06-فبراير-2016

من الحراك الأردني 2011

بدايةً، يجب الاعتراف بأنّ هذا المقال يعبّر عن وجهة نظر شخصية في ما يعرف بالحراك الأردني الذي ظهر بالتزامن مع موجة الربيع العربي. كما يتوجّب الإشارة إلى أنّ كاتب المقال كان من المبكرين في الانسحاب من هذا الحراك؛ الأمر الذي قد يوحي بأن الكاتب يصدّر رؤيته انطلاقًا من نظرة تشاؤمية. وهذا ما لا يحاول الكاتب أن ينفيه عن نفسه، غير أن ما يستطيع تأكيده هو أنه بنى رأيه في "أسباب فشل الحراك" على تجربة شخصية ومن ثم متابعة جيدة للحراك. بقي لنا أن نشير إلى أن الجرأة في الطرح تكون مقبولة ومرحبًا بها حينما تكون موجهة نحو الأنظمة وممثلي السلطة، إلا أنها قد تعتبر خيانة ومؤامرة إذا كانت موجهة نحو الذات المعارضة. في حين اختار الكاتب أن يقدم طرحه بشكل حيادي دون السعي إلى ركوب أي من الموجتين. وسيتم عرض الأسباب على شكل نقاط مجملة:

يمكن وصف نسبة كبيرة من الحراكيين المعارضين، في الأردن عام 2011، بأنهم ممن كانوا يصطفون في خانة الولاء

1- عدم قدرة الحراك على تقديم برنامج وطني يمتلك رؤية واضحة عن شكل البديل الذي يطرحه في حال نجح في إسقاط النظام أو حتى إجباره على السير في طريق الإصلاح. إذ تبقى شعارات مثل الحرية والديمقراطية والإصلاح ومكافحة الفساد مجرد شعارات فضفاضة يرددها الحراك دون أن ينجح في صياغتها كآليات عمل قابلة للتطبيق. 

2- يمكن وصف نسبة كبيرة من الحراكيين المعارضين -باستثناء الإخوان المسلمين وبعض اليساريين- بأنهم ممن كانوا يصطفون في خانة الولاء أو ممن يمكن أن نطلق عليهم وصف "السحيجة"، على شاكلة يسار التطبيل للدكتاتوريات وأجهزة المخابرات الأردنية والسورية، قبل اشتعال ثورات الربيع العربي. لقد وجد هؤلاء أنفسهم يقدمون ولاء مجانيًا أكبر بكثير مما يمنحهم النظام من مكتسبات. وإذا كان تحوّل بعض هؤلاء كان مبنيًا على مراجعة صادقة للذات، فإن الحراك قد فشل في تغيير سلوكهم واعتقاداتهم، فأصبحوا يمارسون معارضتهم بنفس المنطلقات العنجهية والعنصرية التي كانوا يمارسون بها "تسحيجهم". 

3- تفتيت الحراك وتوزعه بين المحافظات والمدن الأردنية، وإذ كان يسعى الحراكيون -في البداية- إلى توسيع خارطة تواجدهم، فإن الأمر استفحل حتى وصل حد أن أصبح في كل قرية حراكًا أو اثنين. بل بلغ الأمر أن أصبحت كل عشيرة أردنية تمتلك حراكها الخاص. الأمر الذي فتح الباب واسعًا للاختراقات ولدخول المصالح والمطامع الشخصية، كما جعل مهمة ضبط إيقاع الحراك العام وتنظيمه شبه مستحيلة. بالإضافة إلى أنك قد تجد الناشط الحراكي الواحد مشتركًا في ثلاثة أو أربعة تنظيمات متباينة بشكل يصعّب التكهّن بولاءات الحراكيين وتوجهاتهم.

4- غياب المخيمات الفلسطينية عن المشاركة الفعّالة في الحراك، إذ اقتصرت على بعض اليساريين والإسلاميين. ولهذا الغياب عدة أسباب منها أن الأجهزة الأمنية كرّست خطابها بحيث يبدو الفلسطيني-الأردني، شاء أم أبى، جزءًا من مؤامرة خفية تحاك ضد الأردن. ويظهر هذا جليًّا كلما أرادت أن تفض اعتصامًا بالقوة، إذ تدس أحد السحيجة بين المعتصمين، يأخذ بالهتاف لفلسطين وضد النظام بطريقة مستفزة ليكون اشتباك السحيجة مع الحراكيين مبررًا لتدخل قوات الأمن. إضافة إلى أنّ أقطاب الجانب الفلسطيني الذين أفادوا كثيرًا من الخطاب الإقليمي هم في الأصل أبناء مخلصون للنظام والمساس بأمنه يضر بمصالحهم وشركاتهم. 

لجوء النظام الأردني أثناء حراك 2011 إلى اتّباع سياسة الأمن الناعم أضعف الحراك كثيرًا

5- لجوء النظام إلى اتّباع سياسة الأمن الناعم في الحفاظ على نفسه، إذ إنه يدرك جيدًا طبيعة المجتمع العشائرية، ويعلم أن أكثر العشائر ولاءً وقربًا من النظام قد تنقلب إلى النقيض في حال قُتل أحد أبنائها على يده. فكانت الأجهزة الأمنية تكتفي بتحريض البلطجية الذين يتحينون الفرصة لضرب المشاركين في الاعتصامات وللاعتداء عليهم، ومن ثم تتدخل قبل تطوّر الأمور. كما أن الاعتقالات التعسفية كانت لا تتجاوز مدتها الأسابيع. ومن الجدير بالذكر أن نشير إلى ذكاء النظام في اتباع هذه السياسة؛ إذ نجح في تأليب العشائر على أبنائها الحراكيين في سبيل نعمة الأمن والأمان، معزوفة النظام الأثيرة، وفي حين ارتكب النظام المصري عدة مجازر دموية لضرب جماعة الإخوان المسلمين -الحاضر الأقوى في الربيع العربي- فإن النظام الأردني استطاع أن يهدد تماسك هذا التنظيم من الداخل ويوجه له ضربات قاتلة قد تؤدي إلى تفكيكه، دون أن يعلن النظام تدخله الرسمي في الأمر. بل إن الأزمة التي تعيشها الجماعة في الأردن تبدو وكأنها مجرد خلافات داخلية.

6- وتأتي أنانية جماعة الإخوان المسلمين كأحد الأسباب التي أضعفت الحراك، إذ إن قيادات الإخوان كانت تدرك أن الجماعة هي القوة الوحيد -في الحراك- المنظمة بشكل جيد والتي تمتلك برنامجًا واضحًا ولديها خطاب متزن يحظى بجماهيرية مقبولة مقارنة بجماهيرية الأحزاب الأخرى، مما شجّع هذه القيادات على التفرّد بقيادة الحراك وعلى إجراء الكثير من المفاوضات السرية والعلنية مع النظام حليفها السابق في عهد الملك الحسين. مما خلق حالة من عدم الثقة والتجزئة في صفوف الحراك.

7- ضعف حضور اليساريين وأحزاب المعارضة الأخرى، وعدم قدرتهم على قيادة الحراك. وأيضًا تنكّر جزء لا يستهان به منه للربيع العربي وانسحابهم من الحراك بسبب الخلاف على القضية السورية، إذ وجد بعضهم الأمر محرجًا أن يطالب بالثورة والديمقراطية في الأردن، بينما هو حريص على بقاء الدكتاتورية في دمشق.

8- تخبّط الحراك واللجوء إلى التقليد؛ إذ إنّ فعاليات الحراك غالبًا ما كانت تتسم بالارتجالية، وكأنها ردة فعل أو استجابة عاطفية لما يجري في أنحاء الوطن العربي من ثورات. مما جعل الحراك يبدو هشًا قصير النفس في تعامله مع مستجدات الشارع السياسي. ومما زاد من تخبطه أنه فتح بابه مشرعًا للجميع -لم يكن في مقدوره أن يغربل أو يصد المنتسبين- الأمر الذي دفع بالكثير من الانتهازيين وأصحاب المصالح الشخصية إلى تصدّر الحراكات وتوجيهها حسب رغباتهم.

اقرأ/ي أيضًا:

الأردن في صف السعودية

الأردن.. عمال معلقون في الهواء