07-ديسمبر-2018

إنريكي غراو/ كولومبيا

صوتٌ قوي يندلع من داخل رواية "الحي الخطير" (دار الساقي، 2017) للروائي المغربي محمد بنميلود، عنيف بالقدر الذي يصف العالم بأكمله بأنه سجن كبير للحثالة. قد تهرب من سجن أمني، لكن المهمة الأكبر هي: كيف الهرب من سجن البؤس والفقر والظلم ومستنقعات الأحياء الخلفية للمدن الكُبرى؟ فالأول أنت مسجون بسبب جنحة ما، والثاني أنت متهم بسبب أنك موجود.

في رواية "الحي الخطير" كل شيء قاتم، حتى لغة الشخصيات المعجونة بأديم الفقر والعنف والجريمة والدعارة

لم تترك لنا الرواية أي مساحة ممكنة للألوان البهيجة، فقد استبد اللون الرمادي القاتم على أجوائها، فكل شيء قاتم، حتى لغة تلك الشخصيات المعجونة بأديم الفقر والعنف والجريمة والدعارة كانت قاتمة ولاذعة. عند حدود هذه الأحياء الخطيرة، تكون قد تجاوزت الخط الفاصل بين ما هو إنساني وما هو لا إنساني. أكاد لا أجد إلا لحظات نادرة يُمكن من خلالها الإحساس بذبذبة إنسانية، فكل شيء مفرغ من إنسانيته. هل أراد الروائي، في الأخير، أن يُدين أحدًا؟ هناك عنف تجاه ذلك الواقع البائس، الذي صنعه النظام السياسي، كل هؤلاء كانوا ضحايا الدولة. تظهر الدولة في رواية بنميلود كعصابة كبيرة، تزرع عيونها وقوادها داخل أحياء الصفيح، لتمارس غطرستها الرهيبة والمميتة.

اقرأ/ي أيضًا: أدباء مغاربة.. متاهات اللذة الفنية

شخصيات لقيطة، ملعونة، بلا أصل. تتناسل مثل قطعان من البهائم يحكمها قانون الغابة. في هذه الحياة لا تنفع الأفكار، ولا المبادئ، ولا القيم. الشيء الوحيد الذي ينفع الإنسان هو قدرته على الفتك، أو قدرته على تجنب الطعنات القاتلة.

انتهى بطل الرواية في الأخير إلى الاقتناع بأنّ أمامه خياران، إما الانضمام إلى عصابة الدولة، أو الثورة عليها. لا يوجد خيار ثالث. تنتهي الرواية دون أن نعرف أي خيار اختاره. وإن كان يمكن للقارئ أن يلمح رغبة البطل في نيل حريته بأيّ ثمن. لقد خسر كل شيء، فأي مستقبل ينتظر لقيطًا في دولة بوليسية بلا أفق رحيم؟

مداخل القراءة الخمسة: 

1- تقاطبية الأمكنة

المركز (المدينة)، الهامش (أحياء الصفيح) من خلال هذه البنية التقاطبية سنحاول إبراز دورها في إنتاج دلالة المكان – الهامش، وما ينتج عنهما من أدوار ووظائف سردية تكشف عن النسق الثقافي للهامش. سنلاحظ كذلك بأنّ الرواية وزعت فضاءاتها على مكانين رمزيين: الجنة/ الجحيم. فعالم الأغنياء وأصحاب السلطة يمثلون سكان الجنة، أما عالم أحياء الصفيح فتنتمي إلى عالم الجحيم. لكننا سنلاحظ بأنّ هذا التقاطب الرمزي بين الجنة والجحيم لم يتأسس على تناسب قيمي بين المكان وما يمثله من قيم، فعالم الجنة يمثل الدولة بكل شرورها، كأنّ الجنة هنا تفتقد إلى جوهرها الطبيعي المتمثل في قيمة الخير.

2- الهامش بوصفه رؤيا عنيفة للعالم

من خلال طبيعة الشخصيات الروائية، وطبيعة النظام العلائقي الذي يتحكم في وظائفها السردية، وفي وظائفها الدلالية كذلك. إذ نرى بأنّ العنف هو النظام العلائقي البارز الذي ينظم العلاقات بين شخصيات الرواية، وسنحاول ان نستنتج بأنّ رؤيا العالم عند هذه الشخصيات غير اجتماعية، ليس بوصفها ضحايا للعنف، بل بوصفها ذوات منتجة له.

 

ما هي رؤية العالم الخاصة بهذه الرواية؟ مبدئيًا، تتصف هذه الرؤية بطابعها المأساوي، واللإنساني. تنعدم فيه القيم، ويغيب فيه النظام والقانون. عالم بلا قانون هو عالم الجريمة، وعالم الدعارة، وعالم انتهاك أدنى حقوق الإنسان.

إنّ العالم السفلي هو عالم مدنس، وعالم تراجيدي، وحسب شخصية البطل هو عالم عدمي أيضًا.

3- النسق اللغوي

معجمية البذاءة/ شعرية البذاءة/ هل يمكن الحديث عن شعرية البذاءة؟ هل هناك جمالية ما في اللغة البذيئة؟ سنبحث في طبيعة اللغة السردية في الرواية؟ بلاغتها المضمرة؟ نسقها الاستعاري؟

4- نسق الحيونة

خلف المظهر الإنساني لشخصيات أحياء الصفيح، تختفي طبائع حيوانية وغرائز عنيفة يجعل من هذه الشخصيات أقرب إلى قطعان من الحيوانات، تعيش لأجل البقاء على قيد الحياة، القوي يأكل الضعيف، لا ناظم أخلاقي، ولا عقد اجتماعي يضبط حياتها. سنشتغل أكثر على النظام الوصفي في الرواية، وصف الشخصيات بالحيوانات والحشرات، ووصف الأمكنة بالمستنقعات والبرك الآسنة.

5- النقد السياسي المضمر

تنقد الرواية واقع المجتمع العربي في ظل النظام البوليسي القمعي الذي ينتهك حقوق الإنسان. واقع احياء الصفيح هي الحقيقة الخفية لذلك البؤس الذي أنتجته الدولة البوليسية.

إنّ العالم السفلي هو عالم مدنس، وعالم تراجيدي، وحسب شخصية البطل هو عالم عدمي أيضًا

اقرأ/ي أيضًا: أولاد الطين.. مهمَّشو السرد الروائي

بالإضافة إلى أن الرواية، ومن خلال شخصية خال البطل، الشيوعي والمثقف البروليتاري، الذي اختفى وأصبح مفقودا، تكشف عن علاقة السلطة بالمثقف. تمثل حياة خال البطل لحظة مفصلية في انكشاف الحقيقة أمامه، وهي لحظة انفجرت فيها الأسئلة الكبيرة التي جعلت البطل يدرك حجم الخسارات الرمزية التي مني بها خاله المثقف، في سبيل الدفاع عن حق الشعب/الحثالة، لكنه في الأخير يختفي، وتسحقه أقدام السلطة مثل حشرة مقرفة، وتسحقه لامبالاة الشعب/ الحثالة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ياسين عدنان.. المغرب في كوميديا حيوانية معاصرة

ليلى سليماني ... صوت الفرنكفونية الفائز بـ"غونكور"