18-أبريل-2017

في الاستفتاء الأخير صوت الأتراك بالموافقة على التعديلات الدستورية (فاطمة بهرامي/ الأناضول)

لم تخل الجمهورية التركية الحديثة منذ تأسيسها عام 1923، على يد مصطفى كمال أتاتورك، من الانقلابات العسكرية المتكررة، ومحاولات نزع السلطة بالقوة المسلحة، ومنذ ذلك الحين شهدت تركيا 7 استفتاءات دستورية، آخرها كان في 16 نيسان/أبريل الجاري، والذي انتهت نتيجته إلى الموافقة على التعديلات الدستورية بنسبة 51.4%. 

أبرز ما جاء في دستور الانقلاب الأول بتركيا، استقلال المؤسسة العسكرية عن النظام السياسي

يرى المؤيدون لأردوغان، وبالتالي للتعديلات المقترحة، أنها تصب في مصلحة الدولة المدنية، وتُحجّم من سيطرة الجيش، وتحمي النظام من الانقلابات العسكرية، بينما يرى المعارضون أن التعديلات الأخيرة تكرّس لحكم قمعي يجعل السلطات في يد واحدة متمثلة حاليًا في أردوغان.

استفتاء 1961: دستور الانقلاب الأول

حدث الانقلاب العسكري الأول في تاريخ تركيا الحديثة، في 27 أيار/مايو 1960، وشُكلت لجنة سُميت بلجنة الوحدة الوطنية التي تولت تأسيس مجلس لصياغة دستور جديد أشبه للدساتير الحديثة. 

طرح الدستور للاستفتاء الشعبي في تموز/يوليو 1961، لينال موافقة 61.8% بنسبة مشاركة جماهيرية بلغت 81%، أما أبرز ما جاء في هذا الدستور فكان إقرار تأسيس المحكمة الدستورية، واستقلال المؤسسة العسكرية عن النظام السياسي، كما سمح بتشكيل الأحزاب السياسية.

اقرأ/ي أيضًا: 3 أسباب رئيسية لفشل الانقلاب العسكري في تركيا

استفتاء 1982: دستور الانقلاب على الانقلاب

وقع الانقلاب العسكري الثاني في 12 أيلول/سبتمبر 1980، والذي عُرف باسم قائده كنعان إيفرين. أطاح إيفرين بالحكومة وأعلن حالة الطوارئ وعلّق العمل بالدستور السابق، ودعا إلى تشكيل لجنة لصياغة دستور جديد والذي طُرح للاستفتاء بعدها بعامين في كانون الثاني/نوفمبر 1982. 

جاءت نتيجة التصويت بالموافقة بنسبة 91.4% بمشاركة جماهيرية بلغت 91.2% ممن لهم حق التصويت. أمّا السبب في نسبة "نعم" المرتفعة فترجع إلى الدعايا الضخمة التي بذلها الانقلاب وقادته، فضلًا عن إعلان فرض عقوبات على من يعزف عن المشاركة في التصويت.

كنعان إيفرين قائد أشهر انقلاب عسكري في تركيا (أسوشيتد برس)

ونص هذا الدستور على زيادة صلاحيات المؤسسة العسكرية لتتدخل في قرارات الحكومة وتراقب عليها، كما قنن لإغلاق المجال العام ومنع مؤسسات المجتمع المدني من العمل داخل الجمهورية التركية، وحدد آليات عمل الأحزاب السياسية لتكون تحت أعين الحكومة وبرعايتها.

استفتاء 1987: العودة إلى الحياة السياسية رغمًا عن العسكر

بعد دستور 1982، سيطر الجيش بقيادة كنعان إيفرين بشكل كامل على السياسة والمجال العام، ومُنع عدد من السياسيين ورؤساء الأحزاب المحسوبين على النظام السابق من الانخراط في العمل السياسي. وفي عام 1987 عُقد الاستفتاء الثالث في تاريخ تركيا، لتعديل المادة الرابعة من الدستور، والتي نصت على حظر مجموعة سياسيين من ممارسة العمل السياسي. 

وفي الوقت الذي دعت فيه المعارضة إلى التصويت من أجل تعديل المادة الرابعة، كانت المؤسسة العسكرية تحشد من أجل رفض تعديل الدستور، لكن المعارضة انتصرت في النهاية بنسبة ضئيلة جدًا، حيث كانت نسبة الموافقة 50.2% بمشاركة جماهيرية بلغت 93.4% من الشعب التركي، وبناءً على ذلك عاد السياسيون المحظورين للانخراط مجددًا في العمل السياسي.

استفتاء 1988: الرفض لصالح العسكر

قوبل استفتاء 1988 برفض شديد للمرة الأولى والأخيرة في تاريخ الاستفتاءات الدستورية بتركيا، وكان الرفض لصالح العسكر

شهدت البلاد حينها حالة من الفوضى والاقتتال الداخلي، بالإضافة لعودة السياسيين مرة أخرى للحياة السياسية، ما شكل جبهة معارضة قوية، طالبت بإجراء استفتاء من أجل انتخابات رئاسية مبكرة ضد قائد الانقلاب كنعان إيفرين. 

حدث الاستفتاء بالفعل، وذلك في 1988، لكنه قوبل برفض شديد للمرة الأولى والأخيرة في تاريخ الاستفتاءات الدستورية بتركيا، إذ بلغت نسبة الرفض 64.9% من إجمالي المصوتين الذين بلغت نسبة مشاركتهم 88.9%.

استفتاء 2007: الشعب يختار رئيسه

دعا حزب العدالة والتنمية إلى تعديل الدستور، بحيث يختار الشعب رئيسه بالاقتراع المباشر بدلاً من أن يختاره البرلمان. حينها كان رجب طيب أردوغان رئيسًا للوزراء حين أصرّ على اقتراح حزبه بتعديل الدستور، بخاصة بعد أن أصبح صعبًا على عبدالله غول مرشح العدالة والتنمية، نيل تأييد ثلثي البرلمان، بسبب المعارضة العلمانية للحزب. 

على إثر ذلك نشب خلاف بين الحزب والمحكمة الدستورية، التي أقرت عدم جواز موافقة 50% + 1 من أعضاء البرلمان، من أجل تعيين رئيس الجمهورية، ورفعت النسبة إلى ثلثي المجلس، فما كان من حزب العدالة والتنمية إلا أن يكمل مسعاه لطرح استفتاء شعبي من أجل أن يختار الشعب رئيسه. 

بفضل استفتاء 2007 وصل عبدالله غول إلى رئاسة تركيا (محمد دميرجي/ الأناضول)

خلص الاستفتاء إلى الموافقة بنسبة 69.1% وبمشاركة جماهيرية بنسبة 67.4%، وهي نسبة مشاركة ضعيفة بالطبع، لكنها أدت المطلوب بتعديل فترة الرئاسة لتصبح خمس سنوات بدلًا من سبع سنوات، والسماح لرئيس الجمهورية بالترشح لولاية ثانية.

استفتاء 2010: تكبيل الجيش والسعي نحو الاتحاد الأوروبي

سعى حزب العدالة والتنمية إلى تعديلات دستورية جديدة في الذكرى الثلاثين لللانقلاب العسكري الدموي 1980، وجاءت هذه التعديلات كرسالة واضحة لانتهاء عصر الانقلابات، ونزع البساط من تحت المؤسسة العسكرية، وتقليص صلاحياتها، وفرض الرقابة عليها. 

كذلك فتحت تلك التعديلات الحصانة عن المسؤولين عن الانقلاب ومحاسبتهم أمام المحاكم المدنية، ما عدا إيفرين البالغ من العمر 92 عامًا آنذاك. ساهمت التعديلات أيضًا في إعادة هيكلة مؤسسات القضاء، فزاد عدد أعضاء المحكمة الدستورية إلى 17 عضوًا بدلاً من 11، وكذا أعضاء المجلس الأعلى للقضاء الذين أصبحوا 22 بدلاً من 7 فقط. 

هذا ومنحت التعديلات صلاحيات أكبر لرئيس الجمهورية للتدخل في تشكيل المؤسسات القضائية، وجاءت أيضًا لتجعل الدستور التركي أكثر تماشيًا مع قواعد الاتحاد الأوروبي، تعزيزًا لموقف تركيا من أجل الانضمام للاتحاد. أما الاستفتاء عليه فجاء بمشاركة 77.3% من إجمالي من لهم حق التصويت، وبموافقة 57.9% منهم.

اقرأ/ي أيضًا: في أعقاب الانقلاب.. شرخ كبير بين تركيا وأمريكا

استفتاء 2017: تغيير نظام الحكم

تعرض نظام أردوغان لمحاولة انقلاب عسكري فاشلة في يوليو 2016، تبعتها العديد من الإجراءات التي وصفها البعض بالتعسفية والقمعية، بداية من عزل عدد كبير من قيادات الجيش وضباطه، وإلقاء القبض على العديد من العسكريين أو المدنيين المشكوك في تورطهم في محاولة الانقلاب.

المعارضون وصفوا هذه القرارات بالجنونية والديكتاتورية، بينما رأى المؤيدون أنها قرارات ضرورية ولازمة من أجل تثبيت الحكم المدني وحماية الديمقراطية وقطع أيادي المتورطين، وظلت الأمور في تصاعد مستمر إلى أن اقترح أردوغان مجموعة من التعديلات الدستورية التي طُرحت في استفتاء شعبي الأحد الماضي 16 نيسان/أبريل 2017، ليخلص الاستفتاء إلى المرور بنسبة موافقة 51.4% ونسبة مشاركة 85.3% من إجمالي من لهم الحق في التصويت.

أبرز ما جاء في التعديلات الدستورية التركية الأخيرة تقليص صلاحيات الجيش من جديد وإعطاء صلاحيات شبه مطلقة لرئيس الجمهورية

وأبرز ما جاء في التعديلات الدستورية الأخيرة أنها تحول نظام الحكم من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي الذي يعطي رئيس الجمهورية صلاحيات أوسع، كما أنه يقلص من صلاحيات الجيش من جديد، ويلغي منصب رئيس الوزراء ويكون رئيس الجمهورية مسؤولًا عن تعيين مجلس الوزراء، ورفع عدد أعضاء البرلمان من 550 إلى 600 عضوًا، وخفض سن الترشح في الانتخابات العامة من 25 إلى 18 عامًا.

وبعد أن ظهرت نتيجة التعديلات بالموافقة، خرج عثمان بايدمير المتحدث باسم حزب الشعوب الديمقراطي المعارض، ليصرّح بأنهم تقدموا باعتراضات حول مخالفات حدثت خلال عملية التصويت في الاستفتاء، مثل استخدام أصوات غير مختومة، وادّعى أن النتائج التي أعلنتها اللجنة العليا للانتخابات لا تتوافق مع تلك التي لديهم، في تشكيك واضح في نزاهة الاستفتاء.

كما صرّح كمال كليجدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض، بأن دستور تركيا "فقد الإجماع الشعبي حوله"، يقصد بذلك أن حوالي نصف الشعب التركي يرفض التعديلات الدستورية، مُشددًا على أن "مهمة المؤسسة السياسية تحويل الدستور إلى وثيقة توافق اجتماعي"، كما زعم وجود تجاوزات في عملية الاستفتاء، متعلقة بقبول المفوضية العليا بطاقات انتخابية غير مختومة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أردوغان وما بعد الانقلاب

كيف تغيرت سياسة تركيا الخارجية بعد الربيع العربي؟