12-سبتمبر-2019

وقفة احتجاجية لرفع التجريم عن الإجهاض في المغرب (رويترز)

واكب انفجار قضية اعتقال هاجر الريسوني، الصحفية المتابعة بتهم ضمنها الإجهاض غير المرخص؛ عودة الموضوع إلى واجهة النقاش العام المغربي بعد غيابه طويلًا.

يدق الأطباء والمجتمع المدني ناقوس الخطر حول ممارسات الإجهاض السرية في المغرب المتفشية بأعداد كبيرة بسبب تجريم القانون

ومنذ آخر محاولة لسن قانون منظم له سنة 2015، تم استثناء مطلب تشريع هذا "الحق" في وضع حد لحمل غير مرغوب فيه، الذي كلّت القوى الحداثية والنسوية المطالبة به، لتنتهي الأمور على ما كانت عليه من قبل، مع تغيير بسيط هو: استحداث أعذار شرعية معدودة، فيما يبين رسوخ سطوة المنظور الديني على موضوع الإجهاض.

اقرأ/ي أيضًا: قصص مغربيات اخترن الإجهاض

في المقابل يدق الأطباء والمجتمع المدني ناقوس الخطر حول ممارسات الإجهاض السرية، التي تتفشى بأعداد كبيرة بفعل هذا التجريم، والتي الكثير منها يعرض حياة المرأة للخطر. خطرٌ لا يقل حتى وإن استمرت الأمهات في المحافظة على أجنتهن وتكبد مآسي الضغط الاجتماعي والنفسي عليهن.

عودة موضوع الإجهاض

"إن جوهر الموضوع مرة أخرى ليس هو قضية فلانة، ولا هو ما إذا كانت فعلًا خضعت لعملية إجهاض أم لا، ولا إن كانت قد قرأت الفاتحة مع صديقها أم أنها مارست معه الجنس عن حب وتعلق واختيار"، يدون الناشط الحقوقي المغربي أحمد عصيد.

 

وأضاف أن "جوهر الموضوع الذي نحاول الالتفاف عليه هو حرية هاجر في اختيار نمط حياتها الخاصة، وحريتها في الإجهاض متى شاءت ووقتما أرادت، لأن الأمر يتعلق بجسدها لا بجسد غيرها، وبرغبتها في الإنجاب أو عدمها".

كما اعتبرت الصحفية المغربية سناء العاجي، في مقال صحفي لها، أن "القانون الجنائي المغربي يمنع الإجهاض. لا يمكن أن يكون إلا جزءًا من منظومة قوانين تنتمي للقرون الوسطى. ترسانة قوانين بدائية لا يعقل أن تحكمنا اليوم".

غير هذه الكتابات عشرات مما استثارتها قضية اعتقال الصحفية المغربية هاجر الريسوني، معيدة إلى ساحة النقاش موضوع الإجهاض، من باب أنها "التهمة" الموجهة إليها، وإن كان ثمة حديث عن أنه اتهام ملفق، وأن التقارير الطبية تنفيه، وأن اعتقالها بسبب انتقادها للحكومة.

وبعيدًا عن أي أبعاد أخرى للقضية دخلت القوى النسوية على خطها، مدينة التهم التي تتابع بها هاجر، فأدان البيان الصحفي الذي نشرته فدرالية رابطة حقوق النساء، المنظمة النسوية المغربية، المتابعة القضائية في حق هاجر الريسوني، معلنًا تضامنه التام مع الصحفية المعتقلة.

وهي إدانة يوردها البيان تأكيدًا لموقف الفيدرالية الراسخ بأن "تطور طبيعة العلاقات الإنسانية داخل المجتمع المغربي، وتحولاتها، يجعلها الآن غير قابلة للإدارة بواسطة الأراء المحافظة والفتاوى، كما لا يمكن المساس بها والتضييق على الحريات الفردية للمواطن". ومن هذا المنطلق، دعت المنظمة في بيانها، الحكومة والبرلمان المغربيين إلى تحمل المسؤولية في القضية، وإعادة النظر في القانون الجنائي بالشكل الذي يتوافق والحريات الشخصية للأفراد.

فيما يفصح ذات البيان عن عدد من المعطيات الرقمية، تخص قضية الإجهاض، أهمها أن البلاد تعرف معدل 800 عملية إجهاض سري يوميًا، الكثير منها يجري خارج العيادات الطبية وبوسائل تهدد حياة المرأة.

أرقام يؤكدها البروفيسور شفيق الشرايبي، رئيس الجمعية المغربية لمكافحة الإجهاض السري، في حوار صحفي له، إذ يتحدث عن ما بين 600 إلى 800 عملية إجهاض تتم يوميًا في المغرب. لكنه يعتبر أن "الأرقام لم تعد ذات دلالة كبيرة اليوم، لأن الوضع أصبح معروفًا".

وأوضح الشرايبي أن "الإجهاض ليس مقرونًا دائمًا بالفتيات العازبات أو المغتصَبات، فهناك أمهات وربات أسر متزوجات، ممن يستعملن موانع العمل، لكن يحدث لهن حمل غير مرغوب فيه".

ولفت الشرايبي إلى تخوف الأطباء من المتابعات القانونية، وامتناعهم عن إجراء العمليات حتى في الحالات التي يسمح بها القانون، مقرًا بأن "هذا الخوف أدى إلى نتيجة عكسية تتجلى في العودة إلى الأساليب التقليدية لإنزال الجنين، عبر تناول الأعشاب أو إيلاج مواد عن طريق المهبل للإجهاض، وهذا ما يؤدي إلى مضاعفات خطيرة على صحة المرأة قد تؤدي إلى وفاتها".

هذا فضلًا عن الابتزاز المادي الذي تقوم به ما أسماها "مافيات الإجهاض السري" ضد ضحاياها، إذ قد تصل تكلفة العملية لألف دولار أمريكي.

هذا وكانت فيدرالية رابطة حقوق النساء، قد دعت إلى وقفة احتجاجية أمام المحكمة الابتدائية بالرباط، بالتزامن مع أولى جلسات محاكمة هاجر الريسوني، يوم الإثنين الماضي، حضرتها العديد من الفعاليات النسوية والمناصرين لرفع التجريم عن الإجهاض.

قانون على الورق

سنة 2015، كسر تابو قضية الإجهاض، والذي ضلّ ضمن التابوهات المتوارثة في المغرب، في تحقيق صحفي فرنسي كلّف البروفيسور شفيق الشرايبي منصبه كرئيس لقسم الأمومة في المستشفى الجامعي بالرباط، وإن كان الغرض من تلك الخرجة الإعلامية مكافحة ظاهرة الإجهاض السري الخطيرة صحيًا واجتماعيًا.

ومع ظهور قضية البروفيسور الشرايبي على سطح الرأي العام، حرك معه الجدل الراكد مجددًا، وأسال معه مدادًا كثيرًا. وكانت في الساحة المغربية جبهتان تتناطحان: الجبهة المنادية برفع التجريم والتي تضم القوى النسوية والحداثية والأحزاب السياسية اليسارية التي منها من كان في الحكومة آنذاك، والجبهة الأخرى المحافظة التي يمثلها الإسلام السياسي وعلى رأسه العدالة والتنمية، صحبة شيوخ وجماعات دعوية.

وآنذاك قامت آنذاك قومة الإسلاميين لتحريم الإجهاض، مقوين معارضتهم بتفسيراتهم الدينية. وكان في المقدمة الفقيه المغربي مصطفى بن حمزة الذي قاد مرافعته باستنكاره استعمال مصطلح "الحمل غير المرغوب فيه"، قائلًا: "لإننا لسنا في الدنيا برغبة أحد، فلو كان الأمر بيد الناس لما كان الكثيرون على قيد الحياة".

وأعلن مصطفى بن حمزة معارضة صارمة للشرعنة "الوضعية" للإجهاض، فيما كتب الفقيه أحمد الريسوني، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أن "فلسفة الإجهاضيين الجنسانيين التي يعلنونها دومًا هي: أن كل علاقة جنسية رضائية فهي مشروعة، ولا ينبغي لأحد أن يعكرها أو يضيق عليها، لأن كل واحد حر التصرف في جسده". معتبرًا أن رفع التجريم عن الإجهاض هدفه شرعنة لما يعتبره فساد أخلاقي للممارسات الجنسية الرضائية.

وأمام ازدياد حدة الصدام بين التيارين، والجدل الذي أثاره إعلاميًا، تدخل الملك بالتحكيم بين الفرقاء آمرًا وزير العدل ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية ورئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بالانكباب على دراسة موضوع الإجهاض، بالتنسيق والتعاون مع المجلس العلمي الأعلى.

وأفضت الدراسة ومشاورات إلى توصيات لتعديل القانون الجنائي المتعلق بالقضية، وذلك بتشريع الإجهاض في ثلاث حالات: أولًا عندما يشكل الحمل خطرًا على حياة الأم أو على صحتها، ثانيًا في حالات الحمل الناتج عن اغتصاب أو زنا المحارم، ثالثًا في حالات التشوهات الخلقية الخطيرة والأمراض الصعبة التي قد يصاب بها الجنين.

هاجر الريسوني
من الوقفة الاحتجاجة على اعتقال الصحفية هاجر الريسوني

وعلى ذلك صادقت الحكومة سنة 2016 على مشروع قانون هو الأول من نوعه حول تقنين ظاهرة الإجهاض بالمغرب، لكنه قانون لم يعرف النور لليوم!

ظلال "قضية الريسوني" على الدخول البرلماني

"قانون الإجهاض" الذي بقي طي أدراج الحكومة ثلاث سنوات، دون طرحه للبرلمان بهدف التصويت عليه، عاد للواجهة من جديد بقضية الريسوني، فبحسب ما أوردت تقارير صحفية، فإن لجنة العدل والتشريع داخل البرلمان المغربي حددت يوم 20 أيلول/سبتمبر الجاري، آخر أجل لتقديم التعديلات على مشروع القانون الذي يتضمن مقترح الحكومة بخصوص تقنين عملية الإجهاض، وطرحه للمناقشة بعد ذلك.

ونقلت تقارير صحفية عن مصادر برلمانية قولها إنه سيكون هناك تعديلات لجعل الإجهاض ضمن الحريات الفردية، على أن تحسم القضية بالتصويت، الأمر الذي يحرج حزب العدالة والتنمية الذي بقي وحده المتشبث بالموقف القديم من الإجهاض، وهو نفسه الموقف الذي كرسته شبيبة الحزب في بيان لها، معتبرة المطالبات بتشريع الإجهاض "انتهازية مقيتة تتعاطى بها بعض الأطراف في طرح عدد من القضايا المجتمعية، وجنوحها إلى محاولة فرض الأمر الواقع بعيدا عن روح التوافق التي لطالما طبعت النقاش بين مختلف مكونات المجتمع".

قانون الإجهاض الذي بقي طي أدراج الحكومة ثلاث سنوات دون تقديمه للبرلمان للتصويت عليه، عاد للواجهة من جديد بقضية هاجر الريسوني

أما الجمعية المغربية لمكافحة الإجهاض السري، فقد عبرت عن مخاوفها من أن هذا المشروع، قد يتم تضمينه بشروط مشددة، "تترك العديد من النساء على هامش المجتمع".

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

دراسة حديثة: المغربيات عازفات عن الإنجاب والخصوبة في تراجع

التربية الجنسية في المغرب.. بين الضرورة الواقعية والموانع الثقافية