05-مايو-2017

تكشف تحركات السبسي وتصريحاته عن محاولته عرقلة مسار العدالة الانتقالية (ياسين غادي/الأناضول)

ينصّ الدستور التونسي على "التزام الدولة بتطبيق منظومة العدالة الانتقالية"، ورغم ذلك يعيش مسار العدالة الانتقالية في تونس، الذي تشرف عليه هيئة الحقيقة والكرامة، صعوبات وعراقيل نتيجة عدم انخراط مؤسسات الدولة في تنفيذ مقتضياته، فرغم الحديث المتواتر عن النموذج التونسي في الانتقال الديمقراطي، فهو لا يخفي حقيقة النقطة السوداء المتمثلة في غياب الإرادة السياسية من الدولة، وتحديدًا من رئيسها، في دعم العدالة الانتقالية، التي يعوّل عليها التونسيون لتحقيق المصالحة الوطنية.

بدورنا نرصد لكم خمس مؤشرات تبيّن رفض الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي للعدالة الانتقالية في بلاده:

1. "سأحل الهيئة"!

حينما كان مرشحًا رئاسيًا سنة 2014، أعلن الباجي قائد السبسي تحفظه على وجود هيئة الحقيقة والكرامة، المنشأة في منتصف 2014، حتى أنه صرّح وقتها لوسائل الإعلام بأنه حال فوزه بالرئاسة سيعمل على تعديل قانون العدالة الانتقالية، و"حل الهيئة" باعتبارها " تؤسس لمنطق الانتقام والتشفي".

يُؤكد إصدار السبسي لمشروع قانون المصالحة الاقتصادية إلى رفضه مسار العدالة الانتقالية، خاصة فيما يتعلق بجرائم الفساد

لكنه مع دخوله قصر قرطاج، لم يحل الهيئة، وذلك لعدم وجود صلاحيات تمنحه سلطة حلّها، إضافة إلى أنه دخل في تحالف مع حركة النهضة الإسلامية، ما يُصعّب عليه حلّ هذه الهيئة التي تتولى ضمن مهامها تحديد برنامج لجبر الضرر لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، والذين ينتمي أغلبيتهم للتيار الإسلامي. غير أن هذا التصريح للسبسي، كشف منذ البداية عن رفضه لمسار العدالة الانتقالية.

2. قانون موازٍ للعدالة الانتقالية

بعد ستة أشهر من دخوله قصر الرئاسة، ومع عدم قدرته على حلّ هيئة الحقيقة والكرامة، قدّم السبسي في صيف 2015، أول مشاريع قوانينه، وهو مشروع قانون لـ"المصالحة الاقتصادية"، والذي اعتبرته لجنة البندقية، وهي لجنة قانونية أوروبية، أنه "يُفرّغ مسار العدالة الانتقالية من جدواه"، و"لا يكشف الحقيقة". ويسحب هذا القانون جزءًا هامًا من صلاحيات هيئة الحقيقة والكرامة، التي رفضت مشروع القانون بمعيّة أحزاب المعارضة وقوى المجتمع المدني.

اقرأ/ي أيضًا: قانون المصالحة في تونس.. السقوط القريب

ويدلل مشروع القانون على رفض السبسي لقانون العدالة الانتقالية، بخاصّة فيما يتعلّق بجرائم الفساد المالي وآليات معالجة الملفات المرتبطة بها، إذ توجد، بحسب القانون الحالي، لجنة التحكيم والمصالحة، والتي تتكون من الأعضاء المستقلين لهيئة الحقيقة والكرامة. وتتولى هذه اللجنة البت في "مطالب الصلح في ملفات الفساد المالي". في المقابل، اقترح السبسي في مشروعه تكوين لجنة تتكوّن من أعضاء غالبيتهم من الحكومة، وهو ما يمسّ بمبدأ الحياد والاستقلالية في معالجة ملفات رجال الأعمال المتورطين في قضايا الفساد ونهب المال العام.

وبعد تعطل المشروع في البرلمان طيلة سنتين بسبب الضغوطات السياسية والشعبية، أعاد السبسي مؤخرًا طرح مشروعه من جديد، وسط استعدادات من قوى المعارضة والمجتمع المدني، لما يُسمونه جولة جديدة لإسقاط مشروع "تبييض الفساد".

3. عدم حضور أول جلسة استماع علنية

مثلت أول جلسة استماع علنية لضحايا الانتهاكات، والتي انعقدت في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، حدثًا فارقًا في مسار الانتقال الديمقراطي التونسي والعربي، كما حضر هذه الجلسة، التي بثت على الهواء مباشرة، شخصيات وطنية وأجنبية خاصة من لجان الحقيقة في العالم، لمواكبة تجربة تونس في العدالة الانتقالية، فهي البلد رقم 44 في العالم، الذي ينتهج هذا المسار لفض نزاعاته الداخلية في فترات التحوّل الديمقراطي.

لكن، من جهة أُخرى، غاب الرئيس التونسي عن حضور هذه الجلسة التي وصفت بالتاريخية، كما غاب عنها رئيس الحكومة يوسف الشاهد ورئيس البرلمان محمد الناصر، وكلاهما ينتميان لحزب نداء تونس، وهو ما يكشف بوضوح غياب الدعم السياسي من قبل النظام الحاكم، لمسار العدالة الانتقالية.

وحينما سُئل السبسي عن سبب غيابه، أجاب بأنّ مسار العدالة الانتقالية "مسيّس"! مُعتبرًا أن جلسات الاستماع لضحايا نظام الاستبداد، "تقسّم" التونسيين، وزاد في تبرير عدم حضوره بقوله: "لست مطالبًا بالحضور في كل مكان".

4. تعطيل النفاذ للأرشيف الرئاسي

يمنح قانون العدالة الانتقالية صلاحيات استثنائية لهيئة الحقيقة والكرامة للنفاذ لأرشيف مؤسسات الدولة، بحثًا في انتهاكات حقوق الإنسان والفساد المالي وتحديد المسؤوليات. ومن بين الصعوبات التي تواجهها للنفاذ لأرشيف عديد المؤسسات، وجدت الهيئة عراقيل للنفاذ لأرشيف رئاسة الجمهورية، والتي من المفترض أنها تضمّ قسمًا كبيرًا من الوثائق التي تكشف الانتهاكات زمن الاستبداد.

بعد فوز السبسي منعت هيئة الحقيقة والكرامة من دخول قصر الرئاسة للحصول على الأرشيف للبحث في انتهاكات حقوق الإنسان

وبعيد فوز السبسي برئاسة الجمهورية، منعت الهيئة من دخول قصر قرطاج والحصول على الأرشيف، وذلك من قبل نقابة الأمن الرئاسي، كما أن الهيئة، اعترضتها لاحقًا صعوبات مع فريق السبسي للحصول على وثائق أرشيفية.

5. عراقيل حزب الرئيس

لا يتردد حزب نداء تونس الحاكم، الذي أسّسه السبسي، في إعلان تحفظه من مسار العدالة الانتقالية، وهو تحفظ ترجمه لعراقيل في وجه تنفيذ هذا المسار، سواءً عبر موقعه في البرلمان أو في الحكومة، إذ تعطل كتلة الحزب في البرلمان منذ سنتين ونصف، سدّ الشغورات في الهيئة، وهو ما يؤثر على نجاعة أعمالها.

اقرأ/ي أيضًا: المشهد السياسي التونسي.. تغييرات في الأفق

كما لا تعمل الحكومة التي يترأسها القيادي في الحزب يوسف الشاهد على تيسير أعمال الهيئة وبخاصة فيما يتعلٌّق بالنفاذ لأرشيف مؤسسات الدولة وتحديدا وزارة الداخلية، إضافة لرفض التعاون بخصوص تسوية ملفات الفساد المالي. كما تشكو الهيئة المتخصصة في العدالة الانتقالية من عدم منح الحكومة المخصصات المالية اللازمة للقيام بأعمالها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تونس.. السبسي أنجز ثلث وعوده الانتخابية فقط

مكافحة الفساد أو الحرب الكاذبة في تونس