22-ديسمبر-2016

رئيس الفلبين رودريغو دوتيرتي(جاس أزنار/Getty)

في هذا العام الذي شارف على الانتهاء صعد إلى سدّة الحكم رجلّ سلطويّ لا يأبه كثيرًا بآراء منتقديه ويثير الكثير من اللغط والجدل بسبب تصريحاته وعزمه على فعل أيّ أمر لضبط حكم القانون في بلاده والحدّ من الجريمة وانتشار المخدّرات فيها. وقد رصدت البي بي سي جوانب هذه الحملة وأبعادها على الحراك السياسيّ في الفلبين في هذه المادّة التي نقلنا طرفًا منها إلى العربيّة بتصرف.

شاع لقب "المعاقِب" لوصف دوتيرتي، الرجل "طويل اليد" الذي وعد أثناء حملته الانتخابية بعقاب جميع من يشتبه بترويج المخدرات واستخدامها

شاع لقب "المعاقِب" لوصف هذا الرجل "طويل اليد" أثناء حملته الانتخابية التي وعد فيها بعقاب جميع من يشتبه بترويج المخدّرات واستخدامها. وقال إنّ المروّجين سيصبحون "طعامًا للأسماك في خليج مانيلا". وقد قُتل بالفعل في أول مئة يوم من حكمه أكثر من 1900 شخصٍ في ملاحقات ومداهمات متعلّقة بالحرب على المخدّرات في الفلبين، وذلك بتوجيهات مباشرة من دوتيرتي. ولعلّ صراحة الرجل وحسمه في الكلام هو ما أكسبه هذه الشعبيّة والتأييد في الفلبين، وهو أمر لم يكن ليتحقّق بهذا الشكل الواسع إلا بفضل وسائل التواصل الاجتماعيّ، التي استغلها الرجل ومسؤولو حملته الانتخابيّة أحسن استغلال، حتّى صار ما حقّقه دوتيرتي من نجاح محلّ بحثٍ ودراسة من قبل الكثير من المعنيين بتأثير الإعلام الجديد ووسائل التواصل الاجتماعيّ في حياة النّاس.

اقرأ/ي أيضًا: أشهر خمسة مواقف مثيرة لرئيس الفلبين

وقد حاولت ماريا ريسا، مؤسّسة موقع Rappler للتواصل الاجتماعي في الفلبين، دراسة هذه الآلة الإعلاميّة الجديدة التي بناها دوتيرتي أثناء حملته الانتخابيّة ولا يزال يعتمد عليها حتّى الآن للحفاظ على شعبيته.

تقول ماريا: "لقد كان دوتيرتي المرشّح الوحيد الذي اهتمّ بجدّ بوسائل التواصل الاجتماعيّ.. لقد كان القائمون على حملته الانتخابيّة يدّعون أنّهم لا يملكون الكثير من المال، ولذلك كانت وسائل التواصل الاجتماعي خيارهم الأفضل كونها مجّانية أصلًا". وهذا ما أكّد عليه أيضًا الرجل الذي كان مسؤولًا عن الاستراتيجيّة الإعلاميّة للرئيس، ويدعى نيك غابونادا، والذي كان رئيسًا تنفيذيًّا لإحدى الوكالات الدعائيّة في الفلبين.

يقول غابونادا: "حين رأينا أنّه ليس لدينا ما يكفي من الأموال للدعاية في التلفاز والراديو واللوحات الإعلانية الكبيرة في الشوارع وغير ذلك من وسائل الدعاية التقليديّة، قرّرنا أنّ نلجأ لوسائل التواصل الاجتماعيّ، وقمنا بإنشاء مجموعات للدعاية وكوّنا تنسيقيّات فيما بينهم".

لقد كان أولئك المنسقون مسؤولين عن مناطق جغرافيّة معيّنة في الفلبين، وكانت هنالك مجموعة خاصّة لتوجيه الدعاية للفلبينيين، الذين يعملون خارج البلاد. وكانت كلّ مجموعة تتلقّى رسائل محدّدة مناسبة لكلّ منطقة وقضاياها وظروفها. كما كانت لدينا "رسالة الأسبوع" وقد كنّا نعطي الحريّة لكلّ مجموعة لتعدّل عليها بما يتناسب مع الفئات المستهدفة لديهم".

وبمساعدة من العاملين في الحملة خارج الفلبّين، فإنّ الآلة الدعائية على وسائل التواصل الاجتماعيّ لدوتيرتي قد كانت نشطة على مدار الساعة.

استغل رئيس الفلبين وسائل التواصل بشكل عبقري خلال حملته الانتخابية وهو ما أدى بكثيرين إلى دراسة تأثير هذه الوسائل في حياة الناس

كما سعت الحملة للحصول على دعم عدد من الشخصيّات المؤثّرة على وسائل التواصل الاجتماعي باستخدام الهاشتاغ #Du30 (للإشارة إلى اسم الرئيس، دوتيرتي). وكان الاختيار يقع عليهم لارتباطهم أحيانًا ببعض المواضيع والقضايا التي كان يركّز عليها دوتيرتي في حملته. فكان بعضهم مثلًا قد عاش تجارب قاسية تسبّبت فيها الجريمة بتدمير حياتهم أو حياة من يحبّون، ومن هؤلاء المغنيّة الفلبينية الشهيرة "موشا أوسن"، والتي قتل والدها على يد إحدى العصابات.

يتابع موشا على فيسبوك أربعة ملايين مستخدم، وقد أنتجت هذه الفنّانة عددًا من الأغاني الداعمة لدوتيرتي كما أدّت فرقتها بعض الحفلات لصالح حملته الانتخابية. وكانت تكتب موشا 20 إلى 30 منشورًا سياسيًّا على الفيسبوك يوميًّا، يتفاعل معها ملايين الناس داخل الفلبين وخارجها. يقول غابونادا: "هذه طبيعة الفلبينيين، إن فهموا رسالتك واقتنعوا بها، فإنّهم يكونون على استعداد للعمل معك. السرّ في حملتنا كان في شعار "حفّز، نظّم، حرِّك"، هذا هو السرّ".

اقرأ/ي أيضًا: مخدر "الجوكر" في الأردن.. شبح عام 2016

كما أنّ هذه الحملة وهذا التركيز على وسائل التواصل الاجتماعيّ لم يتوقّفا بعد فوز دوتيرتي بالانتخابات، وتعلّق ماريا ريسا، مؤسسة موقع رابلر على هذا وتقول: "لقد نجحت الحملة في تغيير بعض القيم والتوجّهات في مجتمعنا، ونحن نشاهد تطوّرات ذلك في الأشهر الأولى من فوز دوتيرتي بالانتخابات الرئاسيّة".

وتتابع ريسا وتقول: "ما نشاهده على وسائل التواصل الاجتماعي ليس إلا حقيقة "مصنّعة" باحتراف.. هنالك تأثير ساحر على الناس العاديين، وحملة ضدّ الصحفيين أيضًا، وهم أوّل المستهدفين، إذ يتعرّضون لتهديدات بالقتل والاغتصاب بشكل مباشر على وسائل التواصل الاجتماعي. ما نشاهده اليوم هو "أسلَحةٌ للكراهية" في رأيي.

وقد تعرّض العديد من الصحفيين والكتّاب الذين انتقدوا دوتيرتي إلى تهديدات خطيرة على الإنترنت. بل وكان الصحفيّون يتلقّون تهديدات مباشرة حتى في المؤتمرات الصحفيّة الخاصة بدوتيرتي، فإن سأل أحدهم سؤالًا فيه نبرة تحدّ وانتقاد، كان يسمع أصواتًا من خلفه/ها تقول "يجب أن تموت"، "سيكون مصيرك الاغتصاب".

ويعلّق غابوناندا المسؤول عن حملة دوتيرتي الدعائيّة ويقول: "هذه الأساليب القذرة لم تكن حصرًا على بعض مناصري الرئيس دوتيرتي. فقد كان ذلك يحصل في حملات المرشحين الآخرين، وهذا أمر طبيعي، إذ تستحيل السيطرة على جميع الناس في عالم التواصل الاجتماعي، فهذه الوسائل منصّة يعبّر فيها كلّ إنسان عن نفسه، وما شهدته هذه الوسائل من حملات لدعم الرئيس دوتيرتي كانت حركات تطوّعية، ولا يمكن بحال السيطرة على كلّ من يساهم فيها".

اقرأ/ي أيضًا:

عرابة الكوكايين التي سبقت بابلو إسكوبار

المغرب.. زراعة الحشيش في دائرة الجدل