28-يناير-2018

من المسلسل

في مسلسل "الناجي المعين- Designated Survivor"، يتم تفجير نخبة أمريكا السياسية بأكملها في لحظة. بعد ذلك تفرض الأوضاع اللاحقة على سياسي عديم الخبرة مهمة مساعدة وقوف أمريكا مرة أخرى على قدميها. هذا مسلسل ملائم تمامًا لعهد دونالد ترامب الذي نعيشه حاليًا.


هل دُمّر النظام السياسي للولايات المتحدة على يد الرئيس الحالي دونالد ترامب؟ في الحقيقة إن التدمير كلمة مهذبة لوصف ما يفعله الرئيس الأشقر بميراث المنصب الذي شغله في فترة غفى فيها الزمن قبل أن يستيقظ العالم على مفاجأة أمريكية خالصة، جعلت سيناريوهات "القيامة المبكرة" حاضرة في مناقشات ما بعد إعلان نتيجة الانتخابات الأمريكية أواخر 2016. حبرٌ كثير أسيل وأياد مرهقة حاولت تفسير الأسباب والسياقات التي أوصلت "أكبر ديمقراطية في العالم" إلى تلك الحفرة بلا قاع، والآن ندخل العام الثاني من رئاسة ترامب بطموحات أقل وأمنيات متعددة بأن تمرّ فترته الرئاسية بسلام أو على الأقل بأخفّ الأضرار الممكنة.

في مسلسل "الناجي المعين Designated Survivor" تتماس الدراما مع الراهن الأمريكي المعاش

في مسلسل "الناجي المعين Designated Survivor" تتماس الدراما مع الراهن الأمريكي المعاش، بل إنها تستشرفه (بالنظر إلى ظهور الموسم الأول من المسلسل قبل انتخاب ترامب رئيسًا)، حيث يأتي رجل من خارج صندوق التوقعات والمنطق ليصبح رئيس أقوى دولة في العالم. رجل تتحكم يمينه في السلاح النووي، وعلى يساره ملفات تؤثر في حياة الملايين داخل وخارج أمريكا من قوانين للرعاية الصحية وتقنين استخدام الأسلحة وحظر الهجرة. وفي الوقت ذاته، يعيش الحزبان الأقوى في البلاد حالة من العبث والفوضى الكاملين.

اقرأ/ي أيضًا: أن تكون بابلو إسكوبار 

يبدأ الأمر بمصادفة قدرية تهيّئ المجال للوافد الجديد، حيث يتكفّل هجوم إرهابي على مبني الكونغرس بالقضاء على جميع أفراد الإدارة الأمريكية الحاضرين أثناء إلقاء الرئيس الأمريكي "خطاب الاتحاد" السنوي. توم كيركمان (كيفر سثرلاند) وزير التنمية المحلية هو الناجي الوحيد من تلك المقتلة، وعلى ذلك يتم اختياره رئيسًا للولايات المتحدة، رغم حالة الرفض والشكّ المحيطة به، تمامًا كما حدث مع دونالد ترامب رغم مجيئه إلى الكرسي انتخابًا لا تزكية. توم كيركمان وزير شاب مغمور شحيح الخبرة السياسية يجد نفسه فجأة أقوى رجل في العالم دون انتخابات، نتيجة صدفة قاتلة أخلت مقعد الرئاسة وأودت بحياة كل من يٌفترض بهم خلافة الرئيس في حال وفاته. التقاطع بين ترامب وكيركمان في قلة الخبرة السياسية جعل العديد من النقاد يرشّحون المسلسل كي يجعله ترامب على جدول مشاهداته التلفزيونية، خصوصًا بعد ما كشفته تقارير صحفية عن أنه يشاهد التلفزيون 8 ساعات يوميًا.

تختلف مهمة كيفر سثرلاند هنا عن دور العميل جاك بور في مسلسله الشهير "24". فليس المطلوب من منه حماية الرئيس الأمريكي من هجمات إرهابية، وليس مواجهة الإرهابيين بوسائله الخاصة المخالفة للقانون أحيانًا، بل إنه ينضم لقائمة الممثلين الذين جسّدوا شخصية الرئيس الأمريكي نفسه. فما الجديد الذي يضيفه إلى سثرلاند إلى شخصية ساكن المكتب البيضاوي، وكيف تختلف المعالجة هنا عن شخصية الرئيس التي قدّمها الممثل المغضوب عليه حالياً كيفن سبايسي في مسلسل "هاوس أوف كاردز

لا ينتمي توم كيركمان إلى أي حزب سياسي، ولا يملك الخبرة السياسية، ولا المهارات الدبلوماسية، لكنه متعلم ووديع ويبذل قصارى جهده لإخراج لبلاد من أسوأ أزماتها وإثبات كفاءته. لديه مهمة أولى تتمثل في الوصول والقبض على الإرهابيين المسؤولين عن الهجوم، في الوقت نفسه الذي من المفترض به القيام بما يلزم للحفاظ على وحدة واستقرار الولايات المتحدة. رئيس بلا خبرة سياسية ولا قاعدة شعبية يمكن أن يكون ألعوبة في يد مستشاريه، وقد يتخطاه وزراء في اتخاذ قرارات سياسية حاسمة نتيجة غياب الثقة في قدرته على اتخاذ القرار، وقد يتمرّد حكّام ولايات منتخبة على سلطة الرئيس، وهذه بعض المشكلات التي يواجهها الرئيس الجديد توم كيركمان.

توم كيركمان، كما يقدّمه مسلسل Designated Survivor، هو أفضل رئيس حظيت به الولايات المتحدة تلفزيونيًا: دائمًا يتخذ القرار الصحيح، يقول دائمًا الشيء الصحيح، ذكي، وفي الوقت نفسه لديه القلب المتسع لمواطنيه. يوتوبيا كاملة تهيّج لدي المتفرج أمنيات تتعلق بحقيقة وجود مثل هذه الديمقراطية المثالية التي يُظهرها المسلسل. لكن الواقع أن الديمقراطية أيضًا ليست مثالية ونقية على طول الخط، لأن السياسة عمل قذر أصلًا. في ذلك الجانب، فإن "الناجي المعين" أميل إلى كونه إباحية سياسية تمتح من خيال قذر مناهض لفكرة الديمقراطية نفسها وتبرّر كل وسائلها من أجل الوصول إلى غاياتها، الطيبة والجميلة بالضرورة. فبدلًا من الركون إلى مشتبه نمطي معتاد في مثل هذه الهجمات الإرهابية، حيث تشير التحقيقات الأولية لإحدى التنظيمات الإسلامية المتطرفة في الجزائر بالوقوف وراء الهجوم؛ تتبنّى عميلة فيدرالية احتمال وجود أيادٍ داخلية وراء تنفيذ عمل بهذا الحجم المؤثر. أي رئيس لا يناسبنا سوف يتم تفجيره، وبدلًا منه سنأتي بحاكمٍ متعلم معطاء. هذه رسالة ملفتة في حد ذاتها.

توم كيركمان، في مسلسل "الناجي المعين Designated Survivor، هو أفضل رئيس حظيت به الولايات المتحدة تلفزيونيًا

في الموسم الثاني من مسلسل Designated Survivor، والذي بدأ عرضه على شبكة إيه بي سي الأمريكية أواخر أيلول/سبتمبر الماضي ويستمر حتى آذار/مارس القادم، يمتد تشابك الخطوط الدرامية بين الصراع الأخلاقي والواقع السياسي المركب، حيث نتابع الرئيس كيركمان بعد عام كامل من توليه المسؤولية وقد أحكم غلق الحلقة على الإرهابيين الذين دمّروا العاصمة، متابعًا إدارة الملفات اليومية للأزمات داخل الجناح الغربي في البيت الأبيض، جنبًا إلى جنب الشروع في معالجة بعض المسائل الأكثر إلحاحًا وإثارة للجدل في العالم بمساعدة مستشاريه. وفي الوقت نفسه، يتعيّن عليه مواجهة شخصيات قوية بالدولة تعارض وجوده في المنصب، وفي مقدمتهم وزير الدفاع الميّال لاتخاذ قرارات عسكرية هجومية سريعة على دول أخرى لاستعادة هيبة الولايات المتحدة بعد أكبر هجوم إرهابي تتعرض له البلاد منذ 11 أيلول 2001.

اقرأ/ي أيضًا: "Mindhunter".. رحلة شاقة وأنيقة داخل عقل السفاحين

يملك مسلسل Designated Survivor بداية وعرة نوعًا، رغم أن الحلقة الأولى منه تقدم جرعة حافلة بالدراما والإثارة والغموض، إلا أنه بتطور الأحداث تظهر بعض الرعونة في تسيير القصة مصحوبة بتغيّرات فائضة في الحبكة الدرامية لا تنجح غالبًا سوى في تزويد الحلقات بخطوط حوارية مهتزة إلى حدّ بعيد. قوة المسلسل الأساسية تعتمد على مزيجه من الإثارة والسياسة وتقديم حبكة متماسكة، ولذلك فإن محبي الدراما السياسية سيجدون غايتهم في ذلك المسلسل بتقلباته الدرامية المثيرة خلال الحلقة الواحدة ما يجعل مشاهدة الحلقة التالية أمرًا مفروغًا منه. هو "ميكس" مضبوط نسبيًا يجمع بين تشويق مسلسل "24" و دراما "الجناح الغربي"، ومن المثير فعلاً أن تجد نفسك قد شاهدت 22 حلقة –هي عدد حلقات الموسم الواحد- في ومضة، رغم ما قد يعترضك من فجوات ومطبات درامية ساذجة.

اقرأ/ي أيضًا:

10 مسلسلات ترافق سهراتك السعيدة

صراع العروش.. حين يضعك الإبداع في مأزق