24-أكتوبر-2018
مجزرة صبرا وشاتيلا

قتل في مجزرة صبرا وشاتيلا ما لا يقل عن 2000 فلسطيني مدني (Getty)

في بيروت الشرقية، وخلال الاجتماع الأسبوعي المعتاد، الذي كان يجمع بشير الجميّل مع كوادر حزبه، دوّى صوت انفجار هائل، أدى إلى تدمير مركز حزب الكتائب في حي الأشرفية، حيث كان يعقد الاجتماع، الذي أراده الجميّل الابن بمثابة وداع لرفاق السلاح، قبل ثمانية أيام من تسلمه السلطة، حيث انتخب رئيسًا للبلاد قبل ثلاثة أسابيع فقط. في الوقت نفسه، كان أهالي مخيم صبرا وشاتيلا على موعد مع مجزرة جديدة.

كان اغتيال بشير الجميل ضربة قاسمة لخطة شارون التي عمل عليها منذ اجتياحه للبنان، إذ كان يعتبر انتخاب الجميل أولى إنجازات الاحتلال الإسرائيلي

تلقت إسرائيل باغتيال بشير الجميّل ضربة قاسية، فبالإضافة لكون القتيل عدوًا لدودًا للفلسطينيين، كان متعاونًا بشكل علنيّ مع الاحتلال الإسرائيلي، ولا يفتأ أن يصدر التصريحات المعادية للفلسطينيين كشعب، وكوجود في لبنان وحتى في فلسطين، ففي مقابلة أجرتها معه مجلة "النوفيل اوبسرفاتور" الفرنسية قبل أشهر من انتخابه (عدد 19 الصادر في 25 حزيران/يونيو 1982)، قال: "في الشرق الأدنى هناك شعب زائد هو الشعب الفلسطيني". 

بعيدًا عن موقف بشير الجميّل من الفلسطينيين، أو تعاونه مع الإسرائيليين، كان اغتياله ضربة قاسمة لخطة الجنرال أرئيل شارون التي عمل عليها منذ اجتياحه للبنان، فالأخير كان يعتبر انتخاب الجميّل عبر الدعم الإسرائيلي المباشر، أولى إنجازات التدخل الإسرائيلي، وأول ثمار الصبر الطويل على الحرب التي كان يعد بها الجمهور الإسرائيلي.

لم يتأخر شارون كثيرًا عندما وصل له خبر اغتيال بشير الجميّل، فقرّر على الفور انتهاز الفرصة والدخول إلى بيروت الغربية، إلا أن الأمم المتحدة والعديد من دول العالم، توصلوا إلى حلّ يقضي برحيل القوات الفلسطينية العسكرية التي كانت تابعة بشكل أساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية عن بيروت، مع تعهدات أكيدة بحفظ وحماية هذه القوات أثناء الرحيل، وعائلاتهم التي بقيت مقيمة في لبنان.

وفي 13 أيلول/سبتمبر 1982 دخل الإسرائيليون إلى بيروت الغربيّة، ولم ينقضِ يوم واحد حتى أحكم الجيش الإسرائيلي بقيادة شارون قبضته على جميع أحياء بيروت. بدأ الجيش الإسرائيلي الذي تذرع أمام الرأي العام الدولي، بأن دخول بيروت يهدف لمنع الاضطرابات الدامية التي من الممكن أن تقع بين الكتائب اللبنانية، والأطراف المشكوك بها في اغتيال بشير الجميّل، بتطويق المخيمات الفلسطينية التي أصبحت دون حماية بعد رحيل المنظمة.

ركز الجيش الإسرائيلي حصاره على مخيمي صبرا وشاتيلا المتلاصقين، ونصب حواجز تسمح له بمراقبة مداخل ومخارج المخيمين، بالتوازي مع تطويق الدبابات الإسرائيلية لجميع جوانب المخيمين. ولم يأتِ مساء الخميس التالي حتى انقطعت الكهرباء، وبدأت رصاصات الإسرائيليين ومليشيات الكتائب تمزق الليل وأمعاء الفلسطينيين العُزّل من أي شكل أو تنظيم عسكري. وكانت مجزرة صبرا وشاتيلا.

وتشير بعض الإحصاءات إلى أن المجزرة استمرت لمدة 36 ساعة، في حين تشير إحصاءات أخرى إلى أن المجزرة استمرت لمدة 43 ساعة، تواصلت على مدى ثلاثة أيامٍ تقريبًا/ ما بين غروب يوم الخميس 16 أيلول/سبتمبر وحتى ظهر يوم السبت 18 أيلول/سبتمبر، مُوقعة، بحسب اللجنة الدولية التي جاءت إلى لبنان في أعقاب المجزرة، أكثر من 2400 قتيل، في حين أن أرقام الصليب الأحمر اللبناني تقدّر الضحايا بـ3000 قتيل، أما الكاتب الأمريكي رالف شومان، في شهادته أمام لجنة أوسلو التي استمعت لشهادات حول المجزرة، فقال إن التقديرات الواقعية لعدد الضحايا تصل لـ4000 وحتى 4500 قتيل.

هنا جمعنا لكم خمسة مصادر تشرح باستفاضة طبيعة ما حدث في مجزرة صبرا وشاتيلا، الإرهاصات والتداعيات، وساعات القتل بالمجان:

1. تقرير لجنة كاهان

بسبب انتقادات كبيرة وجهت من جهات كثيرة، تحولت فيما بعد لقضية رأي عام سلبية إزاء المجزرة، قرّرت الحكومة الإسرائيلية في شهر تشرين الثاني/نوفمبر من عام 1982، التحقيق في المجزرة: "إن الأمر الذي سيكون موضع تحقيق هو: كل الحقائق والعوامل المتعلقة بالفظائع التي قامت بها وحدة من القوات اللبنانية ضد المواطنين المدنيين في مخيمي صبرا وشاتيلا"، كما ترأس اللجنة ثلاثة قضاة إسرائيليين هم: رئيس المحكمة العليا يتسحاق كاهان، و عضوان آخران هما قاضي المحكمة العليا أهارون باراك، واللواء يونا إفرات.

 تتأتي أهمية تحقيق لجنة كاهان بشكل أولي، كونه كان أول التحقيقات التي تحدثت عن المجزرة، فقد اعتمدت اللجنة على الاستماع لـ58 شاهدًا، كما اعتمدت في الموازاة على وثائق وأرشيف كلًا من مجلس الوزراء الإسرائيلي، ومكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، ومكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، وهيئة الأركان العامة للقوات الإسرائيلية، وغيرها.

وبعد أربعة أشهر من التحقيق، خلصت اللجنة في تقريرها إلى أنها لم تستطع إيجاد علاقة مباشرة لأي تورط للجيش الإسرائيلي، إلا أن هناك عددًا من ضباط الجيش كانوا على علم بما يحدث في المخيمين أثناء المجزرة، بل على العكس، كان هناك نوعٌ من التواطؤ بين الجيش والكتائب اللبنانية على السماح لهم بفعل المجزرة.

وانتقدت اللجنة رئيس حكومة إسرائيل آنذاك مناحم بيجن، لأنه لم يُقدّر عواقب ترك الفسحة للكتائب اللبنانية في دخولهم للمخيمات الفلسطينية، كما حمّلت أرئيل شارون المسؤولية الكاملة عما ارتكبته قوات الكتائب اللبنانية. وبالإضافة لشارون، حمّلت اللجنة جزءًا من المسؤولية لوزير الخارجيّة آنذاك إسحق شامير، ورئيس "الموساد" ناحوم أدموني، ورئيس شُعبة الاستخبارات العسكريّة في الجيش الإسرائيلي اللِّواء يهوشع ساغي.

2. كتاب "تحقيق حول المجزرة" لأمنون كابليوك

يقدم كتاب "تحقيق حول المجزرة"، تحقيقًا كاملًا، بدأه المؤلف في اليوم الثاني للمجزرة مباشرة، ومن هنا تأتي الأهمية الأولى للكتاب، إذ لم تكن البروباغندا أو آلة الدعاية الصهيونية، قد شكلت رواية مقابلة لرواية المظلومية الفلسطينية.

كتاب أمنون كابليوك تحقيق حول مجزرة

والأهمية الثانية للكتاب، تكمن في استناده على شهادات عشرات الإسرائيليين، من مدنيين وعسكريين، وهو ما يتعذر على الباحث العربي. كما استطاع الباحث إلى جانب مقابلاته مع فلسطينيين ولبنانيين، أن يطلع على محاضر الكنيست، كذلك استطاع أن يصل إلى تسجيلات التنصت في إذاعات الشرق الأدنى.

وبالرغم من صغر الكتاب ( يأتي في 127 صفحة)، إلا أن كابليوك استطاع على مدار سبعة فصول، أن يكتب المجزرة على شكل سرد مثقل بالمعلومات والوقائع، ومن هنا يرى الباحث ميزة أخرى للكتاب، حيث أنه الكتاب الأول الذي يرسم المجزرة كحدث طويل على شكل رواية، تشمل كل ما يحتاجه القارئ حول الموضوع.

3. كتاب "صبرا وشاتيلا.. أيلول 1982" لبيان نويهض الحوت

يعد كتاب "صبرا وشاتيلا.. أيلول 1982" لبيان نويهض الحوت، أهم المراجع التي تناولت مجزرة صبرا وشاتيلا بالتفصيل. فبالإضافة إلى شموليته، والجهد البحثي الضخم لمؤلفته، يستخدم الكتاب نمط البحث الاجتماعي، ففي القسم الأول الذي غطي الفصول الستة الأولى، اعتمدت الكاتبة على التاريخ الشفوي، مضمنة 46 رواية لضحايا المجزرة، يحكي كل منها مآسي المجزرة من تجربته الخاصة.

كتاب بيان نويهض صبرا وشاتيلا

أما في القسم الثاني من الكتاب "إحصاءات ومقارنات"، فركزت الحوت على الجانب الكمي، معتمدة نهجًا إحصائيًا تحليليًا خلال فصلين: أولهما دراسة ميدانية أجرتها المؤلفة سنة 1984، وثانيهما تحليل لأعداد الضحايا. أمّا خاتمة الكتاب فتسلط الأضواء على المسؤولين عن ارتكاب المجزرة.

وفي نهاية الكتاب ملحق أسماء ينشر أول مرة، ويحتوي على 906 اسم لضحايا، و484 اسمًا لمخطوفين ومفقودين، بالإضافة إلى ملحق خرائط يحتوي على خمس خرائط تنشر كذلك أول مرة. أمّا ملحق الصور فيضم صورًا مختارة لعدد من المصورين الأجانب واللبنانيين.

4. كتاب "صبرا وشاتيلا.. ذاكرة الدم" لمحمود عبدالله كلّم

لم يخرج كتاب "صبرا وشاتيلا.. ذاكرة الدم" لمحمود عبدالله كلّم في مضمونه عن المصادر الأخرى التي تحدثت عن المجزرة، إلا أن كتاب ذاكرة الدم تميّز في عدة نقاط، هي:

  • يرسم الكتاب صورة بانورامية في الفصلين الأول والثاني عن الواقع السياسي والأمني والعسكري في لبنان قبل عام 1982، ممّا يساعد على فهم الخلفيات السياسية والاجتماعية التي تسببت في المجزرة.
  • يركز الفصل الثاني "الطريق إلى المجزرة" على مجموعة من المراحل العسكرية للفلسطينيين في لبنان، كعملية ميونخ واجتياح لبنان ومشروع فيليب حبيب ورحيل الفدائيين، ورحيل القوات المتعددة الجنسيات المفاجئ واغتيال بشير الجميّل.

كتاب محمود عبدالله ذاكرة الدم

  • في الفصل المعنون بالـ"مجزرة" اعتمد الكاتب على مجموعة شهادات من ناجين، تنشر للمرة الأولى بعد المجزرة، ممّا أتاح للجمهور القارئ معرفة تفاصيل أخرى عن مجريات وحيثيات ما حصل.
  • حاول الكتاب في الفصل نفسه أن يقدم قوائم بأسماء بعض الشهداء والمفقودين والجرحى، وهي من القوائم الأولى التي حاولت توثيق ضحايا المجزرة.
  • في الفصل الأخير "المخيم بعد المجزرة"، تناول الكاتب حياة المخيمين بعد المجزرة، وهو ما لم يتطرق له كاتب قبله، مفصلًا الحياة الاقتصادية والاجتماعية التي يعايشها اللاجئون هناك، ومشيرًا إلى التغيير الديمغرافي الذي حدث في المخيمين.
  • لم يكرّر الكاتب ما نشر في معظم المراجع الأخرى التي تناولت المجزرة، فعلى مستوى المقابلات أجراها كلها بنفسه، وكذلك على مستوى التوثيق والمعلومات والنتائج.

5. مقال "مجازر صبرا وشاتيلا (شهادات)" لليلى شهيد برادة

يتضمن مقال "مجازر صبرا وشاتيلا (شهادات)" لليلى شهيد برادة، الذي نشرته مجلة الدراسات الفلسطينية، ست شهادات من تحقيق أوسع أجرته الكاتبة مع الناجين من مجزرة صبرا وشاتيلا، وتأريخًا مفصلًا للأحداث التي وقعت داخل مخيمي صبرا وشاتيلا خلال الفترة ما بين الـ15 والـ19 من أيلول/سبتمبر 1982، بحسب إفادات الشهود.

وتكمن أهمية هذه الشهادات التي تقع في 27 صفحة، في أنها تناولت وجهات نظر هامشية، رأت وعايشت المجزرة من موقعها، وهو ما جعل الشهادات تقدم تفاصيلًا جديدة، وزوايا إنسانية متعلقة بكيفية تعامل مرتكبي المجزرة مع الضحايا من النساء والأطفال والشيوخ، كما تنقل قصصا إنسانية تساعد على فهم هول المجزرة، ومدى تأثيراتها على من عايشها.

كما أنها جاءت في شكل حوار يتكوّن من سؤال وجواب، وهو ما يجعل الأمر سهلًا على الفهم إذا اعتبرنا أن الأسئلة تعمل عمل العناوين الفرعية.

6. وثائق جديدة حول المجزرة

نشر مركز الدراسات الفلسطينية، مجموعة من الوثائق بالإنجليزية، مسربة عن الملحق السري لتقرير لجنة كاهان الإسرائيلية للتحقيق في مجزرة صبرا وشاتيلا.

وزود وليام كندت، وهو كبير موظفي مجلس الأمن القومي في وقت الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، مؤسسة الدراسات الفلسطينية بنسخ إلكترونية من هذه الوثائق، والتي تبين أنها مختارات مترجمة من الملحق السري.

ورغم وجود عدد غير قليل من المعلومات عن المجزرة، والشهادات الموثقة، فإن هناك جزءًا ما يزال غامضًا، عن التفاصيل الدقيقة لطبيعة التفاعل الذي حدثت المجزرة في خضمه، بين الميليشيات اللبنانية التي نفذت المذبحة، وبين الجيش الإسرائيلي الذي كان يسيطر على المخيم، بالإضافة إلى الإدارة الأمريكية، إذ تقدم هذه الوثائق قاعدة أوسع لفهم هذه التفاعلات.

وتتضمن الوثائق، المراسلات بين مسؤولين إسرائيليين وقادة في الكتائب اللبنانية، بدءًا من كانون الثاني/يناير 1982. وتتطرق هذه الرسائل، بلغة واضحة، إلى "تنظيف المخيمات الفلسطينية"، و"الحاجة إلى نسخ متعددة من دير ياسين".

تكشف وثائق مسربة أن المسؤولين الإسرائيليين وعلى رأسهم شارون أنهم كانوا على علم تام بخطة مجزرة صبرا وشاتيلا قبلها بشهور

وتظهر هذه الوثائق أيضًا أن مسؤولين إسرائيليين بارزين، منهم وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك أرئيل شارون، ورئيس الأركان رفايل إيتان، ورئيس المخابرات العسكرية يهوشوا ساجوي، وكذا رئيس الموساد إسحاق هوفي؛ كانوا على علم تام برغبة قادة المليشيات اللبنانية في إبادة الفلسطينيين، وبتفاصيل المجزرة بشكل خاص، قبل شهور. ويوضح الجزء الثالث أيضًا التفاعل بين المسؤولين الإسرائيليين والأمريكيين والمراسلات فيما يتعلق بالمجزرة.