1. ثقافة
  2. فنون

5 فنون شعبية تلعب دورًا في التعبئة ودق طبول الحرب

17 يونيو 2025
فنون الرقص الشعبي (خاص الترا صوت)
فنون الرقص الشعبي (خاص الترا صوت)
أحمد السلاميأحمد السلامي

تختزن الذاكرة الشعبية العربية فنونًا فلكلورية متنوعة لها إيحاءات حربية مباشرة لا تخطئها العين والأذن. فليست جميع الإيقاعات التي تُدق على الطبول مؤشرًا على البهجة والاحتفال فقط. وليست كل الرقصات التي تجعل الحركة تدب في أجساد الراقصين علامة على الطرب والانشراح. ولا كل مزمار يصدح يشيع الأنغام التي تجلب المرح والسرور فحسب. فبين تلك الكنوز الشعبية المتوارثة تعبيرات لها وظيفة التعبئة الحربية ودق طبول الحرب بالمعنى المباشر، في صورة غير معتادة عن الوظيفة المتخيلة للفنون في العصر الحديث، باعتبارها فضاء للترفيه والتسلية لا أكثر. 

تبقى مهمة التعبئة الحربية راسخة في التعبيرات والفنون الشعبية؛ التي تستفيد من أشكال التواصل الحديثة مع المتلقي

في الواقع يُمكن رؤية الجلد المشدود على فوهة الطبل الذي يدق عليه العازف إيقاعات الفرح في حفل زفاف، وقد تبدلت لغته الرمزية وإيقاعاته إلى نداءات متوترة لجمع الرجال والإيذان باقتراب خطر الحرب والحاجة إلى التعبئة. وفي هذه المساحة الرمادية التي تقع بين الفرح والغضب تكشف الفنون الشعبية عن وجه آخر يحيلنا إلى وظائف تعبوية يمكن أن يؤديها الفن عند الحاجة. ولأن الحروب والصراعات جزء أصيل من تاريخ عالمنا وتحولاته التي لا تتوقف، فمهما تطورت الحضارة واختلفت أسباب الحروب وأسلحتها، تبقى مهمة التعبئة الحربية راسخة في التعبيرات والفنون الشعبية؛ التي تستفيد من أشكال التواصل الحديثة مع المتلقي، حتى أنها وجدت طريقها إلى منصات وشبكات التواصل الاجتماعي.

وهكذا تتجاوز الفنون الشعبية كونها تعبيرات ثقافية متوارثة إلى التموضع في الواقع المعاصر، بوصفها مستودعات حيَّة للذاكرة الجماعية وناقلة للقيم والروايات التاريخية والبطولات، ولها تأثيرها العميق والممتد حتى اللحظة الراهنة داخل المجتمعات. وذلك ما يجعلها ضمن الأدوات والأشكال الفاعلة في مجال التأثير الاجتماعي والتعبئة.

ونحن نضع هنا 5 أنماط من الفنون الشعبية التي حافظت على ملامح التعبئة النفسية والحربية بأشكالها الرمزية أو المباشرة الصريحة واستدعاء التضامن الجماعي في أوقات الحرب.

 

"التحطيب" ذاكرة حربية في رقصة

جميعنا شاهدنا العديد من المسلسلات وأفلام السينما المصرية التي لم تكن تخلو من رقصة "التحطيب". والتي يرفع خلالها الراقصان عصا من الخيزران يلوحان بها في الهواء، في رمزية واضحة لما يبدو أنه صراع بين طرفين يتعاركان، بينما صوت المزمار الحاد يشق الصمت. وعندها تتحد عيون المتفرجين في قراءة حركات الراقصين واستكشاف ما توحي به كل حركة وتلويحة بالعصا وهما من علامات القتال والاشتباك الرمزي داخل الرقصة.

ويحدث الانفعال الجماعي في ذلك المسرح المُصَّغر للحرب في رقصة مهمتها استدعاء ذاكرة الفرسان الأجداد

يجب أن تكون ابن الثقافة الشعبية التي أنتجت هذا الفن لتصل إلى مسام وعيك رسائله. ولا سيما عندما يتوسط الرقص دائرة بشرية تتحد خلالها المشاعر جماعيًّا. ولعل هذا ما يميِّز الفنون الشعبية التي تخاطب الجماعة وتستثير الكامن في الوعي المُتراكم والموروث الذي يتفاعل مع المشهد بفخرٍ واعتزاز، يمتزج بدهشة مع من يرى الرقصة للمرة الأولى. ويحدث الانفعال الجماعي في ذلك المسرح المُصَّغر للحرب في رقصة مهمتها استدعاء ذاكرة الفرسان الأجداد في كل حركة وكل ضربة تلامس الهواء بالعصا، أثناء استعراض المهارات القتالية.

حين تلمع الخناجر في استعراض القوة

إذا كانت العصا في صعيد مصر ترمز للشرف والفتوة، فالخنجر "الجنبيّة" في اليمن هو جزء من الهوية في مناطق القبائل. وللجنبية في رقصة "البرع" المهيبة دور أساسي في إبراز الصراع والمعركة الراقصة. وغالبًا ما تتحول الأعراس إلى فرصة لاستعادة هذا اللون من الفن الشعبي الذي يختلف إيقاعه من منطقة يمنية لأخرى، لكن المضمون مشترك، وهو استعراض الرجال للجاهزية والاستعداد للنِزال. وبحركات خشنة ومدروسة يجري تكييف حركات التلويح المُتبادل في الوجوه بخنجر الجنبية، بينما تضرب الأقدام الأرض بإيقاع صارم بالتزامن مع لمعان نصال الجنابي في الهواء، وهي تخط أقواسًا افتراضية في رقصة تقتصر على الرجال حصرًا. وهدفها إظهار الثقة بالنفس وإبراز التضامن بين رجال القبيلة الواحدة والإعلان عن التأهب الدائم بلغة الفن الشعبي وألوانه، التي لا تبتعد معظمها عن التعبئة الحربية.

الزامل قصيدة مسلحة بالكلمات الغاضبة 

اليمن من البلدان التي لا تفارقها الحروب ومن الفنون الشعبية في مناطق القبائل الجبلية ما يعرف بـ"الزامل" ويُوظف حتى اليوم لرفع الحماس والتشفي بالخصم والتوعد بهزيمته. ويُؤدى الزامل بشكلٍ جماعي وفق ألحان متوارثة، بينما تتجدد كلمات قصائد الزامل وجمعها "زوامل"، بحسب الظروف والمناسبات والأحداث.

حيث يعمل الأداء الجماعي لفن الزامل على تثوير النفوس وإبداء الشجاعة والاستعداد للتضحية

استخدم الحوثيون هذا الفن للتعبئة والحشد، لزيادة أنصارهم من مناطق القبائل باللغة التي يفهمونها، حيث يعمل الأداء الجماعي لفن الزامل على تثوير النفوس وإبداء الشجاعة والاستعداد للتضحية. وفي السابق كان الزامل يقتصر في تداوله على السَماع الحيّ في المناسبات التي تتفاخر فيها القبيلة، بما لديها من رجال أشداء وبالشيوخ الذين تشبههم بالجبال العالية. لكن الزامل وجد طريقه بفعل الهواتف المحمولة والإنترنت، لينتشر في المجتمع على نطاق واسع، بكلمات لا تخلو من الحديث عن الانتصار وتمجيد البطولة وامتداح روح التضحية والفداء. وهو الأمر الذي جعل البعض يفسر سبب توافد أبناء القبائل بكثافةٍ إلى معسكرات الحوثيين تحت تأثير تلك "الزوامل" والتي أصبحت أداة فاعلة للتعبئة المعنوية وحشد المزيد من المقاتلين.

يعتمد الزامل على ارتجال شاعر القبيلة أبياتًا موجزة بلهجته العامية؛ يطلقها كشرارة ثم يرددها الحشد الموجود بأداء جماعي لا يمكن للأفراد الفكاك من تأثيره الحماسي بفعل هدير الأصوات التي تردد الزامل والقادر على إشعال الحرب أو إطفائها ببراعة الكلمات التي تشحذ الهمم وتفضح الخصم وترسم رواية كاملة للصراع بروح معنوية عالية.


"الدحة" زئير بشري لبث الرعب في نفوس الأعداء

ينتشر فن "الدحة" في صحاري شمال الجزيرة العربية ويعتمد على وقوف الرجال صفًا واحدًا يشكلون من خلاله ما يشبه الجدار غير القابل للاختراق. ويبدؤون إصدار أصواتٍ خشنةٍ من حناجرهم تشبه الهدير العميق الذي يكتسب هيبته من الأداء الجماعي وهو المَلمح الأساسي، الذي يميز الفنون الشعبية والتي لا تستغني عن البُعد الجماعي في الأداء والفُرجة.

يتحول الهدير الجماعي في فن الدحة إلى مرحلة من التصاعد يتنافس خلالها المشاركون على إخراج أصوات أكثر عُمقًا

يتحول الهدير الجماعي في فن الدحة إلى مرحلة من التصاعد يتنافس خلالها المشاركون على إخراج أصوات أكثر عُمقًا ومن دون كلماتٍ أو غناء، غير الزئير وحده. وهو السلاح والتكتيك الحربي في الوقت نفسه، لإخافة العدو المفترض وإظهار وحدة الصف، بصوت كأنه ينطلق من جوف كائن ضخم هو القبيلة والتي يهمها أن توصل رسالة مفادها أنها لا تُقهر.

"العرضة" رقصة الانتصار 

من الرقصات الشهيرة ذات البُعد الحربي في السعودية ومنطقة الخليج العربي رقصة العَرضة. ومثل غيرها من الفنون الشعبية تُؤدى بشكلٍ جماعي على إيقاع طبول تثير الحماس. ولكنها تمتاز بقدر من الرتابة. ويصاحبها تحرك السيوف وهزها في الهواء بأداء جماعي استعراضي في مشهد مهيب، يذكّر بتاريخ الفروسية العربية وسيوفها البتارة. وتُصاحب العرضة أهازيج شعرية تتماشى مع الإيقاع برفق، مما يجعلك ترى التاريخ أمامك.

يصطف الرجالُ في العرضة في صَفين متقابلين وهُم يرتدون ثيابًا مُطرَزة عليها أحزمة جلدية لحمل السلاح. وتتدلى منها أغمدةُ السيوف المسحوبة بالأيدي، لتلمع أثناء الرقص الوقور والذي يكاد أن يكون احتفالًا بالانتصار أكثر من كونه دعوة للحرب.

كلمات مفتاحية
متاحف قطر (الترا صوت)

قطر تحتفي بتراثها في اليونسكو.. 50 عامًا على انطلاقة متحفها الوطني

50 عامًا على انطلاق متحف قطر الوطني في مقر اليونسكو

جمع القطن (الترا صوت)

كيف تحولت شجرة القطن المصرية لمصدر إلهام للفنانين والشعراء؟

القطن المصري كتيمة حاضرة في مدونة الإبداع المكتوب والمرئي والمسموع

المهرجان الوطني للفنون الشعبية بالمغرب (وزارة الثقافة المغربية)

اختتام الدورة الـ 54 للمهرجان الوطني للفنون الشعبية بالمغرب

حضور ملفت للجمهور المغربي في ختام الدورة 54 للمهرجان الوطني للفنون الشعبية بالمغرب

متاحف قطر (الترا صوت)
فنون

قطر تحتفي بتراثها في اليونسكو.. 50 عامًا على انطلاقة متحفها الوطني

50 عامًا على انطلاق متحف قطر الوطني في مقر اليونسكو

قضية إبستين
سياق متصل

عودة ملف إبستين تثير انقسامًا داخل قاعدة ترامب وتدفعه للتدخل لاحتواء الأزمة

عادت قضية إبستين إلى الواجهة، ما أثار خلافًا داخل قاعدة ترامب ودفعه للتدخل لوقف هجوم أنصاره على أعضاء من إدارته

وزارة الثقافة المصرية (الترا صوت)
نشرة ثقافية

وزارة الثقافة المصرية تطلق النسخة التجريبية لموقعها الإلكتروني

نسخة تجريبية من الموقع الرسمي لوزارة الثقافة المصرية

حرب السودان
سياق متصل

حرب السودان.. معارك استنزاف في الفاشر وكردفان وسط موجات نزوح متصاعدة

فيما تسعى قوات الدعم السريع لحسم معركة الفاشر المحاصَرة منذ أزيد من عام بهدف طرد الجيش السوداني من آخر نقطة تمركز له في إقليم دارفور بولاياته الخمس، فإن الجيش السوداني يبذل قصارى جهده لاستعادة ما يمكن استعادته من المناطق في إقليم كردفان الذي يعدّ البوابة الرئيسية للوصول إلى إقليم دارفور.