17-مايو-2022
منهج جديد

كتاب "منهج جديد لقراءة النصوص الأثرية"كتاب "منهج جديد لقراءة النصوص الأثرية"

صدر حديثًا عن دار كنعان كتاب "منهج جديد لقراءة النصوص الأثرية" للباحث الفلسطيني خالد حسين أيوب، فاتحًا بذلك آفاقًا جديدة للتقصي والبحث عما كتب من التاريخ بالعودة إلى علم الآثار، وعن الحقيقة وطمسها وتزويرها، مشكلًا أسئلة استثنائية تضيئ عتمة التزمت المعرفي لمناهج البحث الآثاري التوراتي والقومي والتاريخي والجغرافي واللغوي.

يفتح كتاب"منهج جديد لقراءة النصوص الأثرية"  آفاقًا جديدة للتقصي والبحث عما كتب من التاريخ بالعودة إلى علم الآثار، وعن الحقيقة وطمسها وتزويرها

ويوضح الباحث خالد أيوب أن هذا الكتاب يتناول نصوصًا أثرية من إيطاليا وقبرص وتركيا والجزائر وسوريا ولبنان والأردن وفلسطين.. تعود إلى الألف الأول ق.م، ويعرض المنهج المتبع القواعد اللغوية الخاطئة التي استند إليها الباحثون لقراءة هذه النصوص الأثرية، بالاستناد إلى عدة قواعد افتراضية، هي ليست سوى أداة لتشويه المعاني الحقيقية لهذه النصوص، بالإضافة إلى محاولة تفنيد المآرب من وراء تشويه الحقائق وتزويرها.

شعرية النصوص

ويضيف الباحث أن ثمة ناحية لا تقل أهمية عن ذلك، وهي أن الكتاب ينفي في قسم منه أن هذه النصوص الأثرية قد كُتبت نثرًا، بل يؤكد أن معظم هذه النصوص كتبت شعرًا، ويبيّن ذلك من خلال مقارنة الخصائص الشعرية فيها وما تحتويه من قافية وجناس، وقد تم نظم نماذج منها، فأتت مطابقة للعروض الرقمي، مشيرًا إلى أن للأسلوب الشعري أثر مهم على قراءة هذه النصوص، كونها لا تسمح بإضافة أو حذف أي حرف منها، لأن أي عملية تجري وفق قواعد المنهج المتبع ستؤدي إلى خلل في الميزان الشعري للنص.

ويؤكد الباحث خالد أيوب أن المنهج التقليدي في دراسة فقه اللغات المسمّاة بالسامية يقوم على خمس قواعد أساسيّة، يمكن لقارئ النقش، في أربعة منها، إضافة وحذف واستبدال حروف من وإلى النص الأثريّ، وهذه القواعد هي "التّصويت ثلاثة حروف، والإقحام أربعة حروف، والإسقاط ثمانية حروف، والإبدال ست وستون حالة"، وهكذا يصبح مجموع الحروف التي يمكن تغييرها إحدى وثمانين حالة، إضافة إلى قاعدة القلب المكاني التي تُمكنّ أيضًا من قلب أمكنة جميع حروف الأبجديّة.. فأيّ إهانة للعقل وللمنطق بوضع قواعد تبث الفوضى، بدل أن تكون ناظمة وصارمة تقيّد النّص بأحكام محدَّدة.

اللغات الميتة

ويضيف الباحث: يبدو أن هذا المنهج- للأسف- هو الوحيد الذي تسير عليه مختلف المدارس والاتجاهات لعلوم الماضي، من تاريخ، وتراث، وأثار، ولغات قديمة ميتة (كنعانيِة وآرميّة وفينيقيّة وبونيقيّة ومؤابية..) بالإضافة إلى "العبرية" التي ينظر إليها اللغويون المستشرقون على أنها لغات النصوص والنقوش الأثرية، وبالتالي تحتاج هذه النصوص إلى ما يشبه العمل الجراحي من أجل بث الروح فيها من جديد وإعادة الحياة لها، مشيرًا إلى أن هؤلاء اللغويين يلفتون نظرنا إلى أن بني إسرائيل القدماء ولغتهم جزء من هذه العائلة السامية ولغاتها، وبالتالي، من باب أولى، أن تكون لغة هذا "الشعب القديم" التي هي لغة "الكتاب المقدس" مفتاح قراءة هذه النصوص دون أن ينتبهوا للمغالطة التي وضعوها هم بأنفسهم من قبل، حين اعتبروا "العبرية" لغة ميتة، مثلها مثل بقية اللغات السامية القديمة، ومن أجل استكمال تغليب "العبرية" على باقي لغات الشرق القديم "السامية" افترضوا إمكانية إضافة حروف المد أو التصويت، لقولهم أن اللغات القديمة أهملت، إلى حد كبير حروف المد الطويلة (ا، و، ي)، مثلما أهملت، تمامًا، تدوين حركات المد القصيرة (الضمة والفتحة والكسرة و"السكون")، فسمح هؤلاء، المختصون، لأنفسهم إضافة حركات المد الطويلة أو القصيرة حسب الحاجة أو الرغبة، سواء يسمح النص بذلك أم لا.

عناوين وتقصٍ

وإضافة للمقدمة التي تسلط الضوء على أهمية هذا الكتاب وتفرّد هذا المنهج الجديد؛ والتمهيد الذي يوضح به المؤلف محاور منهجه وأسئلته البحثية.. يتوزع الكتاب على عدة عناوين تشكل مداخل لمؤلفه كي يكمل جدلية تقصيّه لنصوص بحثه، ويبدأ كتابه بعنوان "أمة قديمة" يؤكد من خلاله على أن اعتبار الجماعات اليهوديّة العابرة للقارّات شتات "أمّة قديمة" تعود أصولهم إلى مملكة داود القديمة (إسراءيل) على أرض فلسطين، هي رؤية صهيونيّة - استشراقيّة، ظلّت تهيمن لوحدها على ثقافة التاريخ والماضي، إلاّ أنّه، ومنذ كتابات المؤرخ البريطاني كيث وايتلام، بدأت تتوإلى دراسات جريئة تساهم في تحرير التاريخ الفلسطيني من قبضة وسطوة الاحتلال الصهيوني. ولم يتوقف الأمر عند اختراع لغة "قديمة" وشعب "قديم" بل ثمة محاولات لاختراع "تراث" واختراع "أدب عبري" له مقوماته الخاصة.

يرى أيوب أنّ علم الآثار ما زال تخمينًا وأيديولوجيا، ومفتوحًا على احتمالاتٍ وفرضياتٍ عديدةٍ، بسبب منهجه وقواعده اللّغوية الوضعيّة الخاطئة والمشوّهة والبعيدة عن الحقيقة

وفي توضيحه لمنهجه تحت عنوان "رؤية نقدية"، يرى أيوب أنّ علم الآثار ما زال تخمينًا وأيديولوجيا، ومفتوحًا على احتمالاتٍ وفرضياتٍ عديدةٍ، بسبب منهجه وقواعده اللّغوية الوضعيّة الخاطئة والمشوّهة والبعيدة عن الحقيقة. ويؤكد أن علم الآثار مليء بالأدلّة التي تشير إلى تلك المزاعم والأباطيل، ويتناول بالتّفصيل القواعد التي استخدموها أو اتكأوا عليه في الظواهر اللغوية لتشويه وقلب الحقائق كظاهرة تصويت اللّغات القديمة، وقاعد الإقحام والإسقاط والإبدال والقلب المكاني والعنعنة.. وغيرها، بالإضافة إلى وضع الكلمات التي يريدونها على اللوائح واللقى الأثرية المشوهة أو المكسورة.

وتحت عنوان "نماذج من النقوش الأثرية"، يستعرض المؤلف دلائل قاطعة من النصوص الأثرية، مرفقًا كل نص بقراءته وصوره الخاصة، ومن نماذج النقوش الأثرية هذه (نقش ميشع، ونقش بيرجي، وزنجرلي، وبرراكب، وأفس زكور، وشافاط بعل الأول، وعين عبدات، ويحوملك، وأحيرام، وماسينيسيا، ونقش كيلاموبرحيا..). ولكنه يركز على نص ملك أحيرام ويفصّل في أهميته، مسلطًا الضوء على السّردية التّوراتيّة حول هذا الملك، والخرافات والأساطير التي صارت وقائع تاريخية، والحكايات حول خروج موسى من مصر، وجيش داود، والهياكل الثلاثة لسليمان، ويختتم كتابه بملخص عن بحثه وتطلعاته المستقبلية لمنهجه الجديد.. وقائلًا: وأخيرًا، إذا كان تعريف التراث هو النتاج المادي والروحي، فإن هذه اللقى الأثرية المادية المدفونة في الأرض والمترامية عليها يجب أن تتكامل مع ما هو مدفون في أرواحنا من حكايا وطقوس وأمثال شعبية وأغاني وعادات، ليشكل كل منها مفتاحًا للآخر، وتشكل مجتمعة مراجع للكشف عن كل النشاطات الحضارية التي ننتمي إليها.

أما المؤلف خالد حسين أيوب فباحث فلسطيني- سوري، يهتم بالآثار والتاريخ وعلوم اللغات القديمة، أصدر في دمشق عام 2088 كتابًا بعنوان "وجه آخر لتاريخ فلسطين- نقد التاريخ المتداول"، وفي عام 2009 كتابًا بعنوان "أخطار القراءات الخاطئة للنصوص الاثرية على الثقافة العربية".