22-سبتمبر-2017

بدأت هتش معركة في ريف حماة الشمالي بعد 4 أيام فقط من "أستانا 6" (عمر حاج قدور/ أ.ف.ب)

بعد أقل من أسبوع على انتهاء محادثات أستانا، التي أفضت إلى الاتفاق على إرسال قوات مشتركة بين الدول الضامنة، إلى مدينة إدلب؛ بدأت هيئة تحرير الشام (هتش)، بالاشتراك مع الحزب الإسلامي التركستاني، وفصائل مسلحة أُخرى، معركة "يا عباد الله اثبتوا" بريف حماة الشمالي، في الوقت الذي تعرض خلاله ريف إدلب لعشرات الغارات الجوية المنفذة من المقاتلات الروسية.

بعد نحو أسبوع على أستانا، نفذت هيئة تحرير الشام ومعها الحزب الإسلامي التركستاني، هجومًا على مواقع الأسد بريف حماة الشمالي

معركة ما بعد "أستانا 6"

ويوم الثلاثاء الماضي، أعلنت هتش والحزب الإسلامي التركستاني وفصائل مسلحة أُخرى، تنفيذ هجوم على مواقع قوات الأسد بريف حماة الشمالي من عدة محاور، وسط أنباء عن عمليات سيطرة متبادلة بين الطرفين. وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان، أول أمس الخميس، إن غارات جوية مشتركة لمقاتلات روسية وسورية، نفذت خلال الـ48 ساعة الماضية، أكثر من 450 غارة جوية على مواقع سيطرة المعارضة في ريف حماة وريف إدلب الجنوبي المحاذي لريف حماة، حيثُ تتخذه هتش نقطًة لبداية عملياتها.

اقرأ/ي أيضًا: مصير إدلب يُسيطر على مباحثات أستانا.. هل اقتربت نهاية "تحرير الشام"؟

ويأتي الهجوم الأخير لهتش بعد أربعة أيام بالتمام من اتفاق الدول الضامنة في أستانا على نشرها لقوات مكافحة التصعيد في مدينة إدلب، على أساس مؤقت، تنتشر في الأرياف التي تملك حدودًا إدارية مع محافظة إدلب، حيثُ أدرجت مدينة حماة التي بدأ الهجوم على شمالها ضمن مناطق انتشار قوات مكافحة التصعيد.

وخلفت الهجمات الجوية على ريف إدلب وحماة، أضرارًا كبيرة في المرافق الطبية، فضلًا عن تدمير ثلاثة مراكز لمتطوعي الخوذ البيضاء. وكان اللافت في الغارات الروسية، نجاة قياديين بارزين في حركة أحرار الشام الإسلامية من عملية استهدافٍ لهما، إضافة لعمليات استهداف لمواقع يتمركز فيها مقاتلي الجيش السوري الحر قرب بلدة كفرنبل بريف إدلب.

ورغم إدراج مدينة إدلب ضمن اتفاقية خفض التصعيد، إلا أن مراقبين تخوفوا من إقدام النظام السوري مدعومًا بالقوى الدولية الداعمة له، على اتخاذ تواجد هتش فيها ثم الهجوم الأخير، ذريعة لشن هجوم عنيف على غرار ما حدث العام الماضي في الشطر الشرقي لمدينة حلب، عندما انتهج سياسة الأرض المحروقة التي مكنته من السيطرة عليها.

وكانت المعارضة السورية قد أطلقت قبل ستة أشهر، معركة مماثلة في المنطقة ذاتها، استطاعت فيها السيطرة على مواقع عديدة، لكن قواتها تقهقرت أمام الضربات الجوية الروسية المكثفة على مواقع الاشتباكات، وقامت على إثرها قوات الأسد بقصف مدينة خان شيخون بالسلاح الكيميائي، ما دفع مقاتلي المعارضة للتوقف عن استكمال المعركة.

دلالات معركة ريف حماة

منذ سيطرة تحالف جيش الفتح على مدينة إدلب ربيع 2015، حاولت المعارضة السورية جاهدة السيطرة على مدينة حماة بشنها هجمات عنيفة على قرى الريف الشمالي، من جهة الريف الجنوبي لإدلب، وكادت في هجومها المُنفّذ قبل ستة أشهر، أن تحقق ما رمت إليه حين وصلت لقرية قمحانة التي يفصلها عن مركز المدينة نحو ثمانية كيلومترات.

لكن الواضح من الهجوم الأخير، أن هتش أرادت إيصال رسائل غير مباشرة، تُفيد بأنها لا تزال تملك قوة عسكرية ضاربة رغم الانشقاقات التي عصفت بها مؤخرًا، وزاد عليها اغتيال مجهولين لأربعة شرعيين لديها في أقل من أسبوع، وفي الوقت نفسه تكون قد جددت محاولتها توسيع نفوذها لريف حماة الشمالي باستغلالها انشغال قوات الأسد مع حلفائها في معاركها بريف السليمة الشرقي شرق حماة ضد معاقل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وإرسال النظام السوري تعزيزات عسكرية لمدينة دير الزور من أجل استعادتها من قبضة داعش أيضًا.

أرادت هتش بهجومها على ريف حماة، إيصال رسالة بأنها لا تزال تملك قوة عسكرية ضاربة رغم الانشقاقات التي شهدتها مُؤخرًا

وتهتم هتش كثيرًا بالتأكيد على رفضها مقررات مباحثات أستانا، لذلك فإن الهجوم الأخير ينصب في إطار سياستها الرافضة الجلوس على طاولة المفاوضات، وترسيخ ما نفته سابقًا حول جلوسها مع وفد روسي على طاولة مفاوضات منفصلة، وفق ما نقلت وكالة إباء الإخبارية التابعة لها، وأمام هاتين النقطتين تكون هتش قد أظهرت لأهالي المنطقة عدم قبولها الجلوس على طاولة المفاوضات إطلاقًا، في ظل تناقص شعبيتها بشكل متزايد في شمال سوريا، والمظاهرات الشعبية الداعية لخروجها من المنطقة.

اقرأ/ي أيضًا: بعد حربهم ضد الفصائل الأخرى.. عسكريو "هتش" يتآمرون على مجلس شورى الهيئة

6 أسباب لفشل هجوم هتش على حماة

أولًا: يأتي في مقدمة هذه الأسباب أن النظام السوري سيستميت للحيلولة دون تحقيق ذلك، كون السيطرة على المدينة يعني فقدانه لأهم مناطقه الاستراتيجية، وتاليًا تصبح المعارضة بعيدًة 30 كيلومتر عن ريف حمص الشمالي المحاصر، وتكون وصلت لتخوم أبرز معاقله في ريف حماة الغربي المطلة على الطريق الواصل مع الساحل السوري.

ثانيًا: ويكمن السبب الثاني في روسيا نفسها، التي لن تسمح بذلك، كونها باتت تملك قاعدة عسكرية في شمال حماة، إلى جانب قواعدها على الساحل السوري، ففعليًا روسيا تملك تواجدًا عسكريًا كثيفًا في هاتين المنطقتين، وبسيطرة النظام على آخر معاقل داعش بريف السلمية، تكون روسيا قد أمنت بشكل كامل منطقة البادية السورية.

ثالثًا: وعلى خطى روسيا تسير إيران في عدم تفريطها بمدينة حماة؛ لأن ذلك يهدد مقاتلي المليشيات المدعومة من طرفها، إضافة لما قالته صحيفة هآرتس العبرية، عن إنشاء إيران مصنعًا لتصنيع الأسلحة قرب مدينة بانياس التي يفصلها عن مناطق الاشتباكات الحالية قرابة 90 كيلومتر، وإن صح ذلك، فهذا يعيق أي أمل في تحقيق تقدم حتى إن كان بسيطًا، بالأخص أن حماة هي من المدن المدرجة ضمن الخطة الروسية لما يعرف بـ"سوريا المفيدة".

رابعًا: ويبرز السبب الرابع في تقرير صحيفة الغارديان البريطانية، الذي تحدث عن وصول قيادات من تنظيم داعش إلى محافظة إدلب، بهدف العبور من الأراضي التركية إلى مناطق في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ولا بدّ من وضع احتمالية انضمام بعض هذه القيادات لهتش، كونها قبلت سابقًا انضمام عناصر تنظيم جُند الأقصى الموالي للتنظيم المتشدد، وكان أحد شرعيي هتش الأربعة المغتالين ضمن صفوف جند الأقصى قبل أن يعلن مبايعته لجبهة فتح الشام على خلفية الأحداث التي شهدها التنظيم بداية العام الجاري.

خامسًا: تصطدم خطة هتش في توسيع نفوذها بما تم الاتفاق عليه في اجتماع أستانا، في الرابع من أيار/مايو الماضي، والذي وقعت خلاله الدول الضامنة (إيران وتركيا وروسيا) على مذكرة تخفيف التصعيد، وجرى تحديد المناطق المدرجة ضمنها. أي أن الدول الثلاث لديها تفاهمات على الوصول لحل سياسي بدأت معالمه تتضح لاحقًا، وبالتالي تثبيت نقاط السيطرة بين جميع الأطراف المتحاربة في سوريا باستثناء مناطق داعش وهتش لإدراجهما على قائمة التنظيمات الإرهابية في سوريا.

سادسًا: وأما السبب الأخير فيعود للأنباء المتداولة عن دخول قوات تركية عبر معبر باب الهوى إلى ريف إدلب، تمهيدًا لتنفيذ اتفاق أستانا الأخير، وسط أحاديث مكثفة تداولتها وسائل إعلام سورية معارضة، عن تنفيذ عملية عسكرية قريبًا للجيش السوري الحر، بدعم من القوات التركية، ضد هتش، إضافة للقاء المرتقب في العاصمة أنقرة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين نهاية الأسبوع المقبل، والذي سيكون على جدول أعماله مناقشة أخر التطورات في محافظة إدلب، ما يجعل حتميًا عدم السماح لهتش بتوسيع رقعة نفوذها.

تقف أمام أهداف هتش من معركة ريف حماة، الكثير من العقبات، لكنها في النهاية تظل معركة المحاولة الأخيرة من هتش لتدارك أزماتها

وأمام هذه المعطيات فيبدو أنّ هتش تدرك أنه ما من خيار لديها سوى اللعب في الوقت بدل الضائع، وإن كانت العملية نفذت بالاشتراك مع بضعة فصائل مسلحة اُخرى، فإنها لن تختلف عن سابقاتها لا في الرسالة التي أرادت إيصالها للأطراف المعنية بها، أو في التأكيد على عدم وجود مشاكل داخلية، أو حتى من باب استعراض أخير لقوتها التي بدأت تنهار منذ حادثة التسريبات الصوتية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

4 سيناريوهات محتملة ينتظرها الشمال السوري

سوريا.. وداع الدولة الوطنية