15-مايو-2017

لقطة من فيلم "ما خفي أعظم - طيار المقاومة"

يحفل التاريخ بالأحداث المشوقة والمثيرة للاهتمام. وبين صراعات الشعوب مع الطغاة لنيل الحرية، والصدامات العسكرية بين الغزاة والمحتلين وغيرها من الأحداث الجسام؛ تبرز أحداث لتشغل الكثير من الصفحات في كتب التاريخ الإنساني. ورغم أن هناك آراء لبعض الفلاسفة والمفكرين وعلماء السياسة والاقتصاد والاجتماع تعزو التغيرات التاريخية الكبرى لأسباب مادية بحتة (كالفقر سببًا وحيدًا وجوهريًا للثورات علي سبيل المثال) إلا أن البعض الآخر يرى أن تغيير التاريخ يبدأ بأفراد متميزين نابغين في مجال ما، حتى يصير العالم كله خاضعًا لإرادتهم التي لا تقهر، وعزيمتهم التي لا تفتر، وحماسهم الذي لا ينقطع.

رغم آراء بعض الفلاسفة التي تعزو التغيرات التاريخية لأسباب مادية بحتة إلا أن البعض يرى أن تغيير التاريخ يبدأ بأفراد نابغين

فتضحياتهم الجسيمة في سبيل ما يؤمنون به والتي يدفعون فاتورتها بشكل باهظ على حساب صحتهم البدنية والنفسية وحياتهم الاجتماعية وأوضاعهم الاقتصادية، وقد يصل الأمر حتى إلى التضحية بحياتهم نفسها، كل هذه التضحيات تجعلهم يكتبون أسماءهم في كتب التاريخ بحروف من نور لتظل أسماؤهم مسجلة أمام أعين الأجيال المتعاقبة من البشر إلى أبد الآبدين.

وإذا كان التاريخ قد سجل أسماء هؤلاء الأشخاص العظام وحولهم إلى مصاف المشاهير وصار يضرب بهم الأمثال عند عامة الناس في جميع أنحاء العالم. فإن التاريخ -القائم على كتابته بشر- لا يذكر كل شيء بطبيعة الحال، فيحدث أحيانًا أن يتلاعب المنتصر بالتاريخ وبالمؤرخين ليمجد أشخاصًا لا يستحقون التمجيد لتحقيق أهداف سياسية، أو لتزييف الوعي عند الأجيال القادمة لمصلحة بقاء الطاغية المنتصر على كرسيه بعد سحقه لمعارضيه.

اقرأ/ي أيضًا: وثائقي "العساكر".. هل يستحق كل هذا الضجيج؟

وقد يحدث أيضًا أن يشخصن المؤرخون أنفسهم الروايات التاريخية ﻷسباب شخصية بحتة، أو حتى انحيازات فكرية وقناعات فردية بحتة فيطمسون الحقائق ويقومون بلي أعناق الأحداث ليتم تفسيرها على أهوائهم الشخصية، فالشخص الذي يحبونه يصير ملاكًا أو قديسًا فلا يدونون أخطاءه ولا نقائصه، والشخص الذي يكرهونه يحولونه إلى شيطان دميم ومسخ أسطوري، فهو لم يعد بشرًا عندهم بل كومة من الروث تأنف الخنازير حتى الاقتراب منها!

وقد يحدث أيضًا - وهو الأمر الأكثر شيوعًا - ألَّا يذكر القائمون على تسجيل الأحداث التاريخية أشخاصًا مهمين ساهموا في تحويل مجرى الأحداث بشكل جذري، فلولاهم لما تحقق الانتصار الكبير ولولاهم لمات الملايين ربما، ولولاهم لكان شكل العالم الحالي قد تغير كثيرًا لما هو أسوأ مما هو عليه الآن - وهو بحالة مزرية للغاية كما هو بالفعل! ورغم ذلك فهم مجهولون!

مجهولون رغم أهميتهم القصوى في الأحداث، مجهولون رغم أنهم ساهموا في صنع التاريخ، ورغم أنهم قاموا بأدوار شديدة الصعوبة والدقة لم يكن باستطاعة أي شخص آخر القيام بها غيرهم. ولكن لعل التطور التقني الرهيب الحادث في هذا العصر قد ساهم في سد تلك الثغرة الكبرى في كتابات المؤرخين القديمة. فالتوثيق التاريخي الآن لم يعد فقط توثيقًا بالكتابة بل صار توثيقًا للمواد المسموعة والمرئية أيضًا. وأي شيء أفضل لتوثيق الأحداث غير الأفلام الوثائقية؟ في السطور القادمة نتحدث عن وثائقيات ألقت الضوء على شخصيات لم يعرفها أحد من قبل، وكانت تكاد لا تذكر في كتب التاريخ، وإن ذكرت فلا تذكر أكثر من ملحوظات هامشية بخط صغير على إحدى الصفحات رغم أن أهمية ما فعلوه في تحويل دفة التاريخ تجلعهم يستحقون أن تفرد لهم مجلدات.

1- We Stand Alone Together: The Men of Easy Company 2001

لا جدال بأن من أهم الأحداث التاريخية التي وقعت في القرن العشرين هي الحرب العالمية الثانية، ومما لا شك فيه أن نتائج معاركها بانتصار الحلفاء تركت تأثيرًا كبيرًا للغاية في المسار الذي سار فيه عالمنا المعاصر. وفي أعقاب تجدد اهتمام المؤرخين بكواليس المعارك الحاسمة في الحرب بعد أكثر من 40 عامًا من انتهائها، وبعد الكثير من البحث والتنقيب تم العثور على دفتر يوميات كتبه أحد الجنود أثناء الحرب، يقص فيه بشكل مفصل ما حدث لسريّته التي كانت جزءًا من فوج المشاة المظلي في أحد الفرق العسكرية المحمولة جوًا والتي بدأت تدريباتها في الولايات المتحدة، ثم نقلت بالطائرة إلى قلب المعارك في أوروبا ولم تنتهِ مهامهم إلا بعد إعلان كلًا من ألمانيا واليابان استسلامهم وإنتهاء الحرب.

لا جدال أن أهم الأحداث التاريخية التي وقعت بالقرن الـ20 هي الحرب العالمية الثانية، وأنها تركت تأثيرًا كبيرًا على مسار عالمنا المعاصر

هذه المذكرات التي طبعها الجندي على نفقته الخاصة في مطبعة جامعة لويزيانا، صارت أحد المصادر الرئيسية لمسلسل درامي روائي قصير مكون من عشر حلقات بعنوان Band Of Brothers، بعد أن استعانت شركة الإنتاج بالعديد من المخضرمين في إنتاج الأعمال التاريخية كالمخرج ستيفين سبيلبرغ والممثل توم هانكس، إلا أن شركة الإنتاج أيضًا تواصلت مع من بقي على قيد الحياة من أفراد تلك السرية ليملأوا الكثير من التفاصيل من خلال ذكرياتهم. ورغم أن الهدف الأساسي كان إنتاج المسلسل الدرامي إلا أن شركة الإنتاج قررت أيضًا الاستعانة باللقطات المصورة مع أفراد السرية من المحاربين القدامى لصناعة فيلم وثائقي كامل بلا مشاهد درامية مؤلفة يقص فيها هؤلاء المحاربون المجهولون الأحداث كما يتطرق الوثائقي أيضًا إلى حياتهم بعد انتهاء الحرب.


2- Enemy of the Reich: The Noor Inayat Khan Story 2014

في ظل النمو المتصاعد سياسيًا واجتماعيًا وثقافيًا لتيار أقصى اليمين في أوروبا وأمريكا، وخطابهم المعادي لفئات كثيرة وخصوصًا المسلمين الموجودين بين ظهرانيهم. ربما تكون المفارقة التاريخية الساخرة أنه -على عكس ما يروج له هؤلاء- تاريخيًا هناك فترات شهدت تعاونًا بينهم لأهداف مشتركة، فلم يكن المسلمون والغرب دائمًا في حالة صراع.

اقرأ/ي أيضًا: إعادة نظر: Les Petits Chats.. الحنين لماضٍ ليس لنا

حدث هذا قديمًا في العصور الوسطى عدة مرات، وحدث أيضًا في ظل أحداث الحرب العالمية الثانية حيث يتناول هذا الفيلم الوثائقي قصة حياة نور عنايات خان، المسلمة ابنة أحد كبار مشايخ الطرق الصوفية في العالم الإسلامي، وكيف ساهمت في التصدي للغزو النازي لأوروبا عبر القيام بمهام شديدة الدقة والحساسية، بعد التحاقها بفرقة العمليات الخاصة الإنجليزية وكيف وضعها البريطانيون في قلب فرنسا المحتلة من قبل النازيين لتعمل على إرسال رسائل المقاومة الفرنسية إليهم معرضة حياتها للخطر لكونها مدنية تعمل وسط خطوط النيران.


3- The Man Who Saved the World 2014

وعلى المستوى العالمي، تظل أيضًا أحداث الحرب الباردة وسباق التسلح الرهيب بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي - قبل انهياره - هي من أبرز الأحداث التي أثرت على العالم المعاصر سياسيًا وفكريًا واقتصاديًا واجتماعيًا.

ورغم تحالفهما السابق ضد النازيين فالولايات المتحدة بحاجة دائمًا إلى خلق عدو كي تستمر، وكان العدو هذه المرة هو الاتحاد السوفيتي الذي أدت هزيمته إلى تغول الولايات المتحدة وطغيانها على العالم بشكل منفرد دون خوف من وجود دولة عظمى أخرى تجعلها تتراجع قليلًا - وإن كانت الدولة الأخرى لا تقل طغيانًا عنها أيضًا بل تزيد.

تظل أحداث الحرب الباردة وسباق التسلح بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي من أبرز الأحداث التي أثرت على العالم المعاصر

فالجندي المجهول في هذه القصة ليس أمريكيًا ولا ينتمي إلى معسكر حلفاء أمريكا من "العالم الحر"، بل هو ضابط سوفيتي يدعى ستانيسلاف بيتروف الذي تلقى إنذارًا بهجوم أمريكي بالصواريخ على بلاده، وبحكم منصبه كان ستانيسلاف بيتروف قادرًا على أن يبلغ القيادات العليا في الاتحاد السوفيتي بضرورة شن هجوم انتقامي مضاد على الولايات المتحدة، وهو ما كان يعني حربًا نووية شاملة بين الطرفين تأكل الأخضر واليابس ويموت بسببها الملايين من الأبرياء حول العالم، ربما بشكل يفوق الأفلام الدرامية التي توقعت ذلك كفيلمي Dr. Strangelove وThe Sum Of All Fears.

لذلك عاش ستانيسلاف بيتروف لحظات عصيبة للغاية حيث كان عليه أن يقرر سريعًا ما إذا كانت منظومة الإنذار المبكر صحيحة في تقديراتها للهجوم الأمريكي على السوفييت أم أن الإنذار كاذب وغير صحيح، هذا القرار الذي من شأنه تغيير العالم بكل تأكيد.ولعل من المفارقات الساخرة عدم حصول ستانيسلاف بيتروف على جائزة نوبل للسلام مع أنه ربما كان يستحق أكثر من بعض من حازوا عليها من بعده.  


4- الكتيبة الطلابية: من السرية إلى السرايا

إقليميًا ودوليًا تظل القضية الفلسطينية من أكبر القضايا التي تكشف حقيقة مزاعم الدول الكبرى بشأن اهتمامها بالعدل وحق الشعوب في تقرير مصيرها بل وتخليها عن ماضيها الإمبريالي الاستعماري. كما تكشف هذه القضية أيضًا حقيقة الأنظمة في الدول العربية والإسلامية، حيث تظل هذه القضية في وجدان شعوب المنطقة قضية مركزية رغم السياسات الممارسة من الأنظمة لسحق الشعوب، وإشغالها بمحاولة نيلها ﻷبسط حقوقها، ومحاولات الأنظمة المستمرة لطمس هذه القضية تحت دعاوى عدة.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "المراسلة".. هاجس قديم يسيطر على جوزيبي تورناتوري

يعرض هذا الفيلم الوثائقي مراحل تطور حركة المقاومة الطلابية الفلسطينية، وكيف بدأت بعدد بسيط من طلاب الجامعات المجهولين المتحمسين لتصل إلى مرحلة القيام بعمليات نوعية شديدة التأثير في مسار الصراع العربي الصهيوني، وقض مضاجع شخصيات صهيونية بارزة كمناحم بيغين وأرييل شارون.


5- ما خفي أعظم - طيار المقاومة

في هذا الوثائقي التحقيقي الذي أنتجته قناة الجزيرة الإخبارية، يتم عرض كواليس عملية اغتيال المهندس محمد الزواري مهندس الطيران التونسي وعضو كتائب "عز الدين القسام" الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، المتواجدة بشكل رئيسي في قطاع غزة.

يستعرض الفيلم إنجازات محمد الزواري الهندسية وكيف ساهم في تطوير قدرات حماس العسكرية في مجال الطائرات بدون طيار، بشكل سبب إزعاجًا كبيرًا للعدو الصهيوني الذي يبدو المستفيد الأول من تصفيته، رغم وجود العديد من التفاصيل المجهولة المتعلقة بعملية الاغتيال لكون الزواري نفسه كان مجهولًا لطبيعة مهامه وأهمية عمله التقني في محاولة تقليل فارق القدرات العسكرية بين العدو الصهيوني والمقاومة الفلسطينية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

لماذا ننتظر فيلم "Dunkirk" بكل هذا الشغف؟

مهرجان "كان" السينمائي.. لن يعبر أحد عن هذه الدورة مثل كلاوديا كاردينالي