06-مارس-2016

برنامج ذا فويس

لست من متابعي برنامج The voice لا للكبار ولا للصغار ولا غيره من برامج المواهب الغنائية التي يستعرض المواهب، فهي برامج جماهيرية اشتهرت في عالم الاعلام منذ سنوات واستطاعت أن تنافس استحواذ وسائل التواصل الاجتماعي من فيس بوك وتوتير وأنستي غرامو وسناب شات .. إلخ على مزاج الجماهير، قبل أن تصبح مقاطع هذه البرامج إحدى أهم المواد التي تغذي وسائل التواصل الاجتماعي ويتبدالها الجمهور بمئات آلاف المشاركات وملايين الإعجابات.

هل يستحق تامر حسني أو نانسي عجرم أن يكونا أعضاء في لجنة تحكيم أم أن الأمر فقط يتعلق بنجوميتهما؟

لست من متابعي برامج المواهب إلا ما يمر منها على صفحات التواصل الاجتماعي، أعجب فيهم أحيانا وأحيانا أخرى أتجاهلهم، إلى أن أتاح لي تطبيق "يوتيوب" على شاشة التلفزيون الذكي أن أحضر سلسلة متكاملة لبرنامج أحلى صوت "The voice" الخاص بالمواهب الغنائية للأطفال الذي يعرض على قناة MBC.

اقرأ/ي أيضًا: الانتحار..غول أطفال تونس

لنتذكر أن البرنامج اللبناني الشهير "ستديو الفن" الذي كان يعرض سابقًا على القنوات الأرضية اللبنانية كان سابقًا عليها وكانت له شهرته وخرّج أغلب الفنانين العرب الكبار اليوم، ولكن ليس كما هو عليه الانتشار الفطري لبرامج المواهب في وقتنا هذا، ولكن كان لذلك البرنامج وغيره وقته.

 حقيقة أصابني الذهول وأنا أتابع النسخة الجديدة من برامج المواهب متسلسلة على قناة يوتيوب بدون تفاصيل سير عمل البرنامج، يالعظمة تلك الأصوات المختبئة داخل جدران المنازل! والتي أتاحت مثل هذه البرامج الجماهيرية تسليط الضوء عليها، ما كان يساورني وأنا أتابعها سؤال مفاده:

كيف يمكن لتامر حسني أو نانسي عجرم وهم أعضاء لجنة التحكيم أن يقيموا أنفسهم أولًا وهم يسمعون تلك الأصوات المذهلة؟

هل يستحق تامر حسني أو نانسي عجرم أن يكونا أعضاء في لجنة تحكيم أم أن الأمر فقط يتعلق بنجوميتهما؟

في برنامج استديو الفن اللبناني سابقًا، كان من ضمن أعضاء لجنة التحكيم شعراء كبار وموسيقيين كبار وكتاب كبار، لكن برامج اليوم يتم اختيار لجنة التحكيم على الأغلب اعتمادا على نجومية الفنان، إذ لا يكف فقط أن يكون الموسيقا كاظم الساهر عضوا فيها فهو بحاجة لفنانين كبار يساندونه في هذه المهمة الصعبة.

من ناحية أخرى أتابع على القنوات الأمريكية والأوربية ـ التي كانت وراء الانتشار الكبير لمثل هذه البرامج الجماهيرية بعد دراسات حثيثة لأذواق الجماهير ـ وأشاهد برامج جماهيرية متنوعة ليس في عالم الغناء فقط وإنما في مجال العلوم والاختراعات والفنون الأخرى وهو ما يغيب للأسف عن شاشاتنا العربية التي تستنسخ فقط تجربة البرامج الأكثر اهتمامًا والتي تدر عليها الأرباح الكبيرة.

كانت حسرتي مزدوجة لماذا لا نسلط الضوء على المبدعين من الأطفال من مجال الفن بشكل عام وفي مجال العلوم وفي مجال الاختراعات؟، هل لأن "الجمهور" عاوز كده فقط؟ أم لسياسات إعلامية تآمرية على المواهب الكثيرة في عالمنا العربي في المجالات الأخرى؟ أم لأن القنوات الإعلامية صاحبة الشأن ترمي من خلف سياستها الإعلامية إلى تسطيح اهتمام الجماهير ـ دون أن نبخس طبعًا من عظمة المواهب الغنائية ؟

اقرأ/ي أيضًا: شوكولاتة القهر..المعذبون على درب الكاكاو

 أعلم أنه كان هناك بعض البرامج الجماهيرية العلمية لكنها ليست على قدر حجم "مبدعينا" الصغار، وأعلم أن أرباحها وعائداتها على القنوات العربية ليست كما هي عليه الحال في "برامج الغناء"، ولكن للوسيلة الإعلامية دور أساسي في الارتقاء بمزاج الجماهير واهتماماتهم وهو ما نجده واضحا لدى المحطات الأمريكية والأوروبية، ولكنه يكاد يغيب عن شاشات العالم العربي.

للرسام السوري الراحل نذير نبعة مقولة تستحق أن تخلد، عندما يتحدث عن الفن التجريدي في مواجهة الفن التصويري المباشر في عالم الرسم، فالفن التجريدي لا يستهوي ذائقة أغلب الجماهير عكس الفن التصويري الواضح والمباشر، يقول نذكير نبعة: "عندما يولد الإنسان يحب الأشياء الواضحة، يحب الأشياء حلوة الطعم، ويستسيغها لأن غرائزه تدله أن الحلو مفيد له. عندما يكبر قليلًا من الممكن أن يحب الحامض لأنه واضح، وينتقل من طعم واضح إلى آخر كلما كبر، لكن عندما تصل الى عمر تأكل فيه زيتونة وتقول: الله ما أطيب مرارها، هنا تكون قد طورت حواسك من الحالة الغريزية الى الحالة الأسمى، الحالة الإنسانية، التي تستطيع التعرف حتى على روعة مذاق المرار. ليس المطلوب من الفن أن يكون شعبيًا، المطلوب منه أن يطور ذائقة البشر، أن يطلعه على أشياء غير مألوفة له، تحتاج إلى تدريب للوعي، تدريب للثقافة، تدريب على تقبل الجديد.. لن تكون حرًا، وأنت أسير الذائقة الغريزية التي ولدت بها".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

مشاريع تونس الكبرى..الوعود المنتظرة

ملائكة وشياطين..سيرة مساجين القاهرة