07-سبتمبر-2018

من الفيلم

تغيرت مكانة وأدوار النساء في أفلام الجاسوسية بعدما كانت في السابق تقتصدر على لعب دور جنسي في مسيرة البطل الرئيسي. فيلم "الجاسوس الذي تخلى عني - The Spy Who Dumped Me" يقدم صورة جديدة لهذا النوع من الأفلام. المقال المترجم عن الغارديان يقرأ هذا التحول.


ينفصل حبيب أودري (والتي تلعب دورها ميلا كونيس) عنها برسالة نصية، في فيلم "الجاسوس الذي تخلى عني" (The Spy Who Dumped Me). تحثها صديقتها المفضلة، مورجان (والتي تقوم كيت ماكينون بدورها) على حرق ممتلكات حبيبها السابق، ليظهر أمامهما ويُغتال أمام أعينهما. نعم، لقد كان جاسوسًا. تنطلق البطلتان بين البلدان الأوروبية سعيًا وراء هدف ما، وبحوزتهما وحدة للذاكرة الفلاشية، في رحلة تتفاديان فيها الرصاص وتغازلان العملاء من الجنسين، رحلة تسفر عن عدد غير متوقع من القتلى بالنسبة لفيلم من فئة الكوميديا والإثارة.

ظل الدور النمطي للمرأة في أفلام الحركة والإثارة والجاسوسية، حتى وقت قريب، محصورًا في إمداد البطل بعلاقة جنسية لليلة واحدة

ظل الدور النمطي للمرأة في أفلام الحركة والإثارة والجاسوسية، حتى وقت قريب، محصورًا في إمداد البطل بعلاقة جنسية لليلة واحدة، قبل أن يمضي كل في سبيله إذا كانت المرأة محظوظة، أما إن لم تكن، فمصيرها الغرق أو الاختناق بطلاء ذهبي أو نفط خام. أما إن كانت النساء هن زوجات أو خليلات، فعادة ما يُقتلن أو يُختطفن، وكأن الأبطال لا يتمتعون بما يكفي من الإيثار لإنقاذ العالم من دون دافع أكثر شخصية للقيام بالصواب.

اقرأ/ي أيضًا: كونستانس وُو.. كيف فرضت آسيا وجوهها في هوليوود؟

أما الآن، فلا يقتصر الأمر فقط على مشاهدتنا لعدد من الأفلام التي تلعب فيها النساء دور البطولة سواء عن عميلات للاستخبارات أو قاتلات مأجورات (مثل Atomic Blonde ،Unlocked ،Proud Mary ،Terminal)، لكننا أيضًا نرى نوعًا فرعيًا تُخلط فيه الرومانسية الكوميدية والإثارة والحركة معًا.

يُعد فيلم "الجاسوس الذي تخلى عني" أحدث هذه الأفلام التي تخلط الأنواع الثلاثة معًا، حيث تروى القصة من وجهة نظر الأنثى، ويبدأ بعدم معرفة البطلة بأن حبيبها أو زوجها يحيا حياة ذات طبيعة مزدوجة. لا يزال هناك نزوع بائس لاختطاف البطلة، لكن على الأقل يُتاح لها ضرب من الوجود يتجاوز مجرد كونها عنصرًا للتفاوض.

رأينا هذه الحبكة من قبل في فيلم "أكاذيب حقيقية - True Lies"، إذ أخفقت هيلين تاسكر (التي لعبت دورها جيمي لي كورتيس) بطريقة ما ولمدة خمسة عشر عامًا، في اكتشاف أن زوجها (يقوم بدوره أرنولد شوارزنيجر) ليس بائع حواسيب ممل بل إنه يتنقل حول العالم محاربًا الإرهاب العالمي. وفي فيلم"قتلة - Killers"، حيث تُعجب جين (كاثرين هيجل) بسبينسير (أشتون كوتشر) ذي المظهر الجذاب دون أن تلاحظ تغيبه القصير بين مواعيدهما الغرامية ليفجر بعض المروحيات. وفي فيلم "الجاسوس المجاور - The Spy Next Door" لا تشك غاليان ( تقوم أمبير فاليتّا بدورها) بأن صديقها الحميم (جاكي شان) هو في الواقع عميل سابق لوكالة الاستخبارات المركزية، يحتفظ على حاسوبه بصِيَغ ومعادلات بالغة السرية. وفي فيلم "هذا يعني الحرب - This Means War"، تواعد لوران (ريس ويذرسبون) رجلين (يقوم بدورهما كرييس باين وتوم هاردي) دون أن تدرك بأن هؤلاء المتنافسين في الحب كليهما عملاء لوكالة الاستخبارات المركزية. وأما في فيلم "فارس ونهار - Knight and Day"، لا تملك جون (كاميرون دياز) إلا أن تدرك الحقيقة بسرعة، حين يقوم الرجل الذي تحبه (والذي يقوم توم كروز بدوره) بالتخلص من كل أفراد طاقم الطائرة التي يستقلانها قبل الهبوط بها اضطراريًا.

استُخدمت هذه الحبكة بوضوح في الجزء الثالث من فيلم "مهمة مستحيلة - Mission: Impossible III" حيث ظلت خطيبة إيثان هانت لا تعلم شيئًا عن حياته المزدوجة إلى أن اختطفها شرير الفيلم. ثم تكرر النمط مع عدة تغييرات طفيفة في فيلم "السيد والسيدة سميث - Mr and Mrs Smith"، حيث يدرك زوج وزوجته (يقوم براد بيت وأنجلينا جولي بتأدية أدوارهما) أنهما في الواقع أخطرالقتلة المأجورين في العالم (ولكن ليس أكثرهم سرعة في الملاحظة على ما يبدو). وكذلك في فيلم "مواكبة آل جونز - Keeping Up with the Joneses"، حيث يكتسب زواج جيف (زاك غاليفياناكيس) وكارين (إسلا فيشير) الممل حيوية كان يحتاجها بشدة حين يتضح أن جيرانهما جواسيس في الواقع.

إلا أنه لا يوجد فيلم من تلك الأفلام التي تخلط الكوميديا والإثارة والرومانسية معًا يوازن بينها بشكل مثالي كالنموذج الأنيق لهذا النوع من الأفلام، فيلم "الأحجية - Charade"، حيث تدرك البطلة التي ترملت حديثًا (أودري هيببورن) بأنه ما من رجل جدير بالثقة، ولا حتى زوجها المتوفي.

فيلم "الجاسوس الذي تخلى عني" يهمش الرومانسية في سبيل نقطة ارتكاز الحبكة الحقيقية، ألا وهي الصداقة بين النساء.

في الحياة الحقيقية، حين تدرك النساء ارتباطهن بعلاقات طويلة الأمد مع رجال يتضح لاحقًا أنهم عملاء سريين، دون علمهن، فإنهن وعلى نحو مفهوم، يدخلن في صدمة عنيفة إذ يدركن أنهن كُن يعشِن كذبة. ولكن النوعية السطحية من هذه الأفلام نادرًا ما تظهر فيها مشاكل حقيقة في الثقة بين الطرفين، إذ غالبًا ما تصور المشاهد الأخيرة من الفيلم البطلة وهي تنضم للبطل في لعبة التجسس المبهرة. فيلم "الجاسوس الذي تخلى عني" لا يعيد بالضبط صياغة قواعد ذلك النوع من الأفلام، لكنه يهمش الرومانسية في سبيل نقطة ارتكاز الحبكة الحقيقية، ألا وهي الصداقة بين النساء.

اقرأ/ي أيضًا: ماذا تقول جائزة الأوسكار لأفضل فيلم "جماهيري" عن مستقبل صناعة الأفلام؟

ربما، يومًا ما، سينتج أحدهم فيلمًا أكثر أمانةً لقصة "الجاسوس الذي أحبني - The Spy Who Loved Me" الذي لعب بطولته روجر موور في عام 1977، والذي حمل نفس اسم إحدى قصص إيان فليمنج، لكن لم يستخدم نفس الحبكة التي حاول إيان فليمنج فيها كتابة قصة لجيمس بوند من وجهة نظر فتاة بوند (الفتاة الجذابة التي تظهر عادة في قصص جيمس بوند كحبيبة أو كعدوة). في الرواية، يظهر العميل 007 (الرقم الرمزي لجيمس بوند)، تقريبًا كشخصية ثانوية، تظهر في الوقت المناسب لتنقذ راوية القصة من الاغتصاب والقتل. وعلى الرغم من مشكلة القصة الناتجة عن عدم قدرة فليمنج من خلق شخصيات نسائية مقنعة (والتي تبرأ منها الكاتب نفسه لاحقًا)، تقوض القصة رواياته الأخرى، إذ ينتهي فيها بأسى إلى أن العملاء السريين الجذابين، حتى لو كانوا رجالًا جيدين، يبقون سيكوباثيين غير قادرين على تشكيل علاقات ذات معنى، وقطعًا لا يصلحون كشريك عاطفي جيد.

اقرأ/ي أيضًا:

الذاكرة تستيقظ.. عن الخارقين وسحر الغرائبي

"يوم أضعت ظلّي".. عرض موت الأمل السوري في مهرجان البندقية