن المتوقع أن تجلب رحلة ثانية إمدادات إضافية في الأيام المقبلة.

وقال البيت الأبيض في بيان، إن الشحنة التي تعادل حوالي 500 ألف زجاجة سعة ثمانية أونصات، تحتوي على تركيبة مضادة للحساسية للأطفال المصابين بحساسية بروتين حليب البقر، فيما أوضح توم فيلساك وزير الزراعة، في تصريحات تلفزيونية، أن الشحنة وصلت على متن طائرة عسكرية من قاعدة رامشتاين الجوية في ألمانيا، ومن المفترض أن توفر تركيبة كافية لرعاية 9000 رضيع و18000 طفل صغير لمدة أسبوع.

ومن المتوقع وصول الشحنة الثانية خلال أسبوع، ما سيرفع الإمداد إلى ما يعادل 1.5 مليون زجاجة سعة ثمانية أونصات من ثلاث صيغ تركيبية، والتي سيتم توزيعها لاحقًا من منشأة نستله في ولاية بنسلفانيا.

في قبضة الاحتكار

ترجع الأسباب بتشكّل هذه الأزمة إلى عوامل عدة، كان من بينها مشكلة إغلاق مصنع إنتاج الحليب الصناعي المخصص للأطفال التابع لشركة أبوت، في ولاية ميشيغان، الأمر الذي سلّط الضوء مجددًا على مشكلة عميقة تعاني منها الولايات المتحدة، وهي احتكار شركات وجهات محددة تصنيع وإنتاج سلع معيّنة، ما يعني أن إغلاق أو توقف أحد المصانع عن العمل، يمكن أن يهدد أمان مستهلكين بما نسبته قرابة الـ60% أو أكثر، وهذا فعلًا ما حدث خلال أزمة حليب الأطفال في أمريكا.

حليب

ووفقًا لما ذكر الراديو الوطني العام الأمريكي، فإن صناعة حليب الأطفال والتي تبلغ تجارتها بمليارات الدولارات، تهيمن عليها حفنة من الشركات، ففي الولايات المتحدة، تسيطر أربع شركات فقط على حوالي 90٪ من السوق، بما في ذلك شركة أبوت، وتدير هذه الشركات عددًا صغيرًا نسبيًا من مصانع تركيبات الحليب، من أجل زيادة الكفاءة إلى أقصى حد، والحفاظ على انخفاض تكاليف الإنتاج.

سياسة أمريكا في التجارة الخارجية

تعدّ السياسة التنظيمية والتجارية لأمريكا الجزء الأهم بقصة أزمة فقدان حليب الأطفال في الولايات المتحدة، إذ أن تنظيم إدارة الغذاء والدواء (FDA) لصيغة تركيب حليب الأطفال صارم للغاية، لدرجة أن معظم الأشياء التي تأتي من أوروبا غير قانونية للشراء في أمريكا، بسبب الجوانب الفنية مثل متطلبات وضع العلامات، ومع ذلك، وجدت إحدى الدراسات أن العديد من الصيغ الأوروبية تلبي الإرشادات الغذائية لإدارة الغذاء والدواء، وفي بعض النواحي قد تكون أفضل من الصيغة الأمريكية، لأن الاتحاد الأوروبي يحظر بعض السكريات، مثل شراب الذرة، ويتطلب ضمن الصيغ أن يكون لها نصيب أكبر من اللاكتوز، بحسب ما كتبت مجلة "ذا أتلانتك" الأمريكية.

ويحاول بعض الآباء الذين لا يهتمون بتصريح إدارة الغذاء والدواء الأمريكية التحايل على اللوائح، من خلال طلب الصيغة من أوروبا عبر البائعين الخارجيين، فيما لجأ بعض الأهالي بظل الأزمة المتفاقمة الحالية، إلى صناعة الحليب منزليًا، وهو ما حذّرت منه منظمة "هيلثي تشيلدرن" الأمريكية.

عواقب ممتدة لكوفيد 19

تبرز ضربات جائحة كورونا كوفيد 19 للاقتصاد العالمي وسلاسل التوريد بشكل واضح وقوي في أزمة حليب الأطفال الأمريكية الحالية، حيث يشرح -كما نقلت عنه مجلة "ذا أتلانتك"- ليمان ستون، مدير الأبحاث في شركة ديموغرافيك إنتليجنس الاستشارية، أنه "خلال ربيع عام 2020، ارتفعت مبيعات السلع بشكل صاروخي حيث قام الناس بتخزين علب الحليب مثلما قاموا بتخزين ورق التواليت"، وبعد ذلك ، عندما عملت العائلات من خلال مخزوناتها، انخفضت المبيعات كثيرًا، هذا التذبذب جعل التخطيط للإنتاج صعبًا للغاية، فكان الحصول على فكرة عن حجم السوق الفعلي أمرًا معقدًا، يقول ستون.

في سياق ذلك، وجد بحث ستون أن الزيادة الطفيفة في الولادات في أوائل عام 2022، تزامنت مع "انخفاض كبير للغاية في معدلات الرضاعة الطبيعية" بين الأمهات الجدد، مما أدى إلى زيادة الطلب على الحليب الصناعي مرة أخرى، بشكل أسرع من تعافي العرض.

وإلى اليوم، لم يتضح بعد متى ستتوفر الكميات الكافية من حليب الأطفال الصناعي على رفوف المتاجر، ومتى يتبدد خوف وغضب الأهالي بطمأنينة، لكن من المرجح أن يكون ذلك في غضون أسابيع.