13-أكتوبر-2018

هكذا كان نديم قطيش في إحدى حلقاته (يوتيوب)

أثارت حادثة اختفاء الصحافي السعودي جمال خاشقجي، والأصابع والأدلة التي رجحت اغتياله في السفارة السعودية في اسطنبول، انتباه وقلق المتابعين والمراقبين. فيما كان لافتًا عجز المؤسسات الدولية والدول الكبرى عن كشف مصير خاشقجي، برغم مرور أكثر من عشرة أيام على الحادثة. شعر العاملون في مجال الصحافة، الإعلام، ومجالات الحريات الرقمية بالدهشة، ووجدوا نفسهم فجأة بدون أي غطاء، وتبيّن لهم بالدليل القاطع، أن لا شيء قادر على حمايتهم من مصير مشابه لمصير جمال خاشقجي، لا كونك تعمل في الولايات المتحدة وتكتب في صحفها، ولا كونك متواجدًا في مقر دبلوماسي كقنصلية بلدك الأم، حيث من المفترض أن يحصل فيها المرء على الأمن والحماية!.

حاول نديم قطيش إيهام المشاهد أنه يبني رواية متماسكة عن قضية خاشقجي، وأن كل المتداول والموثق بشأنها ما هو إلا استهداف للسعودية!

 الرعيل الأكبر من الصحفيين والناشطين اللبنانيين، ومن الانتماءات السياسية المختلفة، أدانوا بشدة ما حصل مع خاشقجي، واعتبروا أن كشف مصيره هي مسألة ملحّة إنسانيًا وأخلاقيًا، وأن مرور حادثة تصفية جسدية بسبب كلمة ورأي مرور الكرام، من  شأنه أن يعرض جميع من يعمل في مجالات الصحافة لمصير مشابه، وبالتالي فإن معظم الآراء في هذا المجال كانت متشابهة، باستثناء بعض الأصوات التي أرادت أن تغرّد خارج السرب، والتي لم تتصرف بالوعي والضمير المهني اللازم، في مسألة حيوية مرتبطة بزميل لهم، ومتعلّقة بالحريات أمام بطش دولة اعتادت الاستهانة بالحريات كما بحيوات البشر.

اقرأ/ي أيضًا: كيف ورط خاشقجي السعودية باختفائه أكثر من مقالاته؟

أما الإعلامي اللبناني نديم قطيش على سبيل المثال، ومن اللحظة الأولى لتصاعد ملف خاشقجي، كان يرفض ويسخّف كل المعلومات والتسريبات التي تشير إلى تورّط السعودية في إخفاء، أو قتل، الإعلامي السعودي. واستخدم قطيش لهذه الغاية حسابه على تويتر، وبرنامجه التلفزيوني DNA، الذي كان يعرضه تلفزيون المستقبل في السابق، قبل أن ترفض المحطة الاستمرار بعرضه بسبب خلافات مع قطيش، فتبنّت محطة العربية/الحدث عرض البرنامج. 

اللافت أن قطيش قال يومها إنه سيجد مساحة وحرية أكبر في القناة السعودية التي تبث من الإمارات، وأن البرنامج يمثل أراءه الشخصية، وأن الحدث تقوم فقط بعرضه. لكن  الجمهور لاحظ مع الوقت أن البرنامج هو انعكاس للسياسة السعودية وخطابها وأدبياتها بالكامل، ودور البرنامج بات يقتصر على هذه النقطة. وما الهجوم العنيف الذي شنَه قطيش قبل أيام في DNA على الإعلامية والنائب في البرلمان اللبناني بولا يعقوبيان، التي كانت قد أجرت مقابلة مع رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري خلال فترة احتجازه في الرياض قبل سنتين، سوى دليل على السياسة الجديدة لقطيش. فقد حمل على يعقوبيان بشدة بسبب تصريحها أخيرًا، التي أكدت من خلالها أن المعلومات التي تجمعت لديها تؤكّد فعلَا أن سعد الحريري كان محتجزًا في السعودية. وقد عنون قطيش حلقته ضد يعقوبيان، زميلته السابقة في تلفزيون المستقبل بـ"بولا يعقوبيان، مصداقية على المحك". 

أما في موضوع خاشقجي، دأب نديم قطيش منذ اللحظة الأولى لانتشار الخبر، إلى محاولة تكذيب كل الوقائع التي كانت تظهر تباعًا، والتي تشير إلى تورط السعودية في الحادثة. وأعاد نشر تغريدات ومقالات لصحفيين سعوديين تقلل من قيمة المعلومات التي شاعت فاضحة المصيبة التي تكبدتها السعودية بانتهاكها مصير خاشقجي.

لم ينتبه نديم قطيش أن الدفاع عن جرائم السعودية، مهمة أصعب بكثير من موجات الهجوم المفتوح التي يستسهل شنها على حزب الله اللبناني وإيران

في حلقته التي عنونها بـ"خاشقجي ومسرحية مجموعة الـ15" استخدم قطيش خبرته وتجربته في هذا النوع من القضايا، لمحاولة إظهار أن قضية خاشقجي تستخدم للهجوم على السعودية، محاولًا الإفادة مما أسماه تناقضًا في بعض الروايات والتغريدات، ليضعها في خانة وجهة النظر السعودية. مع العلم أن ظهور عشرات الروايات مرده إلى غياب الرواية الحقيقية، والتي من واجب السعودية نفسها أن تكشفها. فالقضية تتعلق بمعارض سعودي اختفى في القنصلية السعودية.

اقرأ/ي أيضًا: هل تمتلك تركيا تسجيلات لعملية اغتيال خاشقجي؟

أيضًا، حاول قطيش تجيير التذبذب في الروايات بشأن مصير خاشقجي للقول من خلاله أن السعودية تتعرض لمؤامرة، فيما تجاهل عشرات الأسئلة التي دارت في أذهان المتابعين، الذين شعروا بالقلق على مصير إعلامي وصحافي لا يملك إلا الكلمة، حول تعامل السعودية بخفة كبيرة وبعدم مسؤولية مع قضية بهذا الحجم. وقد حاول اختزال الموضوع، باستعارة فاضحة من قاموس بروباغندا السعودية، بأنه من خيال ما سماه "الإعلام القطري".

ربما اختار قطيش ما يناسبه من الموضوع، أو ما يناسب ممولي برنامجه والرقباء عليه. كما حاول قطيش إيهام المشاهد أنه يبني رواية متماسكة عن القضية، وأن كل المتداول والموثق بشأنها في الإعلام العربي والعالمي ما هو إلا استهداف للسعودية، وكأن السعودية لم تجرم بحق خاشقجي، أو على الأقل لم تستطع تبرأة نفسها من ملفه، فهل يقتنع الجمهور بمحاولات قطيش التي يعمها التوتر والصوت المرتفع والإلهاء البصري والتعويم الخطابي، رفقة الإخفاق الكوميدي؟. ربما، أيضًا، لم ينتبه قطيش أن الدفاع عن جرائم السعودية، مهمة أصعب بكثير من موجات الهجوم المفتوح التي يستسهل شنها على حزب الله اللبناني وإيران، من زاوية تحريض سعودية، أكثر من تناولهما نقديًا ضمن الخصوصية اللبنانية في برنامجه "اللبناني" أساسًا! 

 

اقرأ/ي أيضًا:  

بعد تعاطفهم مع خاشقجي.. أمراء سعوديون يختفون أيضًا!

كيف اختطفت السعودية خاشقجي من اسطنبول؟