29-نوفمبر-2022
gettyimages

المدربون عادوا إلى بلادهم بعد مسيرة احترافية في أوروبا (GETTY)

شيء لافت يحدث في مونديال قطر، هو أن المنتخبات الأفريقية المشاركة في البطولة على رأس طواقمها الفنية مدربون محليون، في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ المسابقة، فقد درجت العادة أن تعتمد المنتخبات الأفريقية على مدربين أوروبيين، في الأغلب غير معروفين في بلدانهم الأصلية، ينتقلون في القارة الأفريقية ويعرضون خدماتهم عندما تقام البطولات الكبرى. حتى أنه في بعض الحالات، فإن المنتخبات لو  كان لديها مدرب أفريقي، فسيتم التخلي عنه سريعًا قبل انطلاق أي بطولة كبيرة، حتى لو قاد الفريق إلى التأهل خلال التصفيات.

شيء لافت يحدث في مونديال قطر، هو أن  المنتخبات الأفريقية المشاركة في البطولة على رأس طواقمها الفنية مدربون محليون

يبقى السؤال إن كانت الاستعانة بالمدربين المحليين، وإن اختلفت سياقات تعيينهم وظروفها من بلد لآخر،  خيارًا مدروسًا؟ أم خيارًا فرضته التغيرات التي طرأت على كرة القدم الأفريقية في السنوات الأخيرة؟

من بين المدربين المحليين الخمسة، يُعد مدرب السنغال أليو سيسيه، الفائز بكأس الأمم الأفريقية الأخيرة التي أقيمت  بالكاميرون في شباط/فبراير 2022، وهو الوحيد الذي يدرب منتخب بلاده منذ فترة طويلة، أمّا باقي المنتخبات فقد لجأت إلى المدرب المحلي قبل الموعد العالمي ببضعة أشهر.

اللافت أن المشترك بين أربعة من المدربين الخمسة هو أن بدايتهم الكروية والفنية كانت في أوروبا، أليو سيسيه هاجر إلى فرنسا عندما كان صغيرًا، وظهر مدرب المنتخب الكاميروني ريغوبرت سونغ، لأول مرة مع المنتخب الكاميروني في كأس العالم 1998، ولعب في الدوري الفرنسي، قبل أن ينتقل بين الدوري الألماني والدوري الانجليزي، 

أمّا مدرب المنتخب المغربي وليد الركراكي، فقد لعب لمجموعة من الأندية الفرنسية قبل أن يبدأ مسيرته التدريبية في المغرب، ومدرب المنتخب الغاني أوتو أدو، ولد وترعرع في مدينة هامبورغ الألمانية، ولعب في الدوري الألماني، وتولى مهمة المدرب المساعد لنوادي هامبورغ وبوروسيا دورتموند الألمانيين. فقط مدرب المنتخب التونسي جلال قادري، له تجربة تدريبية طويلة لكن معظمها كانت في نوادي الدوري التونسي.

getty

تكتشف كرة القدم الأفريقية قوة المغتربين، بالطبع فهناك تاريخ طويل للشتات الإفريقي، لكن قوة هؤلاء المدربين تأتي أيضًا من علاقتهم العميقة بوطنهم الأم. وفي هذا الإطار يتحدث مدرب السنغال أليو سيسيه في مقابلة عن التقدم المميز الذي يحرزه المدربون الأفارقة، ويقول إن "الأشخاص المغتربين يفهمون بلدانهم الأصلية بطريقة لا يفهمها الغرباء". واستشهد بالخبرة الفنية والتكتيكية كعامل حاسم في التدريب الناجح، لكنه أضاف "من المهم أيضًا معرفة ماضي البلاد، بالنسبة لي، إذا كنت لا تعرف الماضي، فمن الصعب التحدث عن المستقبل"، وهو ما يشير إلى أن كرة القدم الأفريقية أصبحت بالفعل تتولى شؤونها.

علاقة البلدان الأفريقية مع جالياتها في أوروبا لعبت دورًا في شهرة مدربين مثل سيسي. وحاليًا تغيرت العلاقة، فقد أصبح يوجد ملايين المهاجرين الأفارقة وأحفادهم في أوروبا، وحتى مع اندماج هذه المجموعات في المجتمعات الأوروبية، لا يزال الكثيرون يحافظون على روابط مع أراضي أجدادهم، ويعودون لزيارتها بانتظام، ومتابعة أخبارها عن كثب. 

 وشكلت الرياضة جانبًا مهمًا في تغير العلاقة بين أفريقيا وأوروبا، وعبرت عن ذلك القوة الصاعدة للاعبين من أصول أفريقية، حيث يحتل هؤلاء اللاعبون بشكلٍ متزايد مراكز الصدارة في كرة القدم العالمية، وعلى الرغم من أن اللاعبين الأفارقة لديهم تاريخ طويل في أوروبا، إلّا أنّ بروزهم لم يظهر بشكل لافت إلّا في منتصف التسعينات، من خلال بطولات الدوريات الأوروبية الكبرى، وأصبح لاعبون مثل جورج ويا، وصامويل إيتو، وديدييه دروغبا، ومايكل إيسيان، وجون أوبي ميكيل، ويحيى توريه نجومًا عالميين بحلول العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وأصبح السنغالي ساديو ماني جزءًا أساسيًا من هجوم ليفربول، وعانى النادي بعد رحيله إلى بايرن ميونيخ، كما قاد زميله في المنتخب الوطني المدافع خاليدو كوليبالي نادي نابولي قبل أن ينتقل إلى نادي تشيلسي.

قوميتك توسع حدودها بينما يخسر بلدك

اليوم، غالبية الأفارقة مثل معظم مشجعي كرة القدم في جميع أنحاء العالم يتابعون الدوريات الأوروبية الكبرى، والبطولات العالمية الكبرى، وأصبحت كرة القدم بهذه الطريقة تزرع نوعًا من الهوية الأفريقية، وأصبح هناك نوعًا من التضامن القاري يظهر لكثير من المشجعين الأفارقة خلال كأس العالم، إذا فاز فريق بلدك فأنت تدعمه أولًا، وعندما يقصى فأنت تدعم فريق دولة أفريقية أخرى يلعب بشكل جيد، وكما قالت الروائية النيجيرية شيماماندا أديتشي خلال كأس العالم 2010، إن "قوميتك توسع حدودها بينما يخسر بلدك".