21-أكتوبر-2017

يواجه رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي تحديًا صعبًا متمثلًا في حاكمة طوكيو يوريكو كويكي (كيميماسا ماياما/EPA)

يتوجه الناخبون اليابانيون إلى صناديق الاقتراع، يوم غد، الأحد 22 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات التشريعية المبكرة. يأتي ذلك متزامنًا مع حالة من الفوضى والتفكك تعانيها المعارضة اليابانية، ما يعزز من احتمالية استمرار رئيس الوزراء الحالي، شينزو آبي، في منصبه حتى عام 2020، بعد أن واجهت شعبيته انخفاضًا كبيرًا خلال الأشهر المبكرة من هذا العام.

تشهد اليابان صباح الأحد 22 تشرين الأول/أكتوبر 2017، انتخابات تشريعية مبكرة، يُرجح أن يفوز فيها ائتلاف رئيس الوزراء الحالي شينزو آبي

ويتوجب على الناخبين الاختيار مرتين في صندوق الاقتراع، الأول للدائرة الانتخابية المحلية، والثاني لكتلة التمثيل النسبي في البرلمان.

اقرأ/ي أيضًا: أولمبياد طوكيو 2020.. تحت مجهر الفساد

ويبدأ التصويت صباح يوم الأحد على أن ينتهي مساء نفس اليوم. ومن المقرر انخفاض العدد الإجمالي للمقاعد خلال هذه الانتخابات من 475 إلى 465. 

وكان الحزب الديمقراطي الليبرالي يشغل 287 مقعدًا في البرلمان الماضي، وشريكه في الائتلاف "كوميتو" يشغل 35 مقعدًا، أي أن كليهما يشغلان ما يقرب من 68% من إجمالي المقاعد. في حين استطاع الحزب الديمقراطي -ثاني أكبر حزب- باقتناص 87 مقعدًا بالتعاون مع معسكر المستقلين.

1. ما السبب وراء الانتخابات المبكرة؟

لم يكن من المقرر أن تُجري اليابان انتخابات لمجلس النواب قبل نهاية العام المقبل، إلا أن رئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي، بادر بحل البرلمان ثم دعا لانتخابات مبكرة غدًا الأحد. ويعتقد محللون أن الانتخابات المبكرة هي محاولة من آبي للفوز مجددًا باستغلال ضعف المعارضة وتفككها. ولم تكن تلك المرة الأولى التي يدعو فيها آبي لانتخابات مبكرة، فقد سبق أن فعل ذلك في 2014.

من جهة أُخرى، بدأت شعبية آبي في التعافي، بعد أن كانت قد تدهورت بشكل كبير عقب تورطه في فضائح محسوبية، فقد اتهم باستخدامه نفوذه لمساعدة أحد أصدقائه في الحصول على تصريح لفتح جامعة خاصة. تسبب ذلك في انخفاض شعبيته إلى اقل من 30% في تموز/يوليو الماضي، بحسب الاستطلاعات، لكنها تعافت بدرجة كبيرة بعد أن ارتفعت إلى ما فوق 50% في أيلول/سبتمبر الماضي. وعليه قد تكون تلك الفرصة الأفضل في التوقيت الأنسب ليضمن آبي لنفسه ولاية جديدة.

2. بين من تدور المنافسة في الانتخابات؟

بشكل رئيسي، تنحصر المنافسة في الانتخابات اليابانية بين ثلاث جبهات: الائتلاف الحاكم برئاسة شينزو آبي، ويضم الحزب الديقراطي الليبرالي وحزب كوميتو، وائتلاف بزعامة حاكمة طوكيو يوريكو كويكي بين حركة الأمل التي أسستها، وبين حزب "نيبون إيشين تجديد اليابان". أما الجبهة الثالثة فتتثمل في اليسار، الذي يعتبر أضعفهم حظًا.

وعادةً ما يكون الحزب الديمقراطي هو المنافس الرئيسي للحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم. لكن هذه المرة لن يستطيع الحزب الديمقراطي المنافسة، بعد أن شهد اضطرابات بين قادته في تموز/يوليو الماضي تصاعدت وصولًا لحدوث انشقاقات كبيرة في أيلول/سبتمبر، ما دفع أعضاءً في الحزب إلى الترشح كمستقلين أو على قوائم أحزاب أُخرى صغيرة، أبرزها الحزب الديمقراطي الدستوري الذي أُنشئ في وقت سابق من هذا الشهر.

ويواجه رئيس الوزراء شينزو آبي، تحديًا صعبًا من العضوة السابقة في حزبه، وحاكمة طوكيو حاليًا يوريكو كويكي، التي أسست في أيلول/سبتمبر الماضي، حزبًا جديدًا هو حركة الأمل الذي سيخوض الانتخابات دون كويكي نفسها التي أعلنت عدم نيتها للترشح، خاصةً وأن الوقت لم يكن كافيًا للتجهيز لحملتها الانتخابية.

3. من هي يوريكو كويكي؟

فاجأت يوريكو كويكي الأوساط السياسية اليابانية، في صيف عام 2016، عندما أصبحت أول امرأة حاكمة للعاصمة طوكيو. وعلى الرغم من أن كويكي كان تشغل منصب وزير الدفاع خلال فترة رئاسة آبي الأولى قصيرة الأجل، منذ عشر سنوات، إلا أنها تحدت الحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم، لتشغل منصب حاكم طوكيو. وبعد فوزها قامت بتشكيل حزب محليّ ليتم ترشيح زملائها السابقين في انتخابات الجمعية العامة بطوكيو في تموز/يوليو 2017.

تعتبر يوريكو كويكي، المنافسة الأولى لرئيس الوزراء الياباني الحالي. كما أنها أوّل امرأة تفوز بحكم العاصمة طوكيو، وذلك في صيف 2016

وفي أيلول/سبتمبر الماضي، قررت كويكي العودة إلى المشهد السياسي للدولة بشكل مدوٍ، وذلك عبر إنشائها حركة الأمل في نفس اليوم الذي أصدر فيه آبي قرار حل البرلمان، ما دفع إلى الاعتقاد بأن البلاد ستشهد تحولًا كبيرًا في مشهدها السياسي، على اعتبار أن الحزب الجديد سيكون بمثابة بديل موثوق للحزب الحاكم. لكن بعد عدة أيام كشفت استطلاعات الرأي عكس ذلك.

اقرأ/ي أيضًا: اليابان في السينما الأمريكية.. وحشية وندم متبادلان

وعلى كل، فقد جاءت الانتخابات في وقت قريب جدًا بالنسبة لحزب الأمل الذي أُعلن عن تأسيسه فور الإعلان عن الانتخابات المبكرة. ولم يحظَ الحزب بالوقت الكافي للتجهيز لحملته الانتخابية، لكن وإن لم يحقق الحزب نتائج ضخمة واكتفى بالفوز بعشرات المقاعد، فإنّ ذلك سيعطي المصداقية اللازمة ليوريكو كويكي كمعارضة قوية لآبي.

4. ما هي أبرز القضايا المطروحة؟

من جهة رئيس الوزراء شينزو آبي، فقد ركزت المرحلة الأولى من حملته الانتخابية على الزيادة المقترحة في ضريبة المبيعات من 8% إلى 10%، في أواخر عام 2019، إذ يرى آبي أن مزيدًا من الأموال مطلوبة لتدعيم الإنفاق على الضمان الاجتماعي وخدمة ديون اليابان. في حين ترفض كويكي هذه الزيادة في ضريبة المبيعات، مُؤكدة على أنها ستسعى لتجميد قرار الزيادة، وفي المقابل ستوفر دخلًا أساسيًا للأسر الفقيرة.

وكان آبي قد وعد في حملته الانتخابية السابقة، تقديم مجموعة حوافز بقيمة 17.8 مليار دولار للمدارس ودور رعاية الأطفال والمسنين، لكنه فشل في ذلك.

من جانبها، أطلقت كويكي ما أسمته "يورينوميكس"، وهي خطة اقتصادية، لكنها تفتقر بدرجة كبيرة للتفاصيل. فقد تحدثت بشكل عام عن تشجيع الاستثمار في القطاع الخاص بمجموعة من التعديلات، كإلغاء الضرائب المقيدة والضرائب الضخمة المفروضة على أرباح الشركات. مع وعود عامة بتقليل الإنفاق العام الضخم والتسهيلات النقدية التي كانت سمة أساسية خلال سنوات آبي الخمس في منصبه.

وبعد مرور نحو سبع سنوات على كارثة محطة فوكوشيما للطاقة النووية، لا تزال قضية الطاقة النووية مطروحة بقوة بين المتنافسين، إذ أن هناك تباعد بين وجهات النظر حول هذه القضية بين الطرفين؛ فمن جانبه يرى آبي أن إعادة تشغيل المفاعلات النووية اليابانية سيساعد على الوفاء بالالتزامات تجاه التغير المناخي، فضلًا عن أنه سيقلل من الاعتماد على واردات الوقود الأحفوري باهظة الثمن. في حين تعمل خطة كويكي الانتخابية على التخلص التدريجي من الطاقة النووية بحلول عام 2030، والعمل على زيادة حصة مصادر الطاقة المتجددة من مجموع مصادر الطاقة إلى ما يقرب من الثلث بحلول نفس العام.

5. هل تؤثر كوريا الشمالية على الانتخابات؟

يعتمد رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي خلال حملته الانتخابية، على التلويح بملف الأمن الياباني بشكل استراتيجي، معتمدًا على خطاب التحذير لدرجة التخويف من الخطر النووي الذي تمثله كوريا الشمالية، وذلك في محاولة لتعزيز فرصه في الانتخابات التشريعية، خاصةً بعد تراجع شعبيته ما بين نيسان/أبريل وتموز/يوليو الماضيين، على خلفية فضائح محسوبية. لكنها سرعان ما انتعشت بعد دعوته لمزيدٍ من الضغوط والعقوبات على زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون.

ووفقًا لما قاله سكوت سيمان، المحلل الآسيوي لدى مجموعة أوراسيا للاستشارات السياسية، في ورقة نشرت الشهر الماضي، فإن "خطاب آبي الصريح في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومناقشاته حول كوريا الشمالية مع دونالد ترامب ورئيس كوريا الجنوبية، مون جاي، وإصراره على تعزيز صورته كمدافع حازم عن الأمن القومي الياباني؛ ستلعب دورًا هامًا مع الناخبين عندما يذهبون إلى صناديق الاقتراع".

قد تكون هذه الانتخابات بداية نهاية حالة السلم المفروضة على الجيش الياباني بنص الدستور المفروض على البلاد بعد الحرب العالمية الثانية

هذا وقد وضع آبي التهديدات المتصورة من قبل الصواريخ الكورية الشمالية في قلب حملته. وبحسب الاستطلاعات الأخيرة، فإنّ معظم الناخبين يؤيدون خطة آبي الصارمة ضد بيونغ يانغ، وقد وصف آبي برنامج صواريخ كوريا الشمالية بأنه بمثابة "أزمة قومية لليابان".

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "Grave of the Fireflies": آلام الحرب وذنوبها

وخلال الشهر الماضي أطلقت بيونغ يانغ صاروخين باليستيين عبرا فوق اليابان، كما أنها أعلنت الشهر الماضي عن نيتها تجربة قنبلة هيدروجينية في المحيط الهادي، وهو ما قد يمثل خطرًا محتملًا بالنسبة لليابان، الدولة الوحيدة التي خاضت تجربة القصف بقنبلتين نوويتين. وقد استغل آبي هذا الأمر جيدًا، لتعزيز فرصه بين اليابانيين الذين يمثل السلاح النووي بالنسبة إليهم ذكرى مُؤلمة.

6. ما الأهمية التي تمثلها هذه الانتخابات في الداخل والخارج؟

على الرغم من التوقعات المتفائلة بارتفاع معدلات النمو السنوية في اليابان من 2.5% إلى 4%، وزيادة الصادرات رغم ارتفاع الدين العام، وكذا ازدهار البورصة المحلية. لكن لا تزال المخاوف الاقتصادية حاضرة بقوة في هذه الانتخابات. ويُحاول آبي الترويج بقضية الطاقة النووية وتعزيزها، في مواجهة ارتفاع أسعار الطاقة، لكن قليل من الناخبين اليابانيين فقط من لا يزال مقتنعًا بالسياسات الاقتصادية للرجل.

وانطلاقًا من ترويج آبي لنفسه على أنه مهتم بالأمن بعد الصواريخ الكورية الشمالية التي حلقت فوق جزيرة هوكايدو الشمالية قبل أسابيع خلت، ينادي العديد من اليابانيين إلى تعزيز القدرة العسكرية للبلاد، لتكون قادرة على ضرب أهداف كورية شمالية إذا اندلعت الحرب. بل إن البعض يريد أن تطور اليابان أسلحتها النووية. ورغم أنه من غير المرجح أن يذهب آبي إلى هذا الحد، لكنه مع ذلك يُبدي عزمًا على تغيير المواد السلمية في دستور البلاد، وتعزيز الإصلاحات في القوات المسلحة لزيادة قدراتها القتالية.

وقد يعني هذا، أن هذه الانتخابات قد تمثل بداية نهاية حالة السلم المفروضة في الدستور الياباني الذي يُمكن القول إن الولايات المتحدة هي التي فرضته على البلاد بعد الحرب العالمية الثانية. وباستثناء بعض الأحزاب كالحزب الديمقراطي وحزب العمال الشعبي والحزب الاشتراكي الديمقراطي، فإن كافة الأحزاب الرئيسية الأخرى، تدعم تعديل الدستور. وهو ما سيثير جدلًا واسعًا لدى الحكومات الحليفة، وسيثير حفيظة الصين العدو التقليدي لليابان، وقد يزيد من حدة التوترات بينهما.

وبعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية، فُرض على البلاد دستور منع الجيش من استخدام القوة لحل الصراعات الدولية، إلا في حالات الدفاع عن النفس. ويريد آبي تغيير الدستور بحيث يمكن نشر القوات اليابانية بسهولة أكثر ضمن البعثات الدولية مع حلفاء اليابان في جميع أنحاء العالم.

7. ماذا تقول الاستطلاعات؟

أظهرت استطلاعات الرأي خلال الأسابيع الماضية، استمرار تقدم آبي، إذ تشير آخر الأرقام إلى أن الحزب الديمقراطي الليبرالي قد يحصد 300 مقعدٍ من أصل 465. ومع شركاء الحزب في الائتلاف، وعلى رأسهم حزب كوميتو الذي سبق له أن حصد 35 مقعدًا، فيُرجح أن حكومة آبي ستكون قادرة على الحفاظ على أغلبية الثلثين اللازمة لأي تعديلات دستورية.

تظهر استطلاعات الرأي في اليابان تقدم آبي، لكن يظل عنصر المفاجئة محتملًا، كما حدث مع تيريزا ماي في الانتخابات البريطانية الأخيرة

ومن المتوقع أن يحصد حزب حاكمة طوكيو الحالية، يوريكو كويكي، حوالي 50 مقعدًا، ليأتي بفارق كبير في المرتبة الثانية. ومع ذلك فإن استطلاعات الرأي ليست دائمًا موثوقة النتائج، فالدعوة لانتخابات مبكرة عادة ما تحمل المفاجآت، ففي بريطانيا، كانت ثمة خطة مماثلة دبرتها رئيسة الوزراء تيريزا ماي. لكنها، وعلى عكس ما توقعت، تراجعت بشكل كبير في الانتخابات، واضطرت إلى تشكيل ائتلاف للبقاء على رأس السلطة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

رغم فوزه.. يمين تيريزا ماي المحافظ يخسر الانتخابات البريطانية!

أمريكا تفوز في حربها مع كوريا الشمالية.. لو تجاهلت روسيا الأمر