08-مارس-2019

خوسيه أركاديو (Tolmacheva)

ألترا صوت – فريق التحرير

صحيح أنّ "مئة عام من العزلة" مميزة بأجوائها وحبكتها وشخصياتها، لكن الصحيح أكثر أنّ ما لفت انتباه النقاد هو نجاح غابرييل غارسيا ماركيز في تكثيف تاريخ بلده في سيرة عائلة، ولاحقًا صار هناك من يلتقط تقاطعات أكبر وأوسع من بلد، فباتت الرواية تعتبر تكثيفًا لتاريخ أمريكا اللاتينية.

الرواية علّمت الغرب كيف يقرأ واقع الآخرين وينظر إلى ما هو خارج أوروبا وأمريكا، وفي الوقت نفسه فتحت الباب أمام كتّاب عديدين من مختلف القارات ليكتبوا عوالمهم المحلية، خصوصًا كتاب أمريكا اللاتينية.

بمناسبة الاتفاق على إنتاج "نتفليكس" مسلسلًا عن الرواية، هنا استذكار لبعض من المشاهد الخالدة التي سيظّل قرّاء الرواية يتذكرونها.


1

تفتتح الرواية بمشهدٍ لا يُنسى، يقف فيه العقيد أوريليانو بوينديا في مواجهة بنادق كتيبة الإعلام، وبدلًا من الانشغال بمواجهة الموت يتذّكر المرة الأولى رأى فيها الجليد. في ذلك الوقت كانت ماكوندو قريةً مكوّنة من عشرين بيتًا، بُنيت على ضفة نهر صافٍ، حجارة مجراه مصقولة مثل بيوض خرافية.

 

2

عندما قُتل خوسيه أركاديو الابن سافر دمه عبر ماكوندو، جاريًا بين البيوت، ليعبر نحو أمّه. الدم قطع المسافات بين البيوت، مشى في الشوارع، صعد وهبط، استقام وتلوّى، وحين وصل إلى الأم صرختْ على الفور، فقد عرفت أنّ ابنها مات. لعل عبقرية هذا المشهد تكمن في كونه يعيد بناء الحبل السري رمزيًا بين الأم والابن، لكن بشكل معكوس.

 

3

ريميديوس الجميلة، الفاتكة بالقلوب، شاغلة العقول، تعتبر أجمل امرأة في العالم، لديها رغبة بإيصال الرجال إلى حتفهم وهم يسعون وراءها، لكنها مع ذلك تظل بريئة. في لحظة غامضة، تطير ريميديوس، ترتفع في السماء بشكل مفاجئ، دون مقدمات، والغريب أن الجميع يبدون وكأنهم يعرفون أن هذه اللحظة ستأتي فيلوحون مودعين إياها. بعد ذلك لا تأتي الرواية على ذكرها.

 

4

هذا مشهد مقتطف حرفيًا ولا حاجة لتعليق: "أمطرت في ماكوندو أربع سنوات وأحد عشر شهرًا وثلاثة أيام، حتى أهلكت الزرع والحرث، وتركت ماكوندو عبارة عن خرائب. وظلّت هكذا حتى الساعة الثانية من بعد ظهر يوم الجمعة، حيث أضاءت السماء بأشعة قرمزية لشمس مترنّحة. ولم تمطر في ماكوندو مرة أخرى على مدى عشر سنوات، وقد بلغت الحرارة بعدها أن جعلت العصافير تترامى على جدران البيوت، وتشقّ ستائر النوافذ وتدخل غرف النوم، لتتساقط ميتة بالأفواج".

 

5

لطالما حذّرت أورسولا بوينديا أولادها من الزواج من بعضهم البعض، وخلال أجيال متعاقبة من الزواج المنغلق، ظنّ الجميع أن كلمات الأم الكبيرة مجرد صورة أو استعارة، لكن آخر ولادة في السلالة، حين يأتي الابن الأخير بذيل خنزير، نعرف أنها كانت تمتلك نبوءة، فتأتي هذه النهاية كتعبير عن تعفن هذه السلالة الفاسدة وضروة انقراضها، وما يؤكد ذلك التعفن فعلًا أنّ النمل سيأكل هذا الابن.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مئة عام من العزلة على شاشة نتفليكس.. ترقّبوا الدخول إلى ماكوندو! 

العربيّ عند ماركيز.. مقيم ومقاوم