11-فبراير-2018

غرافيتي في فرانكفورت

أفضل الأوقات تلك التي تقضيها بصحبة كتاب يشافر فيك عبر الأزمنة والأمكنة، ومن بين الكتب كلّها باتت الرواية الفن الأقدر على تقديم صورة الحياة الحيّة، على خلفية سياسية أو تاريخية أو علمية، تدمج المعرفة والمتعة معًا. هذه القائمة مقترحات لـ 5 روايات من العالم، تناسب قارئ عطلة نهاية الأسبوع.


1- ساعي بريد نيرودا

أنجز الروائي التشيلي أنطونيو سكارميتا تحفتهُ الشهيرة "ساعي بريد نيرودا" قبل أكثر من ثلاثين عامًا، إلّا أنّها لا تزال ضمن دائرة اهتمام القرّاء والنقّاد معًا، كونها تحمل في طيّاتها سيرةً موجزةً ومختلفة للشاعر بابلو نيرودا، ووصفًا شاملًا للبيئة المُحيطة به، والمتّسمة بالفقر والقسوة والتهميش. ناهيك عن أنّها تقدّم صورة موسّعة عن حقبة دمويّة في تاريخ تشيلي الحديث، وهي حقبة السبعينات التي شهدت انقلابًا عسكريًا أراق الكثير من الدماء.

الرواية التي نقلها صالح علماني إلى اللغة العربيّة، وصدرت آخر طبعاتها عن "دار مسكيلياني" سنة 2011، تروي حكاية ماريو خيمينيث، صائد السمك الذي يعمل ساعي بريد خاصًا ببابلو نيرودا، كون الأخير هو الوحيد الذي تصلهُ رسائل في مدينة إيسلا نيغرا النائية وشبه المهجورة.

يُمكننا تقسيم أحداث الرواية إلى ثلاثة أجزاء، الأوّل يسرد علاقة ماريو بنيرودا، والتي تتحوّل لاحقًا إلى صداقة تمكّننا، من خلال حواراتهما، من التعرّف على بابلو نيرودا أكثر، لا سيما فيما يخصّ أفكاره وآراءه السياسيّة. بينما في الثاني ثمّة قصّة حب بين ماريو وفتاة تُدعى بياتريث، يحاول ساعي البريد سرقة قلبها من خلال الشعر والاستعارات، ما يوضّح قوّة الشعر ومدى تأثير الكلمات على حياة البشر، وأخيرًا الحديث عن انقلاب 1973 وما خلّفه من آثارٍ على حياة المواطنين بشكلٍ عام، ونيرودا وماريو بشكلٍ خاص.

ساعي بريد نبرودا

2- هيا نشتر شاعرًا

يُدخلنا الروائي البرتغالي أفونسو كروش في روايته "هيا نشترِ شاعرًا" (دار مسكيلياني، 2017) ترجمة عبد الجليل العربي؛ إلى عوالمه الفنتازيّة المُتخيَّلة والمحبوكة بمهارةٍ عالية تشي بخبرة هذا الروائي في صناعة تلك العوالم التي لا تمتّ للواقع بصلة، غير أنّها من الممكن أن تكون قراءةً استشرافية لمستقبله القريب، حيث من الممكن أن يُلقّب البشر بالأرقام بدلًا من الأسماء، ويصير تناول الطعام مرهونًا بالغرام، وتُصبح النسبة المئويّة مقياسًا للحب بين الآخرين.

تدور الرواية في عالمٍ ماديٍّ بالدرجة الأولى، قائم على الأرقام التي تدلُّ على الربح والخسارة. وتنطلق أحداثها من رغبة فتاة في شراء شاعر وتربيته لديها، كما لو أنّها تشتري حيوانًا أليفًا. إذ إنّ الشعراء في عالم أفونسو كروش المُتخيَّل يُباعون في المحلّات التجاريّة، بالإضافة إلى الرسّامين والنحّاتين المُهمّشين في هذا العالم لكونهم من الأشياء المُكلفة وغير المُربحة. ويأتي اختيار الشاعر كونه، بحسب عائلة الفتاة، لا يوسّخ كثيرًا كالرسامين، أي أنّه غير مكلف. الأمر الذي يضعنا هنا أمام عدّة أسئلة ملحّة، وأبرزها، ما هي قيمة الفنّ والأدب في عصر الأرقام والمادّة؟ لعلّ الرواية، مضمونًا، تُجيب عن هذه التساؤلات بطريقة ساخرةٍ ومواربة، ولا يحتاج القارئ أكثر من ساعة لإنهائها.

هيا نشتر شاعرا

3- قلم النجّار

يقول الروائي الألماني غونتر غراس عن رواية "قلم النجّار" للروائي الإسباني مانويل ريفاس إنّها عرّفته بالحرب الأهليّة الإسبانيّة أكثر من أي كتاب تاريخ قرأه. وذلك لأنّ مانويل ريفاس قدّم في هذه الرواية الصادرة عن "دار نينوى، دمشق"، ترجمة صالح علماني؛ صورة موسّعة عن تلك الحرب، بيد أنّها أيضًا لم تكن حاضرةً كفكرة أساسيّة للرواية، بل خلفية لأحداثها المتعدّدة والمُتشعّبة والوحشيّة، والتي استعرض مانويل ريفاس من خلالها ما يُمكننا تسميته حروب الإنسان الإسباني الصغيرة، والتي كانت تدور في الخفاء، من معاناة وظلم وقهر وتهميش.

 يقوم متن رواية "قلم النجار" على ذكرياتٍ يسردها كلّ من سجين سياسي سابق في سجون فرانكو يُدعى الدكتور دار باركا، وجلّاد سابق في تلك السجون أيضًا يُدعى هيربال. ويُحاول مانويل ريفاس من خلالهما استعراض معاناة السجناء السياسيين في تلك الحقبة الزمنيّة من تاريخ اسبانيا، أي من وجهتي نظر الضحيّة والجلّاد. ويختار الروائي سجن "سنتياغو دي كومبوستيلا" انطلاقًا من كونه أبشع السجون الفاشيّة آنذاك، ومسرحًا للتعذيب والإذلال النفسي الذي تعرّض له السجناء داخله.

قلم النجّار

4- المسخ

ستظلّ رواية كافكا "المسخ" لمؤلِّفها الروائي التشيكي فرانز كافكا، روايةً خالدةً وعابرة للأزمنة أيضًا. حاملةً في طيّاتها أشكالًا مختلفة من الدهشة التي انتقاها كافكا بمهارة عالية، منحتها قدرةً هائلة على صدم القارئ بعد كل سطر يتوقّف عنده، الأمر الذي دفع الروائي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز للقول بعد قراءتها إنّه لم ينم بسكينته السابقة، ناهيك عن أنّها حدّدت اتّجاهًا جديدًا في حياته منذ سطرها الأوّل.

تدور أحداث هذه الرواية حول موظفٍ يستيقظ صباحًا ليكتشف أنّه قد تحوّل إلى حشرة ضخمة بطريقةٍ ظلّت غامضة وغير واضحة، ولم تجهد عائلته نفسها في البحث عن أسباب هذا التحوّل، إنّما اكتفت بالبحث عن وسائل تمكّنها من التخلّص منه والعيش بسعادة بعد أن صار سامسا/الحشرة مصدر قلق وإزعاج لها، على الرغم من كلّ ما فعله لأجلها قبل أن يتحوّل إلى حشرة. وهنا يرصد كافكا طبائع النفس البشريّة والعلاقات القائمة على مصالح مشتركة بينها، فضلًا عن الإنسانيّة التي تغيب غيابًا قاسيًا في روايته هذه داخل العائلة الواحدة.

المسخ

5- الفيسكونت المشطور

"هل يمكن للإنسان أن يعيش مشطورًا إلى نصفين؟" سؤال يتبادر إلى ذهن قارئ رواية "الفيسكونت المشطور" للروائي الإيطالي إيتالو كالفينو، ويظلّ ملازمًا له في ظلّ قراءته لتلك الرواية التي تتناول في طيّاتها الصراع الأبدي بين الخير والشر، ولكن بطريقةٍ فانتازيّة وساخرة، تميل أيضًا إلى الفلسفة العميقة التي يكشف من خلالها خبايا النفس البشريّة بنصفيها الشرير والفاضل، وذلك عبر حكاية غرائبيّة يقدّمها كالفينو لقرّائه.

تقوم الرواية الصادرة سنة 1952، والمنقولة إلى العربيّة سنة 2000 على يد معن مصطفى الحسّون عن "دار الكلمة"، على حكاية ميدارو، الفيسكونت الذي يلتحق بجبهات القتال أثناء الحرب المسيحيّة - العثمانيّة، ويتعرّض للإصابة بقذيفةٍ مدفعيّة تشطره إلى نصفين. ولكنّ الأطبّاء، وفي أجواءٍ فانتازية، يُنقذون نصفه الأيمن ليعود إلى الحياة مجدّدًا، بساق وذراع وعين واذن واحدة فقط، ونصف فمٍ وأنف أيضًا. إلّا أنّ التغيير لم يكن جسديًا فحسب، إذ تحوّل هذا النصف، وعلى عكس ما كان عليه سابقًا، إلى شخص يُبالغ في إيذاء الآخرين، ممثّلًا الشر، على عكس النصف الأيسر الذي نهض لاحقًا بمفرده، متحوّلًا إلى شخصٍ يُبالغ في الخير والفضيلة.

الفيسكونت المشطور

اقرأ/ أيضًا:

القراءة.. أعظم النعيم

كيف كانت القراءة الصامتة طريقًا إلى الحياة الفردية؟